مقاطعة تحديث بيانات ناخبي جنوب العراق: نقمة على الأحزاب

مقاطعة تحديث بيانات ناخبي جنوب العراق: نقمة على الأحزاب

17 يونيو 2019
أقل من 30% حدثوا بياناتهم (مروان إبراهيم/ فرانس برس)
+ الخط -
تشتكي مكاتب مفوضية الانتخابات في جنوب العراق من عزوف المواطنين عن تحديث بياناتهم استعداداً للمشاركة في انتخابات مجالس المحافظات المقررة نهاية العام الحالي. عزوف تقابله تفسيرات عديدة من قبل المراقبين، تتحدث عن تراجع كبير في شعبية الأحزاب الدينية، أو ذات الصبغة الطائفية، في عموم مدن البلاد، والجنوب على وجه التحديد. فمدن مثل البصرة وكربلاء والنجف وبابل وذي قار والقادسية تعتبر مستقرة، ولم تشهد منذ سنوات طويلة أي أنشطة إرهابية على غرار مناطق الشمال والوسط والغرب. لكن وعلى الرغم من ذلك، فإن الفقر والبطالة وانعدام الخدمات وانهيار القطاع الصحي والتعليمي، وانتشار المليشيات، هو ما يخيم على تلك المناطق الغنية، في الوقت ذاته، بالموارد الطبيعية، كالنفط والغاز، التي يعتمد عليها العراق كمصدر دخل وحيد له.

ووفقاً لآخر التقارير، فإن أقل من 30 في المائة هي نسبة من قاموا بتحديث بياناتهم. والمقصود بتحديث البيانات الانتخابية هو تسلم البطاقات الخاصة لمن يحق لهم الاقتراع، وشمول من بلغ 18 سنة من أفراد العائلة، وحذف المتوفي منهم وأيضاً تعديل عنوان السكن. ويعزو مراقبون ومواطنون عراقيون من أبناء مدن الجنوب ذلك إلى أسباب عدة، أبرزها عدم الشعور بوجود أمل في التغيير، بعد 6 عمليات انتخابية لمجالس المحافظات والبرلمان جرت وشاركوا فيها من قبل، وكانت الشعارات والوعود الانتخابية تتكرر في كل مرة، إضافة الى أن الوجوه والأحزاب هي نفسها، تتكرر أيضاً بلا تغيير. ويؤكد هذا التراجع نسبة مشاركة الناخبين العراقيين في الانتخابات البرلمانية التي أجريت العام الماضي، والتي لم تتجاوز الثلاثين في المائة من مجموع من يحق لهم الانتخاب.

وقد تكون الانتخابات المحلية المقبلة هي الأكثر عزوفاً، وقد تنهار أصلاً ولا يُكتب لها النجاح بتحقيق نصابها الدستوري، وهو الأمر الذي تتخوف منه الحكومة في بغداد. ووفقاً لمسؤول في المفوضية العليا المستقلة للانتخابات في العراق، تحدث لـ"العربي الجديد"، فإن نسب تجاوب المواطنين مع تحديث بياناتهم الانتخابية، لإعداد قاعدة بيانات جديدة استعداداً للانتخابات المحلية، هي الأدنى من نوعها منذ الاحتلال الأميركي للبلاد وبدء العملية السياسية الجديدة في البلاد، مضيفاً أن "مدناً كاملة لم تصل فيها نسبة تحديث البيانات الانتخابية لأكثر من 10 في المائة، وهؤلاء هم من أنصار الأحزاب التي باشرت منذ الآن حملاتها الانتخابية بصور وأشكال عدة"، لافتاً إلى أن "الأحزاب الدينية في الجنوب تعتبر الفوز بالانتخابات المحلية لمجالس المحافظات معركة لا تقل أهمية عن انتخابات البرلمان". وأشار إلى أن "العزوف عن الانتخابات يجب أن يُفهم على أنه يأس أو إحباط من الشارع العراقي ككل، وقد تصاب العملية الديمقراطية بعوق كبير بعد فعالية انتخابية أخرى أو اثنتين، في حال لم تأت بتغيير للعراقيين، وهم ينهون 16 عاماً من سقوط نظام صدام حسين والمشاكل تزيد ولا تنقص لديهم. غير أنه، في الوقت نفسه، فإن العزوف يعني أيضاً أن الأحزاب الحالية ستبقى مسيطرة من خلال أنصارها المشاركين (في الانتخابات)، وهذا خطر أيضاً".

وتسيطر على مجالس المحافظات، وهي الحكومات المحلية في مدن الجنوب العراقي، وهي البصرة، وكربلاء، والنجف، وبابل، وميسان، وذي قار، وواسط، والقادسية، والمثنى، عدة أحزاب وقوى سياسية دينية، أبرزها حزب "الدعوة الإسلامية" و"المجلس الإسلامي الأعلى" وحزب "الفضيلة" الإسلامي، والتيار الصدري، وتيار "الحكمة"، وقوى أخرى غالبيتها إسلامية على نحو أقل في الحضور السياسي. وقال الناشط وعضو تنسيقية تظاهرات محافظة النجف جنوب العراق، أيهم آل حويش، لـ"العربي الجديد"، إن "الأحزاب الدينية قل حضورها في النجف ومدن جنوبية أخرى، وهي حالة شبيهة للأحزاب الإسلامية، أو ذات الصبغة الدينية والمذهبية في الغرب والشمال العراقي". وأضاف "تحديداً بعد حادثة سقوط مدينة الموصل بيد تنظيم داعش الإرهابي، تأكد لنا من خلالها أن هذه الأحزاب لا تستطيع حماية مصالح الشعب وأمنه واستقراره. كما أنها أثبتت فشلها بكل ما لديها من قوة، في عدم إمكانيتها التعامل مع الأجيال الشابة الحالية وتطلعاتها"، مستدركاً بالقول "لو أن هذه الأحزاب لم تقم بعمليات تزوير كبيرة خلال الانتخابات البرلمانية الماضية، لما تمكنت من تشكيل الحكومة الحالية".

من جهته، اعتبر عضو اللجنة المركزية في الحزب الشيوعي العراقي جهاد جليل أن "الأرقام بشأن نسبة المشاركة في الانتخابات السابقة لم تكن دقيقة أو صحيحة، ولعل محافظات النجف وكربلاء، وهي المحافظات الأكثر تديناً في جنوب العراق، شهدت تراجعاً كبيراً بنسبة التصويت لصالح أحزاب الإسلام السياسي، وبدت علامات الغضب من الأحزاب الدينية واضحة خلال التظاهرات التي شهدتها المحافظة في الأشهر الأخيرة من السنة الماضية". وأوضح، لـ"العربي الجديد"، أن "الجماهير الجنوبية لم تعد تثق بهذه الأحزاب، وهناك مطالبات شعبية بإبعادها، وخير دليل، التظاهرات التي حدثت في الناصرية والبصرة، وقيام قسم من المتظاهرين بمهاجمة مقرات الأحزاب الدينية، في إدانة صريحة لهذه الأحزاب وسلوكها، لا سيما أن القوى الإسلامية تسيطر على مناطق مجالس المحافظات والمحافظين منذ عام 2003، وقد فشلت في هذا الأمر، من دون أن يكون لها سبب لهذا الفشل سوى سوء الإدارة والفساد المالي لديها". وتابع أن "الأحزاب الإسلامية المعروفة فشلت بتقديم أي منجز سياسي للمحافظات. ومنذ أسابيع فتحت المفوضية أبواب تحديث سجل الناخبين، وبحسب مصادر من داخل المفوضية، فإن التسجيل، حتى الآن، لم يتجاوز 2 في المائة في بعض المدن، وهي نسبة كارثية، ما يشير إلى رفض وسخط شعبي كبير من الأحزاب الحاكمة في المناطق الجنوبية"، موضحاً أن "هناك حاجة مُلحة لظهور قوى سياسية مدنية حقيقية وعلمانية جديدة بعيدة عن التحالفات مع الإسلاميين كما حدث في الانتخابات الماضية".

أما عضو المجلس المحلي في محافظة ذي قار، حسن الوائلي، فلفت إلى أن "العزوف في الانتخابات البرلمانية الماضية، التي شهدت نسبة متدنية بالمشاركة، ليس سببه الرئيسي فشل هذه الأحزاب الدينية فقط، وإنما تجاوزها كل الحدود. فهذه الأحزاب كانت تدَّعي دائماً أنها مدعومة من مرجعية النجف (علي السيستاني)، إلا أنها في الحقيقة تجاوزت، أكثر من مرة، هذه المرجعية، وتحديداً ما جاء أخيراً من عدم الالتزام بما جاء على لسانها: المجرب لا يُجرب". وأكد، في اتصال هاتفي مع "العربي الجديد"، أن "الأحزاب الإسلامية المتنفذة في جنوب العراق، قد تعمل على تغيير أسمائها وسلوكها، استكمالاً لما فعلته أخيراً. فالتيار الصدري تحوّل من تيار الأحرار إلى سائرون، وحزب الفضيلة تغير اسمه إلى النهج الوطني، والأمر نفسه مع المجلس الأعلى جناح عمار الحكيم، الذي تبدل إلى الحكمة، والانتخابات المقبلة ستحمل أسماءً بعيدة كل البعد عن الطابع والصبغة الإسلامية. ومع ذلك لن تنجح، لأن أهالي الجنوب لن تنطلي عليهم هذه الحيل".

المساهمون