تحركات الأذرع السياسية للإمارات بليبيا: تغير في سياسة أبوظبي؟

هل تعكس مبادرة تحالف القوى الوطنية تغيراً في سياسة أبوظبي في ليبيا؟

26 يونيو 2019
محمود جبريل رئيس تحالف القوى الوطنية (ليون نيل/فرانس برس)
+ الخط -
بعد ساعات من التراجع الإماراتي الذي أبدته تصريحات مسؤولين، آخرهم وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية أنور قرقاش الذي دعا أمس من روما إلى "تحريك الجمود والعودة للعملية السياسية" في ليبيا بوساطة الأمم المتحدة، وإنكاره لدعم بلاده قوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر عسكريا، يبدو أن أذرعها السياسية في ليبيا بدأت في التحرك في هذا الاتجاه، لاسيما من خلال تحالف القوى الوطنية الذي يقوده السياسي الليبي البارز محمود جبريل.

وأطلق تحالف القوى الوطنية مبادرة لحل الأزمة الحالية الناتجة عن هجوم حفتر على طرابلس، أشار نص المبادرة إلى أنها أعدت من "كتلة من الكيانات السياسية والشخصيات الوطنية" دون أن تسميها، أبرز تفاصيلها عقد هدنة من 15 إلى 40 يوما، والدعوة إلى عقد مؤتمر في ثلاث مستويات: سياسي، واجتماعي، وعسكري.

وليست مبادرة التحالف وحدها التي جرى الإعلان عنها مؤخرا بالتزامن مع حالة الجمود العسكري جنوب طرابلس، بل سبقتها مبادرات من رئيس حكومة الوفاق فايز السراج، ورؤية سياسية أشار لبعض تفاصيلها حفتر في حديث صحافي، وأخرى من قبل أعضاء في مجلس النواب المنعقد بطبرق، تزامنا مع كثافة في الدعوة للحل السلمي دوليا وإقليميا، وسط جهود لم تتوقف يقودها المبعوث الأممي غسان سلامة.

ويبدو أن نتائج الميدان جاءت عكس ما تشتهي سفن حفتر وداعميه وكانت وراء الضغط باتجاه العودة للحل السياسي، خاصة أن حكومة الوفاق باتت تملك زمام المبادرة جنوب طرابلس، وسط خسائر حفتر المتلاحقة لمواقعه، وآخرها المطار، لكن اللافت في كل هذه المبادرات، وسط توقعات بإطلاق المزيد منها، أن التفاعل ضعيف معها، سيما أن أهمها، المطروحة من جانب السراج وحفتر، لم تقدما تنازلات، بل أظهرت تجاهلا للآخر.

وفي تفاصيل مبادرة تحالف القوى الوطنية، يبدو واضحا الاتجاه لإنقاذ موقف حفتر المتأزم سياسيا وعسكريا، عبر الدعوة لإنشاء منطقة عازلة بين قوتي الحكومة واللواء المتقاعد، ولا تتضمن أي دعوة لحفتر للانسحاب من مواقعه جنوب العاصمة، كما أنها حاولت التخفيف من حدة خطاب حفتر العدائي ووصفه لخصومه بالإرهابيين، فهي تتحدث بشكل واضح عن قوات الحكومة "غير الإرهابيين".

ورغم التسريبات القليلة من كواليس الاتفاق الذي دار بين حفتر والسراج في أبوظبي نهاية فبراير/ شباط الماضي، إلا أنها تكاد تتطابق تماما مع النتائج المأمولة من المؤتمر الذي دعت إليه مبادرة التحالف في مستوياته الثلاث. فالجانب السياسي من المؤتمر يدعو لتشكيل حكومة وحدة وطنية بمشاركة كل الأطياف. وفي الجانب العسكري يترك للقادة العسكريين تقرير مصير وشكل المؤسسة العسكرية، مشددة على أنه "لا يغفل دور الجيش بقيادة حفتر في الحرب على الإرهاب".

وفي أكثر من موقع بالمبادرة، عمل التحالف على استمالة قوات مصراته، التي تشكل رأس الحربة للقوات التي أجهضت مشروع حفتر في السيطرة على طرابلس حاليا، عبر الثناء على "دورها في محاربة الإرهاب"، وبالتالي الدعوة لتشكيل "قوة مشتركة من الطرفين لمحاربة الإرهاب".

ويبدو أن الصيغة التي كتبت بها بنود المبادرة سعت إلى إظهار الحياد ولكنها لن تكون مقنعة، علاوة على معرفة قطاع عريض من الليبيين بتاريخ حزب تحالف القوة الوطنية طيلة الثماني سنوات الماضية، ودعم الإمارات له.

ويظهر أن كل المبادرات الجارية ستؤدي إلى تحول كبير في المشهد السياسي، خاصة أن انقلاب حفتر عسكريا بشكل واضح على حل أممي كان على وشك الوصول إلى المرحلة النهائية، من خلال ملتقى غدامس منتصف إبريل/ نيسان الماضي، عمق انعدام الثقة، بل إنه هاجم طرابلس أثناء وجود الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس داخلها لوضع اللمسات الأخيرة على الملتقى، فضلا عن أن قادة طرابلس ومصراته صاروا أكثر تشددا في رفض قبول حفتر شريكا سياسيا. 

ويبدو أن مبادرة التحالف، ومن ورائها أبوظبي، جاءت لتفصح بشكل ضمني عن فشل الرهان العسكري على حفتر، لكنها في الوقت ذاته تؤكد على استمرار الإمارات في التدخل والتنفذ سياسيا، من خلال إحياء ذراعها السياسي السابق الذي نجح في حصد أكبر عدد من كراسي البرلمان إبان انتخابات عام 2012، ونسبيا في انتخابات 2014، فيما لا يزال محمود جبريل يلقى قبولا شعبيا وسياسيا، ويسيطر بعض أعضائه على مفاصل ومراكز في الدولة، سيما في طرابلس.

وقد يبدو هجوم سفير ليبيا السابق لدى الإمارات، العارف النايض، المقرب من ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد، خلال مقابلة تلفزيونية مطلع الأسبوع الجاري، على أتباع التيار المدخلي، وتحذيره لحفتر من خطورة امتلاكهم للسلاح، مؤشر آخر يعكس تغيرا في اتجاه سياسة أبوظبي في الملف الليبي.​