الأردن وورشة المنامة: مشاركة رمزية بالإكراه؟

الأردن وورشة المنامة: مشاركة رمزية بالإكراه؟

24 يونيو 2019
تظاهرة بعمان الجمعة الماضي رفضاً للمشاركة بورشة المنامة(ليث جنيدي/الأناضول)
+ الخط -
ما بين الرفض الشعبي الواسع والضغوط الدولية والإقليمية القوية، والحسابات الرسمية، وتحديداً الاقتصادية، وجد الأردن نفسه في موقف حرج إزاء المشاركة في الشق الاقتصادي ــ المالي من خطة الإملاءات الأميركية لتصفية القضية الفلسطينية المعروفة إعلامياً بـ"صفقة القرن"، والمتمثلة بورشة البحرين الاقتصادية في 25 و26 يونيو/ حزيران الحالي.

وأعلن الأردن أول من أمس السبت رسمياً مشاركته في ورشة العمل الاقتصادية التي دعت إليها الولايات المتحدة والبحرين في المنامة، وذلك على مستوى الأمين العام لوزارة المالية، للاستماع لما سيطرح والتعامل معه، وفق بيان صادر عن الخارجية الأردنية.

وجاءت المشاركة الرسمية لتكون بمثابة امتثال للواقع الذي تفرضه الولايات المتحدة على حلفائها في المنطقة، فضلاً عن أنّ عمّان لا تستطيع الاستغناء عن المساعدات الأميركية وتجاهل إغراءات "صفقة القرن" المالية التي تصل إلى 7.5 مليارات دولار أميركي. وهو ما انعكس في حديث المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية وشؤون المغتربين الأردنية، سفيان سلمان القضاة، الذي أكّد على "مبدأ الأردن الثابت القائم على أنّ القضية الفلسطينية هي القضية المركزية الأولى"، وأنّ "لا بديل عن حلّ الدولتين الذي يضمن جميع الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني الشقيق، وفِي مقدمها حقه في الحرية والدولة على ترابه الوطني، وفق قرارات الشرعية الدولية ومبادرة السلام العربية". وأشار إلى أنّ "موقف الأردن الراسخ الواضح أنّ لا طرح اقتصادياً يمكن أن يكون بديلاً لحلّ سياسي ينهي الاحتلال، ويلبي جميع الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني".

وأكد القضاة أنّ "الأردن سيتعامل مع أي طرح اقتصادي أو سياسي، وفق مواقفه الراسخة، فيقبل ما ينسجم معها، ويرفض أي طرح لا ينسجم مع ثوابته، وسيستمرّ في العمل والتواصل مع المجتمع الدولي، وتكريس كل علاقاته وإمكاناته لحشد الدعم لمواقفه ولدعم الحق الفلسطيني".

وأثار القرار الأردني الرسمي بالمشاركة في ورشة المنامة ردود أفعال سياسية مندّدة بالخطوة، خصوصاً أنّ الموقف الشعبي كان حاسماً في المطالبة بمقاطعة الورشة ورفض خطة الإملاءات الأميركية، لا سيما أنّ التسريبات الصادرة حولها تهدد الهوية السياسية للأردن.

وحول هذه المشاركة، قال القيادي البارز في "الحركة الإسلامية الأردنية"، زكي بني إرشيد، في حديث مع "العربي الجديد"، إنّ "الموقف الرسمي الأردني يتأرجح ويراوح بين الإذعان للمطالب الأميركية والقبول بصفقة القرن، وبين النظر إلى المصالح الوطنية والقومية المعتبرة ومدارة الموقف الشعبي". وأضاف أنّ "أبعاد صفقة القرن وتداعياتها، أخطر بكثير مما تسرب عنها، والموقف الفلسطيني والأردني يمثّل حجر الزاوية في إفشال المشروع"، معتبراً أنّ "حضور الأردن لورشة البحرين موافقة صريحة على استكمال مسار هذا المشروع، وكما يقال: أوّل الرقص حنجلة".

ورأى بني إرشيد أنّ حضور عمّان "بصرف النظر عن مستوى التمثيل وما سيقوله المبعوث الأردني ومهما كانت الأسباب والدوافع، فهو يعتبر خذلاناً للقضية الفلسطينية، وعزلاً للموقف الفلسطيني وإضعافه"، مؤكداً أنه "ليس من شأن حضور هذه الورشة التخفيف من المخاطر الكبيرة التي تهدد الأردن، خصوصاً أنّ الإجماع الشعبي يرفض هذه المشاركة وما سينتج عنها".

بدوره، قال الأمين العام لحزب "الوحدة الشعبية الديموقراطي" الأردني، سعيد ذياب في حديث مع "العربي الجديد"، إنّ الحزب "يدين بشكل واضح قرار الحكومة بالمشاركة في ورشة البحرين"، معتبراً أنّ هذه المشاركة "تحدٍّ حقيقي للإرادة الشعبية والتي عبرت عنها القوى السياسية بفعاليات حاشدة يوم الجمعة الماضي في عمان ومختلف محافظات المملكة وطالبت من خلالها الحكومة بمقاطعة هذه الورشة".

ورأى ذياب أنّ "المشاركة في حقيقتها بداية للتخلّي الرسمي الأردني عن القضية الفلسطينية، وبالتالي التشارك في المخطط الأميركي الصهيوني للالتفاف على حقوق الشعب الفلسطيني"، مضيفاً أنّ "المشاركة توريط للأردن في صفقة القرن، ليكون جزءاً من هذا المخطط والذي سيقود في النهاية إلى تصفية القضية الفلسطينية". وأوضح أنّ "الحديث عن الذهاب إلى البحرين للاستماع، وبعد ذلك اتخاذ القرار بشأن صفقة القرن، محاولة للتغطية على أسباب الرضوخ للطلب الأميركي بالمشاركة في الورشة، والعجز عن رفض الطلب".

من جهته، استنكر حزب "جبهة العمل الإسلامي" في بيان صحافي أمس، قرار الحكومة الأردنية المشاركة في مؤتمر البحرين، معتبراً أنّ ذلك "يمثّل شرعنة للمؤامرة على الأردن وفلسطين، وعدواناً على الثوابت الأردنية من القضية الفلسطينية، واستفزازاً للموقف الشعبي الرافض لمؤتمر البحرين وصفقة القرن". وطالب الحزب الحكومة بالتراجع عن قرارها هذا.

وفي الإطار ذاته، قال الأمين العام لـ"الحزب الوطني الدستوري"، أحمد الشناق، في حديث مع "العربي الجديد"، إنّ الأردن "يواجه ضغوطاً دولية وإقليمية وعربية"، معتبراً أنّ "إرسال مندوب فنّي تكنوقراطي، إلى ورشة البحرين، لا يعني أنّ الأردن تخلّى عن ثوابته تجاه القضية الفلسطينية". وأضاف أنه "من حق الأردن أن يدافع عن مصالحه الوطنية العليا في أي مؤتمر أو لقاء على مستوى العالم".

وتابع الشناق أنّ "الأردن يكاد يكون الدولة الوحيدة التي تؤكد في جميع المحافل الدولية على الانتصار لفلسطين وحلّ الدولتين"، مشيراً إلى أنّ مواقف بلده "ثابتة وواضحة ومعروفة تجاه القضية الفلسطينية". وأضاف "الأردن دولة ذات مصالح في الإقليم والعالم، ويجب عدم خلط المسارات؛ المسار الفلسطيني والموقف الأردني الثابت، وفي الوقت ذاته الأردن "يعرف كيف يدير مصالحه وفق السياسة الدولية التي تسير في المنطقة"، مؤكداً أنّ بلده "رافض بالمطلق أن يكون مدخلاً لتصفية القضية الفلسطينية من خلال الكونفدرالية أو أي حلول بديلة".

إلى ذلك، قال الخبير في الشؤون الإسرائيلية، أيمن الحنيطي، في حديث مع "العربي الجديد"، إنّ الأردن "لا يستطيع أن يغيب عن أي حدث يتعلّق بالقضية الفلسطينية التي تعتبر عنصراً جوهرياً في سياسته الخارجية. ولذلك، يجب عليه الحضور في المناسبات التي تتناول الصراع العربي الإسرائيلي".

ورأى الحنيطي أنّ قرار عمّان بالمشاركة "جاء في مكانه"، وأنّ "المشاركة على مستوى الأمين العام لوزارة المالية تتناسب مع الطبيعة الاقتصادية للورشة"، مضيفاً "علينا أن نستمع مباشرة لا أن ينقل لنا، وفي الوقت نفسه نطرح وجهة نظرنا في ما يناقش، من خلال التأكيد على ثوابت موقفنا". وأوضح أنّ "الأردن لم يتراجع عن موقفه، ومن كان متابعاً للحدث منذ البداية، واستقرأ من الموقف الأردني عدم المشاركة، كانت تقديراته غير دقيقة"، لافتاً إلى أنّ "المواقف الدبلوماسية السياسية تبقى مفتوحة للمناورة حتى اللحظة الأخيرة".

يشار إلى أنّ الأردن مقيّد بالمساعدات الاقتصادية الأميركية، وكان قد وقّع مع الولايات المتحدة مذكرة تفاهم مدتها خمس سنوات، تعهّدت بموجبها واشنطن بتقديم 1.275 مليار دولار أميركي سنوياً من المساعدات، وذلك من عام 2018 إلى عام 2022، أي ما مجموعه 6.375 مليارات دولار.

المساهمون