استعراض قوة

استعراض قوة

15 يونيو 2019
قصف النظام وروسيا على حماة وإدلب مستمر(جورج أورفليان/فرانس برس)
+ الخط -
بعد التكتيك الأخير الذي اتبعته المعارضة السورية في معركة إدلب، من خلال الهجوم على مناطق هي بالأصل تحت سيطرة النظام، وتصعيد لهجة الخطاب التركي ضد روسيا، المستمرة في تصعيدها العسكري من دون الاستماع إلى أي من مطالب التهدئة، عمد محور موسكو-النظام إلى تصعيد جديد، من خلال استقدام تعزيزات إلى منطقة العمليات في ريفي حماة الشمالي والغربي وريف إدلب الجنوبي، واستقدم يوم أمس السبت عناصر من مليشيا "لواء القدس"، التي تتمركز في حلب وريف دير الزور، كما قام بنقل قوات من مليشيات "الدفاع الوطني" و"الفيلق الخامس" من البادية والقلمون وريف حمص، الأمر الذي يدل على أن الخلاف التركي الروسي ضمن مسار أستانة وصل إلى حدود قد تنذر لا بانتهاء اتفاق سوتشي وحسب، بل بانهيار مسار أستانة برمته.

ومن الواضح الآن أن روسيا ستحاول من خلال التصعيد الجديد، تحقيق تقدّم في المنطقة "المنزوعة السلاح" التي نصّ عليها اتفاق سوتشي، وهو الأمر المتوقع أن تقابله تركيا بمزيد من الدعم لفصائل المعارضة، ستحاول من خلاله كسر شوكة النظام وإيصال رسالة إلى حليفها الروسي أن محافظة إدلب تُشكّل بعداً أمنياً لتركيا، وأن المعركة فيها ليست كباقي المعارك التي مكّن خلالها الروس قوات النظام من السيطرة على مناطق خفض التصعيد الأخرى.

وعلى الرغم من إدراك روسيا وتركيا أهمية تفاهمات أستانة لهما، لكن يبدو أن الطرفين وصلا إلى نقطة خلاف لا يمكن حلّه إلا عسكرياً. فأنقرة تمتلك من أوراق القوة في محافظة إدلب أكثر من موسكو، على الرغم من وجود "هيئة تحرير الشام" (جبهة النصرة سابقاً) في المنطقة، ومشاركتها بفعالية في المعارك ضد النظام والروس. فالموقف التركي حالياً مدعوم من معظم دول الاتحاد الأوروبي ومن الولايات المتحدة، كما أن الوضع الإنساني في إدلب التي تحتوي أكثر من أربعة ملايين مدني يصبّ في مصلحة الموقف التركي. من جهة روسيا، فإن تعنّتها في إدلب قد يفقدها كل ما حققته على المستوى السياسي في سورية، وينسف كل مشاريعها حول إعادة الإعمار وإعادة المهجرين التي تروّج لها، إضافة إلى إنهاكها اقتصادياً، الأمر الذي يمكن أن يشير إلى أن التصعيد الأخير للنظام قد يدخل ضمن باب استعراض القوة الأخير قبل العودة إلى التفاهم مع الأتراك، وإلّا فإن كل مسار أستانة سيكون مهدداً بالانهيار، ما سيفتح الباب على كل الاحتمالات في إدلب.