السيسي يسترضي الجيش والقضاء استباقاً لموجة غلاء وغضب الشارع

السيسي يسترضي الجيش والقضاء استباقاً لموجة غلاء وغضب الشارع

10 مايو 2019
الزيادة المتوقعة بأسعار الوقود ستتراوح بين 30 و50%(فرانس برس)
+ الخط -
قالت مصادر نيابية وسياسية مصرية، إنّ الدائرة المقربة من نظام الرئيس عبد الفتاح السيسي، تعكف خلال الفترة الحالية، على وضع تصورات عملية اقتصادية واجتماعية، تمنح المنتمين للمؤسسة العسكرية والأجهزة الأمنية والقضاء، امتيازات واضحة، في ضوء زيادة غير مسبوقة في تكاليف المعيشة والسلع والخدمات، عقب انتهاء شهر رمضان الحالي.

وأشارت المصادر التي تحدثت إلى "العربي الجديد"، إلى أنّ تقارير الأجهزة السيادية، في إشارة إلى مؤسسات استخبارية مختلفة، حذرت من أنّ حالة التململ من الإجراءات الاقتصادية المتتالية التي تشكو منها الغالبية العظمى من المصريين، مرشحة لكي تمتدّ إلى العسكريين وأسرهم، بما يصعب معه السيطرة على ردود فعل من ينتمون إلى المؤسسات العسكرية والأمنية، وعلى أي تعبير عن الغضب الذي تتوقع المصادر نفسها، أن يتطور إلى إضرابات، وتظاهرات عمالية، قد تنضم لها شرائح أخرى من الشعب.

وكشفت أرقام الموازنة سعي حكومة السيسي لإبعاد شرائح بعينها من ارتفاع الأسعار المرتقبة، وفي مقدمتها مؤسسات الجيش والشرطة والقضاء، بعد رفع تقديراتها لباب "المصروفات الأخرى" في العام المالي الجديد، من 74.69 مليار جنيه (4.36 مليارات دولار) إلى 90.44 ملياراً، والتي تخصص لصالح ميزانيات الدفاع والأمن القومي، واعتمادات جهات مثل مجلس النواب، والقضاء، والجهاز المركزي للمحاسبات.

كذلك، رفعت الحكومة من مخصصات باب "قطاع النظام العام وشؤون السلامة العامة" من 61.72 مليار جنيه إلى 69.68 ملياراً في الموازنة الجديدة، من بينها 54.37 مليار جنيه لباب الأجور، والتي تذهب إلى خدمات الشرطة، والسجون، والمحاكم، ووزارتي الداخلية والعدل، والمحكمة الدستورية، والهيئات القضائية، ودار الإفتاء المصرية، وصندوق تطوير الأحوال المدنية، وصندوق أبنية المحاكم، وصندوق السجل العيني.

وقال مصدر بارز في لجنة الخطة والموازنة في مجلس النواب المصري، إن مصر ستشهد موجة غلاء غير مسبوقة فور انتهاء شهر رمضان، نتيجة تطبيق الزيادات الجديدة في أسعار الوقود اعتباراً من منتصف يونيو/حزيران المقبل، وفي أسعار الكهرباء بدءاً من فاتورة الأول من يوليو/تموز، مشيراً إلى أنّ اللجنة انتهت إلى عدم تعديل نسب الخفض التي أقرتها الحكومة على دعم الوقود بنسبة 40 في المائة، وعلى دعم الكهرباء بنسبة 75 في المائة.

وأضاف المصدر في حديث مع "العربي الجديد"، أنّ تعديل نسب الخفض في دعم الوقود والكهرباء ستترتب عليه زيادة في إجمالي النفقات، وبالتالي زيادة العجز في موازنة العام المالي الجديد 2019-2020، موضحاً أنّ تدخّل البرلمان لا بدّ أن يصاحبه تدبير مصادر للإيرادات لإعادة التوازن إلى أرقام الموازنة، وفقاً للدستور، وهو أمر لا يمكن تحققه إلا بفرض أعباء ضريبية أو رسوم جديدة على المواطنين، على حد قوله.

وكشف المصدر أنّ موجة الغلاء لن تتوقّف على الوقود والكهرباء، وما ستتبعها من زيادات على أسعار كل السلع والخدمات، بل إنّ هناك اتجاهاً داخل وزارة المالية لزيادة الرسوم الجمركية على المئات من السلع المستوردة، والتي تصفها الحكومة بـ"الترفيهية" أو "الاستفزازية"، منبهاً إلى أنّ هذه الزيادات ستشعل أسعار السلع الكهربائية على وجه الخصوص، لتصل الرسوم المفروضة على بعض الأجهزة المستوردة مثل التكييف إلى 70 في المائة.

من جهته، أفاد عضو في هيئة مكتب لجنة الطاقة في البرلمان، بأنّ زيادة أسعار الكهرباء المرتقبة سترفع من تكلفة تشغيل مترو أنفاق القاهرة، ما يرجح زيادة أسعار التذاكر مجدداً، بالتزامن مع افتتاح المرحلة الجديدة من الخطّ الثالث، والتي تخدم مناطق شرق القاهرة وصولاً إلى ميدان "الألف مسكن". ونوّه المصدر في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أنّ زيادة أسعار الوقود ستقفز بتكلفة وسائل النقل لتصبح أعلى من المترو، بما يمثّل حجة "مقنعة" لدى الحكومة لرفع أسعار تذاكره.

وأوضح المصدر أنّ الزيادة في أسعار باصات النقل المملوكة للدولة، باتت أكيدة في ضوء أرقام الموازنة الجديدة، بعد رفع إيرادات هيئة النقل العام في محافظات القاهرة الكبرى (تضم 3 آلاف باص لخدمة 350 خطاً) المتوقعة من مليار و43 مليون جنيه إلى ملياري جنيه في العام المالي الجديد، لافتاً إلى أنّ السعر الجديد للتذكرة سيرتفع من 5 إلى 8 جنيهات، وهو ما يشكّل عبئاً كبيراً على الملايين من المواطنين البسطاء.

وأظهر تقرير حديث لـ"الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء"، ارتفاع أسعار الكهرباء والغاز ومواد الوقود بنسبة 36 في المائة خلال شهر إبريل/نيسان الماضي، ومجموعة المياه والخدمات المتعلقة بالمسكن بنسبة 32.9 في المائة، والنقل والمواصلات بنسبة 31.6 في المائة بسبب ارتفاع أسعار النقل الخاص بنسبة 27.2 في المائة، وذلك مقارنة بالشهر نفسه من العام السابق.

وحسب مصادر برلمانية مطلعة، فإنّ الزيادة المتوقعة في أسعار الوقود ستتراوح بين 30 و50 في المائة، ليرتفع سعر السولار وبنزين "أوكتان 80" من 5.5 جنيهات إلى 7.5 جنيهات للتر، وبنزين "أوكتان 92" من 6.75 جنيهات إلى 9 جنيهات للتر، وبنزين "أوكتان 95" من 7.75 جنيهات إلى 10 جنيهات للتر، فيما سعر أنبوبة البوتاغاز (غاز الطهو) سيرتفع من 50 جنيهاً إلى 75 جنيهاً للاستهلاك المنزلي، ومن 100 جنيه إلى 150 جنيهاً للاستهلاك التجاري.

كما تتراوح زيادة أسعار الكهرباء المقررة مع بداية العام المالي الجديد، بين 33 و60 في المائة للشرائح الأقل استهلاكاً، و5 و22 في المائة للشرائح الأكثر استهلاكاً، وفقاً للأسعار المقترحة من وزير الكهرباء، محمد شاكر، والمقرر عرضها للتصويت على مجلس الوزراء نهاية مايو/ أيار الحالي، بعدما خفضت الحكومة دعم الكهرباء إلى 4 مليارات جنيه فقط، مقابل نحو 16 مليار جنيه مقدرة في موازنة العام المالي الحالي، وفقاً للمصادر.

إلى ذلك، قال مصدر قيادي في تكتل "25-30" الذي يمثل الأقلية تحت قبة البرلمان، إن السيسي يولي اهتماماً بالغاً للانتهاء من إنشاءات العاصمة الإدارية الجديدة، ولو على حساب مخصصات التعليم والصحة الدستورية، موضحاً أنّ حصيلة بيع أراضي الدولة للمستثمرين هي مصدر التمويل الرئيس لإنشاءات العاصمة، والتي تعدّ في الأصل أراضي مملوكة للشعب، ومن المفترض أن توجه حصيلتها للخدمات المقدمة إليه.

وأضاف المصدر في حديث مع "العربي الجديد"، أنّ "التعليم والصحة يأتيان على رأس الخدمات التي يحتاج إليها كل مواطن، ولا ينبغي الحسم من موازنتها لصالح تمويل مشروعات العاصمة الجديدة، خصوصاً أنّ الأخيرة تستهدف تحسين حياة شريحة محدودة جداً من المصريين"، لافتاً إلى أنّ "النظام بدأ أخيراً في الحصول على قروض خارجية لإتمام إنشاءات العاصمة، وهي القروض التي سيسددها كذلك المواطن البسيط مستقبلاً، من دون عائد حقيقي عليه".

ورفضت وزارة المالية طلب وزارة التربية والتعليم تخصيص 138 مليار جنيه لميزانيتها في العام المالي الجديد، مكتفية بتخصيص 99 ملياراً فقط، وهو ما أثار حفيظة وزير التعليم، طارق شوقي، الذي طلب إضافة 11 مليار جنيه عليها حتى يمكن استكمال نظام التعليم الجديد. لكن طلب شوقي قوبل بالرفض كذلك، ما أثار استياء عدد من نواب البرلمان، الذين اعتبروا أن التعليم هو "المشروع القومي" الحقيقي للدولة المصرية.

من جهتها، حذّرت وزيرة الصحة، هالة زايد، من عدم تفعيل نظام التأمين الصحي الشامل، جراء عدم تخصيص 17.5 مليار جنيه من أجل تطوير المنظومة الصحية في محافظات بورسعيد والسويس والإسماعيلية والأقصر، منتقدة اعتماد وزارة المالية لنحو 63 مليار جنيه فقط لميزانية الوزارة، بدلاً من 96 ملياراً طلبتها للعام المالي الجديد.

وخالفت الموازنة المصرية للعام المالي 2019-2020، نصوص المواد 18 و19 و21 و23 من الدستور، للمرة الرابعة على التوالي، والمتعلقة بالتزام الدولة بتخصيص نسبة من الإنفاق الحكومي لا تقل عن 3 في المائة من الناتج القومي لقطاع الصحة، و4 في المائة للتعليم، و2 في المائة للتعليم العالي، و1 في المائة للبحث العلمي، إذ لم تخصص الموازنة الجديدة سوى ما يعادل ثلث المخصصات الدستورية لكل من هذه القطاعات.

تجدر الإشارة إلى أنّ الحكومة المصرية تنفّذ برنامجاً اقتصادياً مدته ثلاث سنوات، يتضمّن إلغاء دعم الوقود والكهرباء، وتحرير سعر الصرف، وزيادة الضرائب، وتقليص أعداد العاملين في الجهاز الإداري للدولة، للحصول على قرض "صندوق النقد الدولي" البالغ إجماله 12 مليار دولار، حصلت منها مصر على 10 مليارات دولار حتى الآن.

ويرى مراقبون أنّ الزيادات المتوقعة في أسعار السلع والخدمات كافة، ستلتهم الزيادات التي أقرها السيسي على رواتب العاملين في الحكومة نهاية مارس/آذار الماضي، والتي شملت رفع الحد الأدنى للأجور للعاملين في الجهاز الإداري بالدولة من 1200 جنيه شهرياً إلى ألفي جنيه، ومنحهم علاوة استثنائية بمبلغ 150 جنيهاً، فضلاً عن زيادة المعاشات بواقع 15 في المائة، ورفع الحد الأدنى لها إلى 900 جنيه شهرياً.

المساهمون