العريش في مرمى الاعتداءات مجدداً

العريش في مرمى الاعتداءات مجدداً

27 يونيو 2019
تسود حالة إهمال ميداني للقوات في العريش(فرانس برس)
+ الخط -
شهدت مدينة العريش، عاصمة محافظة شمال سيناء، اعتداءات إرهابية استهدفت قوات الأمن المصرية في عدة مواقع وسط المدينة يومي الثلاثاء والأربعاء. ويدق هذا الأمر ناقوس الخطر بإمكانية عودة الأوضاع الأمنية إلى مراحل سيئة، عانت منها المدينة لسنوات، ما يستدعي تحركاً عاجلاً لتدارك الموقف، وإعادة حالة الضبط الأمني للمدينة، عبر البحث عن نقاط الضعف التي استغلها التنظيم لاختراق المنظومة الأمنية التي جرى تثبيتها في المدينة خلال فترة العملية العسكرية الشاملة، التي بدأت في فبراير/ شباط 2018، وأدت إلى تمكنه من تنفيذ هجمات متزامنة في مناطق حساسة وسط المدينة.

وهاجمت مجموعات مسلحة تابعة لتنظيم "ولاية سيناء" الموالي لتنظيم "داعش" الإرهابي، مساء الأربعاء، عدة كمائن للأمن المصري غرب مدينة العريش، بمحافظة شمال سيناء، ما أسفر عن وقوع جرحى في صفوف قوات الأمن.

وقال شهود عيان لـ"العربي الجديد" إن التنظيم هاجم عدة كمائن للأمن المصري في حي المساعيد غرب العريش، ومنها كمين كنيسة المساعيد، والكمائن المحيطة به.

وأوضح هؤلاء أن قوات الأمن استطاعت الرد على المهاجمين ودفعهم للانسحاب من المكان.
وهو الهجوم الثاني الذي يشنه التنظيم ضد قوات الأمن في قلب مدينة العريش في غضون 24 ساعة، في سلسلة هجمات هي الأولى من نوعها منذ أكثر من عام.

وأفادت مصادر طبية في مستشفى العريش العسكري لـ"العربي الجديد" أن ثلاثة مجندين أصيبوا بجروح متفاوتة نتيجة هجمات الليلة.

وفي وقت سابق، قالت مصادر قبلية وشهود عيان، لـ"العربي الجديد"، إن مجموعات مسلحة تابعة لتنظيم "ولاية سيناء"، الموالي لتنظيم "داعش"، هاجمت عدة أهداف أمنية، منها كمائن للجيش والشرطة وسط مدينة العريش، بالإضافة إلى مناوشة عدة ارتكازات أمنية، وإطلاق النار على آليات للأمن وتفجير إحداها، وإعدام ضابط شرطة من مسافة صفر. ووقعت كل الهجمات في غضون ساعة، مساء الثلاثاء الماضي، فيما عاشت المدينة ساعات من القلق والهلع، نتيجة إطلاق النار والانفجارات التي سمعت وسطها، بينما كانت الشوارع والمقاهي والمحال التجارية تغص بالمواطنين، ما زاد من حالة الإرباك في صفوف الأمن.

وأضافت المصادر أنّ "ولاية سيناء"، الذي تبنى الهجمات، تعمّد مفاجأة قوات الأمن بسلسلة من الهجمات في آن واحد، وفي مناطق متفرقة في وسط وجنوب المدينة، لتشتيت التركيز في الرد على الهجمات، ما زاد الخسائر البشرية في صفوف الأمن، الذي رد باستهداف المجموعات المهاجمة، ما أوقع خسائر مادية وبشرية في صفوفها. وأشارت إلى أن الهجمات استهدفت كمائن حي السلايمة وحي الصفا وسد الوادي والمعهد الأزهري وقوة أمنية قرب مسجد الرفاعي، وسط المدينة، فيما تنقلت المجموعات المهاجمة في أكثر من منطقة خلال فترة الاشتباكات، إلى أن تمكنت قوات الأمن من إصابة بعض المجموعات، وإحراق سيارات تابعة لها، استخدمت للوصول لمنطقة الكمائن، وسط المدينة.

يشار إلى أن الهجوم هو الأول منذ نحو عام الذي يشنه التنظيم ضد قوات الأمن في قلب مدينة العريش التي تعتبر عاصمة محافظة شمال سيناء، في أعقاب العملية العسكرية الشاملة التي بدأها الجيش في فبراير/شباط 2018. مع العلم أن قوات الجيش والشرطة تفرض تشديدات أمنية في محيط مدينة العريش ومداخلها منذ أكثر من عام، أسفرت عن إيجاد حالة من الأمن في كافة المناطق الداخلية للعريش، بعد فلتان أمني شهدته المدينة منذ عام 2016، أسفر عن مقتل عشرات العسكريين والمدنيين في عشرات الهجمات والاستهدافات التي كانت تتم بشكل يومي في كافة مناطق العريش.

من جهتها، قالت مصادر طبية في مستشفى العريش العسكري، لـ"العربي الجديد"، إن سيارات الإسعاف استمرت في نقل جثث القتلى والإصابات لأكثر من ساعة ونصف الساعة، نتيجة تباعد الكمائن، وتوزع الهجمات في عدة مناطق بالعريش، مضيفةً أن الهجمات أسفرت عن مقتل سبعة عسكريين، وإصابة عشرة آخرين، جرى نقل عدد منهم للعلاج في مستشفيات القاهرة نظراً لخطورة إصاباتهم، وهي حصيلة كبيرة لواحدة من الهجمات المعدودة للتنظيم منذ بداية العملية العسكرية الشاملة. وتحفظت قوات الأمن على ثلاث جثث لقتلى من أفراد "ولاية سيناء" في المستشفى، تمهيداً للتعرف على هويات أصحابها. وأضافت المصادر أن قتلى الهجمات هم النقيب مصطفى محمد عثمان والمجندون هشام محمود إبراهيم، ومصطفى عدلي محمود، ومصطفى رمضان محمد، ومحمد بشير عبد التواب، وعبد الرحمن محمد سليم، وعماد حمدي حسن، والمدني أحمد يعقوب الصباغ، الذي قتل برصاص الأمن عن طريق الخطأ، خلال إطلاق النار العشوائي في محيط مناطق الهجوم. والمصابون هم النقيب في الشرطة عبد الله عبد الخالق، وأمين الشرطة عبد الحميد فوزي عبد الحميد، والمجندون سامح أحمد عبد الوهاب إسماعيل، وسعد علي جابر، وعلي أحمد السيد، بالإضافة إلى المدنيين المصابين، وهم شاب وسيدة وطفلة، وصفت جراحهم بالخطيرة.

ويأتي الهجوم على القوات الأمنية بعد أيام من مقتل خمسة عمال وإصابة آخرين، في هجوم لتنظيم "ولاية سيناء" على عمال سور مطار العريش، وسط غياب لقوات الأمن التي من المفترض أن تحمي العمال، نظراً إلى أنه جزء من أعمال قوات الأمن في زيادة الاحتياطات الأمنية في محيط مطار العريش وبناء السور، جنوب المدينة، ما يشير إلى نشاط غير مسبوق منذ أكثر من عام لـ"ولاية سيناء" في مدينة العريش ومحيطها. وفي التعقيب على ذلك، قال باحث في شؤون سيناء، لـ"العربي الجديد"، إن "أحداث العريش الأخيرة تستدعي القلق على مصير الوضع الأمني في محافظة شمال سيناء بأكملها، وتؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أن إنجازات العملية العسكرية الشاملة باتت من الماضي، في ظل عودة التنظيم للعمل بقوة في كافة مناطق سيناء، إذ شهدت الأسابيع الأخيرة عدة اعتداءات نوعية للتنظيم، أوقعت خسائر بشرية ومادية فادحة في صفوف قوات الأمن". واعتبر أن "هذا الأمر يستدعي مراجعة شاملة لكافة الظروف التي سمحت بعودة نشاط التنظيم، بما يشمل إجراء تقييم كامل للموقف من قبل قيادة عمليات الجيش، لتدارك الوضع، وإعادة الاستقرار الأمني إلى مدينة العريش وبقية مناطق سيناء، ولو بشكل نسبي، بدلاً من الانزلاق مجدداً إلى مربع الفلتان الأمني، الذي شهدته المحافظة خلال الأعوام التي سبقت العملية العسكرية الشاملة".

وأضاف الباحث، الذي فضل عدم الكشف عن اسمه، أن "لدى تنظيم ولاية سيناء رغبة جامحة في تعويض غياب التنظيم الأم (داعش) عن الساحة، من خلال سلسلة هجمات تثبت استمرارية نشاطه. وقد تكون هذه الهجمات الأخيرة موجهة بقرار من قيادة التنظيم خارج سيناء، بهدف إعادة صورة التنظيم للواجهة من جديد، واستغلال بعض التوقيتات الحساسة في تنفيذ الهجمات، وتعمُد إيقاع خسائر بشرية ومادية فادحة، لتصدر وسائل الإعلام مجدداً، في ظل أن ساحة سيناء باتت من المناطق النادرة التي يتمركز التنظيم فيها ويتحرك بأريحية". واعتبر أن "التنظيم استطاع الإفلات من شباك العملية العسكرية الشاملة، لعدة أسباب، أهمها تراجع اهتمام قيادة الجيش المصري بالنشاط العسكري في سيناء، وحالة الإهمال الميداني التي تسود القوات المنتشرة في سيناء، وهذا ما أثبتته الهجمات السابقة، من خلال توثيق التنظيم لاقتحام الارتكازات، والانسحاب منها، من دون تمكن قوات الجيش من التصدي أو إفشال الهجوم، في حين أن جميع النتائج السابقة تستدعي اهتماماً عالي المستوى بجبهة سيناء من قبل النظام المصري وقيادة الجيش".