حميدتي يوظف بن ميناشي الإسرائيلي لتلميع صورة العسكري السوداني

حميدتي يوظف بن ميناشي الإسرائيلي لتلميع صورة العسكري السوداني

28 يونيو 2019
وقع حميدتي العقد مع الشركة الكندية (فرانس برس)
+ الخط -
كشفت صحيفة "غلوب أند ميل" الكندية أن المجلس العسكري في السودان وقع عقدا مع شركة ضغط كندية، يديرها الضابط الإسرائيلي السابق آري بن ميناشي، للترويج له وتلميع صورته مقابل 6 ملايين دولار؛ وهو الرجل نفسه الذي يستعين بخدماته الجنرال الليبي المتقاعد خليفة حفتر.

وبحسب الصحيفة، في تقرير نشرته الخميس، فقد وقعت شركة "ديكنز آند مادسون"، ومقرّها في مونتريال بكندا، عقداً لتلميع صورة المجلس العسكري السوداني، الذي استولى على السلطة في إبريل/نيسان الماضي، ومتورّط بارتكاب مجازر بحق المتظاهرين خلال فضّ اعتصام الخرطوم في محيط القيادة العامة للجيش في بداية الشهر الحالي.

ويقول العقد، الذي اطلعت عليه الصحيفة، إنّ الشركة تتعهد ببذل "قصارى جهدنا لضمان تغطية إعلامية دولية وسودانية مواتية (لرؤيا المجلس العسكري)".

ومن الخدمات التي تقدّمها الشركة أيضاً، العثور على معدّات للقوات الأمنية للمجلس العسكري، والبحث عن مستثمرين نفطيين، والسعي لعقد اجتماع مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وتحسين العلاقات مع روسيا والسعودية، إلى جانب الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي وربما غيرها من الدول والمنظمات، بحسب ما تظهر وثائق العقد.

ويرأس شركة "ديكنز آند مادسون" آري بن ميناشي، وهو ضابط مخابرات إسرائيلي سابق. وقدّمت الشركة خدماتها، إضافة لحفتر، إلى ديكتاتور زيمبابوي المخلوع روبرت موغابي.

وبحسب الصحيفة، فإنه تم توقيع العقد من قبل بن ميناشي ونائب قائد المجلس العسكري السوداني الجنرال محمد حمدان دقلو، المعروف باسم حميدتي. والجنرال حميدتي هو قائد قوات الدعم السريع (الجنجويد سابقاً)، المتهمة بارتكاب مجزرة بحق المتظاهرين في الخرطوم.


وتم توقيع العقد من قبل حميدتي في 7 مايو/أيار الماضي، وفقًا للوثائق المقدّمة إلى الحكومة الأميركية بموجب قانون تسجيل الوكلاء الأجانب، والذي يتطلب من الشركات التي تضغط على الحكومة الأميركية نيابة عن كيانات أجنبية أن تكشف عن علاقتها بتلك الكيانات، وفقاً للصحيفة.

واتصلت صحيفة "غلوب أند ميل" بمكتب الشركة في مونتريال لطلب التعليق على عقد السودان، لكن قيل لها إن بن ميناشي كان مسافراً ولا يمكن الوصول إليه.

ومن الخدمات التي تقدّمها الشركة أيضاً "المساعدة في وضع وتنفيذ سياسات من أجل التنمية المفيدة للأهداف السياسية للمجلس"، و"التأكد من الحصول على الاعتراف كقيادة انتقالية مشروعة لجمهورية السودان وإنشاء دور إشرافي لمجلسكم"، بحسب نصّ العقد.

وبالإضافة إلى البحث عن معدات عسكرية وترتيب لقاء مع ترامب، تقول الشركة إنها "ستسعى جاهدة لترتيب اجتماعات خاصة مع شخصيات روسية وشخصيات سياسية أخرى"، مضيفة أنها "ستتعهد بالحصول على تمويل من الولايات المتحدة والاتحاد الروسي ودول أخرى". كما تقترح الشركة إقامة تحالف بين النظام السوداني وخليفة حفتر، بحيث يقدّم الأخير "معدّات عسكرية" للنظام السوداني مقابل الحصول على تمويل من السودان.

وسبق أن كشف "العربي الجديد" عن خيوط العلاقة التي تجمع حفتر والضابط الإسرائيلي، الذي يقدّم خدماته للأوّل مقابل ملايين الدولارات.

شاهد الفيديو: 


وتقول الصحيفة إن بن ميناشي خاض معركة شاقة في محاولة لإقناع واشنطن بدعم النظام السوداني؛ إذ استمرت الولايات المتحدة في تعليق علاقاتها مع السودان، وألقت باللوم على قوات الدعم السريع في "العنف الوحشي" ضدّ المتظاهرين المؤيدين للديمقراطية. 


وهل بن ميناشي مرتبط بإسرائيل ومشاريعها في المنطقة؟

في البحث عن هذه الشخصية الإسرائيلية، يتبين أنّ الرجل يهودي عراقي، مولود في طهران عام 1952، وموظف سابق في الحكومة الإسرائيلية. وظهر لأول مرة في وسائل الإعلام في عام 1989، عندما اعتُقل في الولايات المتحدة واتهم بمحاولة بيع ثلاث طائرات عسكرية إلى إيران، في انتهاك للقانون الأميركي لمراقبة تصدير الأسلحة. وقضى ما يقرب من عام في السجن في نيويورك. وتمت تبرئته في المحاكمة حيث قبلت هيئة محلفين دفاعه، الذي استند إلى أنه كان يتصرف بناءً على أوامر من رؤسائه في إسرائيل. ثم تغيرت حياته، وأصبح لغزاً.

كتب بن ميناشي مذكراته تحت عنوان "أرباح الحرب"، وادعى أنه قد شهد اجتماعات مهمة، منها على سبيل المثال اجتماع عام 1980 في باريس بين قادة الحزب الجمهوري الأميركي، بمن فيهم جورج بوش، ومسؤولين حكوميين ثوريين إيرانيين، بخصوص رهائن أميركيين مختطفين.

يقول بن ميناشي إنه واصل السفر حول العالم ممثلاً إسرائيل، كضابط للاستخبارات العسكرية ومن ثم كمستشار استخباراتي خاص لرئيس الوزراء الإسرائيلي السابق إسحاق شامير. وبحلول الوقت الذي نشرت فيه مذكراته، في عام 1992، لم تعد إسرائيل لديها أية علاقة به، كما أنه ليس مع إسرائيل، على حدّ زعمه. "لم يكن لدي أي بلد"، كتب في مذكراته، "أنا مواطن من العالم، أو مواطن لا مكان له".

لكنه يقرّ بعمله لصالح الحكومة الإسرائيلية. ويعلل ذلك الآن بأنه "كان انحرافاً. لقد حدث أن يكون الرجل المناسب في الوقت المناسب. لقد تحدثتُ الفارسية والعربية والإنكليزية. كنت أعرف الولايات المتحدة. وبينما اعتقدت بصراحة أني أثق بإسرائيل في ذلك الوقت، فقدت في النهاية الثقة".

وخلافاً للاعتقاد السائد، لم يدع قط أنه عمل لدى "الموساد"، وهو جهاز المخابرات الإسرائيلي، كما يصر. "كنت ضابط المخابرات العسكرية العليا لفترة. ثم كنت مستشاراً للاستخبارات الخارجية للرئيس شامير لمدة عامين. وكان العمل المتعلق بالأمن. كل شيء في الكتاب".

في عام 2002، كان بن ميناشي مرة أخرى في دائرة الضوء الدولي، بعدما عمل كعميل لمورغان تسفانجيراي، المنافس السياسي الرئيسي للديكتاتور في زيمبابوي روبرت موغابي. قام بن ميناشي بتسجيل فيديوهات وتسجيلات صوتية يفترض أنها كشفت عن تسفانجيراي الذي يخطط لاغتيال الرئيس موغابي. ثم سلم التسجيلات للأخير، وهو صديق وحليف منذ زمن طويل. ووقع بن ميناشي وموغابي على الفور صفقة استشارية خاصة بهما تبلغ قيمتها أكثر من مليون دولار. واتهم تسفانجيراي بالخيانة وذهب إلى المحاكمة في هراري. وأصبح بن ميناشي شاهداً لدى النائب العام.

وقد صدر حكم في عام 2004 ببراءة تسفانجيراي. وفي قراره، وصف قاضي المحاكمة سلوك بن ميناشي في قاعة المحكمة بأنه كان "وقحاً جداً... أدلى بملاحظات لا مبرر لها، واستمر في إظهار سلوك مزيف حتى بعدما حذرت المحكمة من ذلك".

ويقول بن ميناشي إنه ليس نادماً. وقال "إن تسفانجيراي هو الذي اقترب منا. طلب منا القيام بانقلاب وقتل موغابي. لكن لم أصغ له، نحن لا نفعل ذلك. لقد سار واقترب من الرجل الخطأ".

ويبقى احتمال أن صفقات بن ميناشي وأمثاله من الضباط الإسرائيليين السابقين، لا تتعلق بالقطاع الخاص الإسرائيلي فقط، وارداً، وتثار الشكوك حول علاقة الإدارات الإسرائيلية بها، خصوصاً أنّ الأخيرة تعمل من أجل ترسيخ الدكتاتوريات في المنطقة، وفق ما تؤكّد المعلومات الصادرة عن التقارير الإسرائيلية نفسها.