السياسة بنظام الرؤية

السياسة بنظام الرؤية

03 يونيو 2019
أعلن رسمياً عن رئاسة الشاهد لحزب تحيا تونس(ياسين قائدي/الأناضول)
+ الخط -
يصعد الصائمون، مساء اليوم الاثنين، إلى المناطق العالية طمعاً في رؤية هلال العيد. أما التونسيون فيصعدون كل ليلة لتبيّن مستقبلهم السياسي، ولقد انتظروا ليلة القدر، السابع والعشرين من رمضان، ليتأكدوا أخيراً وبعد تشويق طويل دام أشهراً، من انتخاب رئيس الحكومة، يوسف الشاهد، رئيساً لحزب تحيا تونس.

لا أحد يفهم لماذا أصرّ معاونوه منذ تأسيس هذا الحزب على إنكار رئاسته له مع أنه مؤسسه الذي يقوم عليه جوهر هذا الحزب. قد يكون السبب الرغبة في إبعاد تهمة التداخل بين الحزب والدولة، لكنهم اضطروا أخيراً لذلك فهل سيستقيل الشاهد الآن أم أن الاتهامات التي يوجهها إليه خصومه ستتوقف؟ لقد كان هذا الانتظار ركيكاً نسبياً لأن الجميع كان يعرف أن الشاهد هو رئيس الحزب وزعيمه وحامل رهاناته المستقبلية ولم يكن هناك أي داعٍ لإخفاء الأمر والبحث عن صيغ لغوية لا طائل من ورائها.
لكن هذا التشويق لا يتوقف عند الشاهد وحزبه وإنما أصبح صيغة محببة لدى طيف واسع من السياسيين التونسيين، وها نحن أمام استحقاق انتخابي قريب، ومع ذلك فإن أغلب المترشحين الأكيدين يكررون في كل لقاءاتهم الصحافية جملة مكررة ألفها الصحافيون والمتابعون "لم أقرر بعد، وسأعلن عن ذلك في الوقت المناسب"، في حين أن الجميع يعرف أنهم سيترشحون وهم متلهفون لذلك. وحتى أولئك المترددون بالفعل، الذين يحسبون بدقة بعض العوامل المحلية والإقليمية والدولية ويحاولون استبيان موازين القوى واتجاهات الآراء، فعليهم أن يحسموا أمرهم وينهوا تشويقاً دام طويلاً وأصبح مملاً جداً.
وسيكون على التونسيين الآن أن يدخلوا مرحلة التشويق لمعرفة ما إذا ما كان الشاهد سيترشح للانتخابات الرئاسية أم لا وإذا ما كان راشد الغنوشي سيترشح أم لا، وغيرهم كثير، وسيصعدون مراراً إلى أعالي الجبال لتبيّن هلال الرئيس المقبل، خصوصاً أمام طابور المترشحين الذين يتوهمون أنه بإمكانهم ومن حقهم أن يحكمونا.
ولا ندري لماذا لا يعتبر سياسيونا العرب من نظرائهم في البلاد الديمقراطية، حيث يعلن الواحد منهم بكل بساطة عن نواياه حتى قبل سنوات من الاستحقاق الانتخابي ويتقدم بكل وضوح وشفافية إلى الناس ويكشف عن أفكاره ويطرحها أمام الجميع منتظراً حسمهم، لكن مشكلتنا هي أننا لا نقيس السياسة بالحساب العلمي وإنما بالرؤية، مع أن السماء ملبدة بالغيوم.

المساهمون