"اتحاد الشغل" يودّع الحياد: معادلة صعبة للمشاركة بالانتخابات التونسية

"اتحاد الشغل" يودّع الحياد: معادلة صعبة للمشاركة في الانتخابات التونسية

07 مايو 2019
سيتم دعم ترشيح نقابيين لرئاسة مراكز الاقتراع (ياسين قائدي/الأناضول)
+ الخط -

يدرس الاتحاد العام التونسي للشغل، المنظمة النقابية التاريخية الكبرى في البلاد، أخيراً، كيفية تطبيق معادلة صعبة للغاية، تتضمن مشاركته في الانتخابات التشريعية في 6 أكتوبر/تشرين الأول المقبل، والرئاسية في 10 أكتوبر، بهدف أن يكون له موقع مباشر في اتخاذ القرار السياسي أو التأثير فيه على الأقل، وأن يحافظ من جهة أخرى على استقلاليته كمنظمة تريد أن تكون فوق الأحزاب ولا تتورط في مستنقع العمل اليومي وما يترتب على هذا الأمر من مسؤوليات تاريخية.

ويأتي هذا التوجه متماشياً مع تاريخ اتحاد الشغل الطويل، إذ لم يقطع مطلقاً مع العمل السياسي، ولم تفلح كل المحاولات، قبل الثورة وبعدها، في تحجيم دوره ودفعه إلى الاكتفاء بالعمل النقابي المطلبي فقط، والبقاء خارج دائرة القرار السياسي الوطني في تونس. ويتضح من خلال تصريحات أبرز مسؤولي "الاتحاد" أن المنظمة النقابية تعتبر أن البلاد تسير في الاتجاه الخطأ، وأن هناك مخاطر حقيقية تحدق بالانتقال الديمقراطي، وأن المنظومة الحالية، وحتى المقبلة، لن تكون قادرة على مجابهة هذه التحديات، ولذلك قرر اتحاد الشغل زيادة انخراطه في العملية السياسية، غير أنه لا يزال متخوفاً ومتردداً بشأن شكل هذه المشاركة وكلفتها الحقيقية على موقع الاتحاد وصورته لدى التونسيين كمنظمة بقيت مراقباً لفترة طويلة ومعدلة للقرار السياسي الوطني. وقد تكون للتورط في الانتخابات بشكل مباشر عواقب غير محسوبة يحاول الاتحاد أن يحسبها جيداً، لكن الأكيد أن المنظمة النقابية اتخذت قراراً واضحاً بعدم الحياد في موعد يعتبره كثيرون في تونس تاريخياً ومحدداً لمستقبل البلاد.

وأصبح "الاتحاد" يتحدث أخيراً عن المشاركة في الانتخابات المقبلة، وطرح قادته، خلال ندوة عقدها نهاية الأسبوع الماضي، أسئلة حول طبيعة هذه المشاركة وشكلها. ويعود هذا التغير في المواقف إلى عوامل عديدة، أهمها تجربة الاتحاد مع الحكومات المتعاقبة، خصوصاً من خلال وثيقة قرطاج التي دفعت المنظمة النقابية إلى رحى العمل السياسي المباشر، وجرى "توريطها" في دعم حكومات وخيارات لم تكن موافقة عليها بالضرورة، لكنها كانت، في المقابل، تعارض في الشارع القرارات التي تعتبرها لا وطنية ويمكن أن تهدد المكاسب الوطنية التي راكمها التونسيون على مدى عقود من الزمن.

واعتبر الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل نور الدين الطبوبي، خلال الندوة، أن من واجب النقابيين "القطع مع الخيارات الحالية، وأن نتجنّب إعادة إنتاج مخرجات انتخابات 2014، وتشكيل مشهد سياسي ومجتمعي أسوأ من الرّاهن، إذ ستزداد أوضاع البلاد تعقيداً وأوضاع الشّعب بؤساً، ما يفرض على النقابيين تحمّل مسؤوليّاتهم لإنقاذ البلاد والسّعي للنهوض بها بصفة جدّية والمحافظة على استقرارها ومناعتها، وهو ما يُحتّم عليهم الاستعداد الجيّد للمحطّتين الانتخابيّتين المقبلتين، الرئاسية والتشريعية، وتقديم تصوّراتهم في هذا الشأن". وشدد على أن "إنقاذ تونس يمرّ حتماً عبر إعادة النقاش السياسي حول البرامج والبدائل التي ترتكز على برامج عملية، ضمن رؤية استراتيجية واضحة، بعيداً عن المناكفات وتشويه الخصوم، ويجب توعية عموم شعبنا أنّ الأجدر هو من يُقدّم الحلول والبدائل الملائمة والعمليّة القابلة للتطبيق للنّهوض بالبلاد على جميع المستويات، مع تحديد الأولويّات وضبط جدول زمني لتنفيذ الإصلاحات الفعلية والمستوجبة حتى يلتف حوله الناخبون". وأكد الطبوبي أن على "النقابيين استخلاص الدروس من التجربة التي مرّت بها بلادنا خلال الأعوام الثمانية الماضية والانحياز إلى البرامج والرُؤَى الوطنية الناجعة، والتصدّي لتفكيك المرفق العمومي وخصخصته وضرب السياسات الاجتماعية، وانتهاك هيبة الدولة والمس بالسيادة الوطنية. كما يجب علينا الإيمان بالدور المحوري والأساسي الذي يجب أن يلعبه الاتحاد العام التونسي للشغل في تجسيم الانتقال الديمقراطي وإنجاح الانتخابات المقبلة بصورة فعلية وحقيقيّة". ودعا إلى "تحفيز العمّال والنقابيين وعموم المواطنين على الإقبال بكثافة على التسجيل في القوائم الانتخابية، وتحسيسهم بأهمية المشاركة الفعّالة في الانتخابات المقبلة، وضبط صيغ دعوة النقابيين للمشاركة في لجان مراقبة كافّة مراحل الانتخابات وتحديد قائمة المشاركين فيها، وإمكانية تشجيع النقابيين على الترشّح في الانتخابات المقبلة، وصياغة مضامين خارطة طريق للمرحلة المقبلة بخصوص ضمان شفافية الانتخابات ونزاهتها".



من جهته، أوضح المتحدث الرسمي باسم الاتحاد، سامي الطاهري، في تصريح لوكالة الأنباء التونسية، أن "هناك قراراً بالمشاركة بالحد الأدنى النقابي، يشمل دعم ترشيح نقابيين ليكونوا رؤساء لمراكز الاقتراع في الانتخابات التشريعية والرئاسية المقبلة في تونس، وإيجاد نحو ألفي مراقب استعداداً للاستحقاق الانتخابي المرتقب. كما تم الاتفاق على تعزيز استقلالية المركز الوطني للإعلام ومراقبة تمويل الأحزاب لضمان شروط ومعايير نزاهة الانتخابات"، مشيراً إلى أن اتحاد الشغل "سيتولى كذلك متابعة مدى الالتزام بحياد الإدارة ودور العبادة عن التوظيف الحزبي أو السياسي قبيل وأثناء خوض المنافسة الانتخابية". وتدارس النقابيون فرضيات مساهمة الاتحاد في الانتخابات، شملت إمكانية مشاركته بصفة مباشرة عبر قوائم خاصة به، أو دعم ترشح نقابيين لخوضها، أو أحزاب أو ائتلافات بالارتكاز على مدى التزامها ببرنامجه الاقتصادي والاجتماعي. وأشار الطاهري إلى أن الاتحاد يبعث، من خلال مساهمته في الانتخابات، برسالة تؤكد على ضرورة أن يتم اختيار الناخبين للمرشحين على قاعدة التقييم والبرنامج ومستقبل تونس، مبيناً أن باقي الفرضيات حول المشاركة في الانتخابات عبر الترشيح أو الترشح أو دعم أحزاب دون غيرها ستطرح على الهيئة الإدارية الوطنية، وذلك بعد عقد المكتب التنفيذي في اتحاد الشغل اجتماعاً، لتحديد موعد اجتماع الهيئة.

وفي السياق، اعتبر المحلل السياسي عبد اللطيف الحناشي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أنه لا يوجد تحول في موقف الاتحاد العام التونسي للشغل، لأنه بالعودة إلى التاريخ نجد أن الاتحاد شارك في فترة ما بعد الاستقلال في الانتخابات ضمن جبهة وطنية، كما كان له ممثلون في البرلمان لفترة طويلة، موضحاً أن الانفصال عن السياسة حدث في العام 1978، لكن عاد إلى الواجهة السياسية في انتخابات 1981 في عهد الطيب البكوش. وأكد الحناشي أنه "في فترة الاستبداد لم يعد هناك وجود سياسي للاتحاد، وحتى إن وجد البعض في البرلمان فبشكل شخصي"، مبيناً أن "مرحلة الثورة مختلفة عن بقية المراحل، إذ أدى الاتحاد دوراً أساسياً في مرحلة الانتقال الديمقراطي والحوار الوطني وكان جزءاً من الثورة وعنصراً أساسياً في العملية السياسية، لكن دون أي وجود سياسي، إذ لم يشارك في المجلس التأسيسي أو الانتخابات التشريعية"، لكن مواقف قيادة الاتحاد تغيرت أخيراً.