خلط الأوراق يربك الساحة التونسية قبيل الانتخابات

خلط الأوراق يربك الساحة التونسية قبيل الانتخابات

17 يونيو 2019
يخشى كثيرون تصويتاً عقابياً (فتحي بلعيد/فرانس برس)
+ الخط -
في ظرف زمني قصير، لم يتعد أياماً قليلة، أصيبت الساحة السياسية التونسية بما وصفه كل المراقبين بـ"الزلزال"، إذ تسبّبت أرقام استطلاعات الرأي في حالة من الارتباك الشديد لدى كل المكونات الحزبية. وسجل، بداية الأسبوع الماضي، صدور استطلاعات رأي أجرتها مؤسسة "سيغما كونساي" بالتعاون مع صحيفة "المغرب"، والتي كشفت عن تقدم نبيل القروي (مالك تلفزيون "نسمة" الخاص) إلى المرتبة الأولى في نوايا التصويت، وحزبه غير الموجود أصلاً، متقدماً على الأحزاب الكبرى بـ28.8 في المائة، تلته حركة النهضة في المرتبة الثانية بـ16.8 في المائة، ثم الحزب الدستوري الحر بـ11.3 في المائة، وبعده حركة تحيا تونس بـ8.6 في المائة، فيما جاء التيار الديمقراطي في المرتبة الخامسة بـ5.8 في المائة. وسجلت قائمة "عيش تونسي" حضورها في استطلاع الرأي، باحتلالها المرتبة السادسة بـ5.4 في المائة، وهي أيضاً قائمة غير موجودة أصلاً.

ولم تكف هذه الأرقام، ليشهد السبت الماضي زلزالاً جديداً، وكأنه يوجه الضربة القاضية لكل الاطمئنان الذي شهدته الأشهر الماضية، إذ حافظت الأحزاب على ترتيبها مع بعض التغييرات البسيطة. ولكن صدور سبر آراء عكسي يهدف إلى تحديد الأحزاب والشخصيات السياسية التي لن يصوت لها التونسيون، فاجأ الجميع وطرح أسئلة خطيرة حول ما يحدث في تونس في هذه الأيام. وبحسب هذا الاستطلاع، فقد تصدّر رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي قائمة الشخصيات التي لن يصوت التونسيون لها في الانتخابات الرئاسية بـ21.5 في المائة، يليه رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي بنسبة 17.66 في المائة، ورئيسة الحزب الحر الدستوري عبير موسى بـ14.6 في المائة، يليها رئيس الحكومة يوسف الشاهد بـ10.9 في المائة، والمنصف المرزوقي بنسبة 9.9 في المائة. وتحولت "النهضة" من أول الأحزاب التونسية الحائزة على نوايا التصويت لأشهر، إلى صدارة الأحزاب التي لن يصوت لها التونسيون في الانتخابات التشريعية في 6 أكتوبر/تشرين الأول المقبل، إذ احتلت المرتبة الأولى بنسبة 43.5 في المائة، تليها حركة نداء تونس بنسبة 19.6 في المائة، ثم الجبهة الشعبية بنسبة 9.8 في المائة، وحركة تحيا تونس بنسبة 6.8 في المائة، ثم الحزب الدستوري الحر بنسبة 6.1 في المائة، وقائمة نبيل القروي بنسبة 4.9 في المائة.

وبقطع النظر عن صحة هذه الأرقام وصحة الطريقة المتبعة علمياً في تحديد هذه الأرقام، وكل عمليات التشكيك التي تطاول سبر الآراء والشركات المنظمة لها، وتداخلها بين المصالح الخاصة وتشابك العلاقات مع أحزاب وشخصيات، وبقطع النظر أيضاً عما يمكن أن يقدمه تحليل هذه الأرقام من استنتاجات، فإنها تطرح أسئلة مهمة حول نوايا التونسيين الحقيقية حيال أحزابهم، وتدق جرس إنذار لكل مكونات المشهد السياسي التونسي، وطريقة تعاطيه مع الشأن السياسي والاجتماعي والاقتصادي الذي يتعلق بحياة التونسيين.

واعتبر القيادي في حركة النهضة، عبد الحميد الجلاصي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن ما يحصل قبيل الانتخابات غير عادي، لأن الأصل في المسار الانتخابي هو الاستقرار ومشهد أقل انقساماً، موضحاً أن ما يحصل من مناخات متوترة وإقصاء قد يؤدي إلى مخاوف من الإنفلات، وألا تعكس نتائج الصندوق الواقع، بل ستقود إلى مشهد منفلت وانتعاشة للقوى الشعبوية التي تنتعش بسبب عجز قوى الوسط عن جمع الناخبين. وأوضح أن ما يحصل هو نتيجة تراكمات عديدة، فتونس تعيش منذ سنوات مخاضاً، والإشارات تتراكم تعبيراً عن عدم الرضا على المشهد الحزبي والسياسي، بل هناك دعوات لملء الوسط، مبيناً أن الانتخابات المحلية الماضية وصعود المستقلين جاء للتعبير عن الغضب من المشهد الحزبي الحالي، وأنّ أغلب الأحزاب السياسية غرقت في الصراعات والمشاكل الداخلية وحصار بعضها البعض، ما أدى إلى التشكيك في دورها، وساهم الإعلام في ذلك للاستفادة من الإثارة، وهو ما دفع إلى فقدان التونسيين الثقة في الأحزاب السياسية.

واعتبر الجلاصي أن ما يحصل اليوم من أزمة سياسية ليس غريباً في ظل غياب الحل، لأن المشاكل تتفاقم، متسائلاً هل تعديل القانون قبيل الانتخابات هو الحل الضروري أم لا؟ مؤكداً أنه يرفض هذا الحل، لأن السياق غير مناسب للتعديل، بل يوحي بإزاحة منافسين بعينهم، وهو ما قد يثير قضايا أخلاقية وسياسية، وقد يؤثر على الانتخابات، فيما قد تستفيد القوى التي تم إقصاؤها. وأشار إلى ما شهده البرلمان التونسي، نهاية الأسبوع الماضي، عندما فشل الائتلاف الحاكم في الحصول على أغلبية بـ109 أصوات تمكّنه من إدخال تعديل على القانون الانتخابي يمنع أصحاب المؤسسات الإعلامية والجمعيات وممجدي الدكتاتورية والاٍرهاب، والحاصلين على تمويل خارجي، من الترشح، وسحب مقاعدهم حتى بعد الانتخابات إذا ثبت ذلك.

وتبادل نواب من مختلف الكتل اتهامات بالخيانة، وتراجع بعضهم عن الاتفاقات الحاصلة قبل عملية التصويت. واعتبر النائب عن كتلة الائتلاف الوطني والقيادي في "تحيا تونس"، الصحبي بن فرج، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أنّ المخاض الحاصل الآن "عادي في وضع غير عادي"، موضحاً أنه على الرغم من النقاش الحاصل حول القانون الانتخابي ودخول رؤساء جمعيات للترشح للرئاسة، وما يحصل من تجاذبات وانقسامات داخل الأحزاب، إلا أنها قضايا طبيعية قبيل الانتخابات، خصوصاً أن تونس، مقارنة ببلدان أخرى، ليست في وضع فوضى أو تعيش انقلاباً عسكرياً أو ثورة مسلحة، وبالتالي فبعد 8 أعوام من الثورة هناك اختلافات وتباينات في الآراء في البرلمان وتظاهرات سلمية ومشاكل داخل الأحزاب، وجلها في إطار الديمقراطية. وكشف بن فرج أن تعديل القانون الانتخابي سيمر الثلاثاء المقبل، وأن تونس مقبلة الأربعاء على واقع جديد، وهو تنظيم أكثر للحياة السياسية وللانتخابات، مشيراً إلى أن نتائج مؤسسات سبر الآراء والفوضى الحاصلة هي نتيجة خطأ تتحمله الأحزاب السياسية، حكومة ومعارضة، لأنها لم تباشر بوضع قانون ينظم عملها. وأوضح أنه سبق وأن قدم مبادرة في 2017 لتنظيم عمل مؤسسات سبر الآراء، ولم يتم النظر فيها، ويتم حالياً دفع فاتورة التلاعب بالرأي العام، معتبراً أن دخول شخصيات جديدة مُرحب بها شرط الانضباط واحترام القانون.

وبالإضافة إلى كل هذا، دخل معطى جديد على العملية الانتخابية، يبدو أنه لا يحظى، حتى الآن، بالعناية الضرورية للتدقيق فيه وفي تداعياته على المشهد السياسي والانتخابي، إذ سجلت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات التحاق ما يقارب مليونا ونصف المليون ناخب جديد بالجسم الانتخابي التونسي بعد غلق باب التسجيل، أول من أمس السبت، لتجد الأحزاب السياسية نفسها أمام قوة انتخابية مجهولة، يبحث الكل عن هويتها ويسعى إلى استمالتها. ويشكل الشباب أغلبية المسجلين الجدد، ويمكن تصور نواياهم الانتخابية مع ما تعرفه هذه الفئة من صعوبات اجتماعية واقتصادية وتعليمية معلومة للجميع. ويخشى كثيرون من أن يتحول ما سمي بالتصويت المفيد في 2014 إلى التصويت العقابي في 2019، مع ما يعنيه هذا من فتح كل الاحتمالات أمام تشكيل المشهد الجديد. ومع هذه الاستفهامات، يتعزز الحديث في الكواليس في تونس، عبر إشارات وتسريبات، عن إمكانية تأجيل موعد الانتخابات، وبحث البعض عن مخارج قانونية لهذه الإمكانية، بكل ما يعنيه ذلك من تشكيك في صحة المسار الديمقراطي، على الرغم من أن الهيئة المستقلة للانتخابات تستبسل حتى الآن في الدفاع عن تواريخها التي حددتها، وتعتبر أن أي تغيير فيها هو إجراء غير دستوري.