بوصلة معكوسة الاتجاه

بوصلة معكوسة الاتجاه

14 يونيو 2019
على السلطة الفلسطينية إعادة ضبط بوصلتها (Getty)
+ الخط -
الأصل في البوصلة، مساعدة البحارة والمسافرين والتائهين للاستدلال على جهة الشمال وتصويب المسار نحو الهدف المنشود. والأصل في البوصلة في الحياة العامة وفي حياة الشعوب، وخصوصاً عند الحكومات وحركات التحرر الوطني، هو تصويب سير القيادة والحكومة والثورة وحركة التحرر بما يخدم الهدف الأسمى، وهو في حالة الشعب الفلسطيني التحرر من الاحتلال وإقامة دولته المستقلة.

لكن بوصلة الشعب الفلسطيني، وللدقة البوصلة التي تعتمدها السلطة الفلسطينية، تعاني من خلل شديد، إذ لا تشير إلى "القطب الشمالي" كي تحدد السلطة المسار الصحيح لعملها ومسعاها نحو تحقيق الهدف. بدلاً من ذلك، تبدو إبرة هذه البوصلة عالقة منذ سنوات طويلة باتجاه معاكس كلياً. فبدلاً من أن تبذل السلطة كل جهودها باتجاه بناء الوحدة الوطنية واستعادة هيبة منظمة التحرير وإعلاء شأن القضية الفلسطينية باعتبارها القضية الأولى للوطن العربي والأمة العربية، ثم ترجمة ذلك إلى رأي عام عربي ضاغط في وجه خطة الإملاءات الأميركية الجديدة، تنشغل السلطة الفلسطينية في محاولة "هندسة خريطة اليسار في إسرائيل".

ومع أنه بقي على الانتخابات الإسرائيلية المعادة، بفعل فشل بنيامين نتنياهو في تشكيل حكومته الخامسة، 94 يوماً، إلا أن السلطة الفلسطينية تبدي نشاطاً يفوق حتى نشاط الأحزاب العربية في الداخل، للتأثير في تركيبة أحزاب اليسار الإسرائيلي، في الوقت الذي تعجز فيه السلطة عن التأثير في ما يحدث داخل حدود الأراضي الخاضعة لها وحتى حماية عناصر أمنها الوقائي من اعتداءات جيش الاحتلال عليهم في قلب المدن الخاضعة للسلطة الفلسطينية.

مساعي السلطة الفلسطينية في رام الله التي تمثّلها في هذا السياق ما تسمى بلجنة التواصل مع المجتمع الإسرائيلي، تؤشر إلى أن القابضين على السلطة الفلسطينية، منقطعين فعلياً عما يدور في إسرائيل من انجراف نحو اليمين. وهم لا يزالون يربون الوهم بأن الفرج للشعب الفلسطيني سيأتي من النهوض "باليسار الإسرائيلي" وإنقاذه من الاندثار، وليس من توحيد الشعب الفلسطيني والبحث في استراتيجية جديدة تحل محل استراتيجية التنسيق الأمني المقدس مع دولة الاحتلال.
آن الأوان لأن تراجع السلطة الفلسطينية، إذا كانت تريد حقاً التخلص من الاحتلال، كل سياساتها وعقيدتها الراهنة، وتحكم بوصلتها بضوابط الثوابت الوطنية بدلاً من حرق الوقت بأحلام إنقاذ معسكر اليسار في إسرائيل علّه يأتي بالفرج.