مقاربة السيسي للتوتر في الخليج: تهدئة وتواصل عبر موسكو

مقاربة السيسي للتوتر في الخليج: تهدئة مع إيران وتواصل عبر موسكو

04 يونيو 2019
السيسي يشارك موسكو رؤية عدم الترحيب بأي حرب بالخليج(Getty)
+ الخط -
يكرر الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في كل فعالية سياسية داخلية أو إقليمية، تصريحاته عن اعتبار أمن الخليج العربي، وخصوصاً السعودية والإمارات، جزءاً لا يتجزأ من الأمن القومي العربي، وآخرها كان في كلمتيه بالقمتين العربية والإسلامية في مكة الأسبوع الماضي. لكنّ مقاربة السيسي لقضية الصراع بين بعض الدول الخليجية وإيران تبقى بعيدة عن التدخّل العسكري أو قبول الانخراط بسهولة في حلف يرحّب بحرب إقليمية جديدة، بحسب مصادر دبلوماسية مصرية أكدت لـ"العربي الجديد"، أنّ السيسي لن يقدم على أي خطوة تحمل تضحية بتقاربه مع روسيا، وأنه يفضّل أداء أدوار وسيطة بين المعسكرين، ويرى أنها الخدمة المثلى التي يمكن تقديمها للرياض وأبوظبي.

وحاول السيسي في خطابيه بالقمتين العربية والإسلامية، تلافي ذكر إيران بأي صورة. ففي الوقت الذي تشتعل فيه المواجهة السياسية والإعلامية بين العاصمتين الحليفتين له من جهة، وطهران من جهة أخرى، لأقصى درجاتها منذ سنوات، آثر الرئيس المصري أن يلقي باللائمة على الحوثيين، متهماً إياهم بالمسؤولية عن الهجمات التي تعرّضت لها المرافق النفطية في السعودية، والمحاولات المتكررة لاستهداف أراضيها بالصواريخ، وكذلك الاعتداءات التي تعرّضت لها الملاحة في المياه الإقليمية للإمارات. واللافت أنه لم يعتبر هذه الهجمات اعتداءً على السيادة، وهو الوصف الذي استخدمته الدولتان، بل اعتبرها "أعمالاً إرهابية صريحة تتطلّب موقفاً واضحاً من كل المجتمع الدولي لإدانتها أولاً، ثمّ للعمل بجميع الوسائل لردع مرتكبيها ومحاسبتهم، ومنع تكرار هذه الاعتداءات على الأمن القومي العربي، وعلى السلم والأمن الدوليين".

ونقل السيسي مهمة مواجهة تلك الأعمال الإرهابية، كما وصفها، إلى ملعب المجتمع الدولي ككل، مطالباً إياه بتحمّل مسؤوليته "كاملة" تجاه هذه التهديدات، ومطالباً العالم العربي بتفعيل آليات التعاون في مجال مكافحة الإرهاب وتدعيم القدرات الذاتية على مواجهته.

ويلاحظ أنّ السيسي عمل على تغيير الصبغة السياسية للحدث الجوهري الذي دعت السعودية من أجله لقمم مكة الثلاث، مع إدراجه تحت محوره المفضل شخصياً للحديث، وهو مكافحة الإرهاب، من دون أن يضع نفسه في مأزق تصنيف الإرهاب المقصود.

أكثر من ذلك، فإنه دعا إلى ما وصفه "وضع مقاربة استراتيجية لأزمات المنطقة وجذور عدم الاستقرار والتهديدات التي تواجه الأمن القومي العربي، بحيث تجمع بين الإجراءات السياسية والأمنية"، وتقوم على أنّ "العرب دائماً على رأس الداعين للسلام والحوار، فلا يوجد أحرص منهم على علاقات جوار صحية وسليمة"، وكذلك تقوم على "احترام سيادة الدول العربية وعدم التدخّل في شؤونها، والامتناع عن أي محاولة لاستثارة النعرات الطائفية والمذهبية، وكل من يلتزم بهذه المبادئ سيجد يداً عربية ممدودة له بالسلام والتعاون".

وهنا، تتبيّن رغبة السيسي في خلق مسار منفصل لتحركاته السياسية عن مسار المواجهة والتصعيد، وهو ما يعيد إلى الأذهان حديثه في مايو/ أيار 2018، عن أنّ "المنطقة لا تحتمل أي حرب جديدة"، حتى إذا تعلّق الأمر بسورية واليمن، في سياق كان مقارباً للحدث الحالي في الخليج، ولو بدرجة سخونة أقل.

وكان السيسي في ذلك الخطاب الذي ألقاه بما يسمى "المؤتمر الوطني للشباب"، قد ذهب لأبعد من ذلك، وتحدّث في موضوع شائك لم يسبقه إليه رئيس مصري، وهو الصراع المذهبي بين السنة والشيعة، والذي يعتبر من الأسس الدائمة لتوتر العلاقة بين الخليج وإيران. واعتبر الرئيس المصري وقتها أنّ هذا الصراع يضرّ بجميع الأطراف، وأنّ على الدول المختلفة الابتعاد عن تأجيج النزاعات على أساس ديني. علماً أنّ هذا الموضوع كانت القاهرة تتحاشى من قبل الدخول فيه، بل إنها عرفت على الدوام بسياسة متشددة غير معلنة إزاء المواطنين الشيعة بسبب الحساسيات القائمة مع إيران منذ نشأة "الجمهورية الإسلامية".

كما برزت المسافة بين رؤية السيسي ونظرة الرياض تحديداً في ما يتعلق بمصادر التهديد الاستراتيجية للعالم العربي، عندما اعتبر أنّ القضية الفلسطينية ما زالت القضية المركزية، مكرراً الدعوة إلى "حلّ سياسي شامل يلبي طموحات الفلسطينيين المشروعة في الاستقلال وإنهاء الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة كاملة السيادة على حدود الرابع من يونيو (حزيران) 1967، وعاصمتها القدس الشرقية"، وذلك من دون أن يشير من قريب أو بعيد، إلى مفردات "صفقة القرن" (خطة الإملاءات الأميركية لتصفية القضية الفلسطينية المعروفة إعلامياً بصفقة القرن) أو التعاون مع واشنطن وتل أبيب في صياغتها.

وتحدّث السيسي عن إيران بصيغة المجهول، ربما قاصداً التعميم وتوسيع مظلّة النقد لتشمل دولاً أخرى، كتركيا. كما لم يفته في الكلمة توجيه نقد مبطّن لدولة قطر التي وصفها بـ"أي طرف عربي يحيد عن مقتضيات الأمن القومي العربي ويشارك في التدخلات في الشؤون الداخلية للدول العربية".

وفي السياق، أوضحت المصادر الدبلوماسية المصرية التي تحدثت مع "العربي الجديد"، أنّ القاهرة تحاول أداء دور في سياق التهدئة الخليجية مع طهران من خلال اتصالات غير مباشرة تشارك فيها موسكو، وأنّ السيسي أبلغ ولي عهد أبوظبي، محمد بن زايد، في لقائهما الأخير بالقاهرة بعض "الملاحظات الروسية لتلافي الدخول في مواجهة مسلحة".

وأضافت المصادر أنّ السيسي يشارك موسكو رؤية عدم الترحيب بأي حرب في منطقة الخليج، نظراً لعدم استقرار الأوضاع في سورية، وما قد تؤدي إليه أي مواجهة من تصعيد للتوتر مع إسرائيل أيضاً، أو دخولها في الحرب، وهو ما تتحفّظ عليه واشنطن كذلك.

وترتبط التهدئة الرسمية بين مصر وإيران بشكل أساسي، بالعلاقات المتطورة بين السيسي ونظيره الروسي فلاديمير بوتين. فرغم وجود خلافات في بعض أوجه العلاقات الثنائية، إلّا أنّ الرهان المصري على موسكو كداعم دولي مهم للنظام، حاضر منذ صعود السيسي للسلطة، في ظلّ نشوب خلافات دائمة مع واشنطن، بعضها معلن والبعض الآخر خفي، لا سيما مع استمرار تعليق جزء من المعونة الأميركية لمصر وتداول مقترحات في الكونغرس لتخفيضها بشكل عام.

وخلال العامين الماضيين، فتح السيسي قنوات اتصال مع الإيرانيين عن طريق العراق، بإقامة علاقات جيّدة بالقوى العراقية المقربة من طهران، ووقّع معها اتفاقيات لاستيراد النفط على الأمد الطويل، خلال فترة برود العلاقات مع السعودية بين توقيع اتفاقية التنازل عن جزيرتي تيران وصنافير وإصدارها رسمياً.

كما أنّ السيسي بتعامله في الملف السوري، يصرّ على عدم اتخاذ مواقف حادة تغضب السعودية أو تقف عائقاً أمام روسيا، لكنه لجأ إلى تطوير التنسيق الأمني والاستخباراتي مع نظام بشار الأسد، بدءاً من أكتوبر/ تشرين الأول 2016، حيث زار رئيس مكتب الأمن الوطني في النظام السوري، اللواء علي المملوك، القاهرة وعقد مباحثات مع مديري الاستخبارات العامة والأمن الوطني المصري. وكان ذلك بداية للقاءات متكررة في القاهرة أسفرت عن اتفاقات لتبادل المقبوض عليهم والموقوفين، واستضافة العاصمة المصرية جولات حوارية بين الأطراف السورية الموافقة على استمرار الأسد كجزء من المستقبل السوري برعاية روسية.