شهرٌ من حرب حفتر على طرابلس...ما هي السيناريوهات المحتملة؟

شهرٌ من حرب حفتر على طرابلس...ما هي السيناريوهات المحتملة؟

04 مايو 2019
تكمل حرب حفتر على طرابلس شهرها الأول اليوم (Getty)
+ الخط -
لا تزال التبعات السياسية والأمنية لإطلاق اللواء المتقاعد خليفة حفتر في الرابع من نيسان / إبريل الماضي عملية عسكرية للسيطرة على العاصمة الليبية طرابلس تتوالى، وتفاقم أزمة البلاد، بعدما نُسفت خطة البعثة الأممية لعقد ملتقى وطني جامع في مدينة غدامس، للتوافق على انتخابات عامة بهدف إنهاء الانقسام الذي تعانيه ليبيا منذ أربعة أعوام.

وحتى صباح اليوم السبت، لا تبدو قوات حفتر قادرة على المحافظة على مواقع كانت تمكنت من السيطرة عليها جنوب وجنوب شرق طرابلس، خلال الأيام الأولى لهجومها على العاصمة، فبعد فقدانها قطاع العاصمة في جنوبها الغربي، وتحديداً السواني والساعدية، ووصول قوات حكومة "الوفاق" إلى مشارف منطقة الهيرة، أولى مناطق غريان، أحد مركزي قوات حفتر الرئيسية بالإضافة إلى ترهونة، تمكنت هذه القوات أخيراً من إحراز تقدم كبير في اتجاه ترهونة من خلال السيطرة على منطقة السبيعة وسوق الخميس من جهة، ومنطقة الزطرانة في وادي الربيع من جهة أخرى، لتصبح ترهونة مهددة من محورين.

وبالإضافة إلى الهزيمة العسكرية التي تلقتها قوات حفتر، بدت الذرائع التي ساقتها هذه القوات لتبرير هجومها غير مقبولة، فخطاب قادتها لم يتوقف عن التبدل، إذ حيناً يكون الهجوم لـ"تحرير العاصمة من الإرهاب"، وأحياناً أخرى من "الفساد المالي"، كما لم تعد تعهدات حفتر بالحفاظ على المسار السياسي مقبولة، بعدما كشف طول أمد المعركة بشكل جلي ودعم دول إقليمية كالإمارات والسعودية ومصر، هجومه، لتقويض مساعي السلام، لاسيما أن هذا الهجوم أُطلق قبل أيام من وصول الجهود الأممية إلى نهاية مسار سياسي كان من الممكن أن يفضي إلى انتخابات على أساس دستور دائم للبلاد.

ورغم الصمت الدولي، وربما انحياز بعض الدول الفاعلة في الملف الليبي لصالح حفتر، إلا أن انكسار قواته بوضوح، حدا بالكثير من تلك الدول إلى تعديل مواقفها، وتحرير خطابات سياسية رسمية تعلن فيها استمرار الاعتراف بشرعية حكومة "الوفاق" وتنفي دعمها لحفتر في هجومه الحالي على طرابلس.

وبعد تصريحات رسمية على ألسنة مسؤولين روس طالبوا بضرورة وقف إطلاق النار والعودة للعملية السياسية، نفت فرنسا مرات عدة دعمها لحفتر، آخرها على لسان وزير خارجيتها جان إيف لودريان الذي أكد، في تصريح صحافي أمس الجمعة، أنه "في المحادثات التي أجريتها مع حفتر، ذكرته دائماً عندما لم يكن متحلياً بالصبر، بالحاجة إلى حل سياسي".

وكانت مصادر دبلوماسية ليبية مقربة من حكومة الوفاق قد كشفت في وقت سابق، لـ"العربي الجديد"، رفض "الوفاق" مطالب بوقف إطلاق النار "حتى عودة قوات حفتر إلى قواعدها السابقة"، ورفض حفتر شريكاً سياسياً مجدداً على طاولة المفاوضات.

وبحسب المصادر، فإن الرفض الحكومي جاء إثر محاولات دول موالية لحفتر إنقاذه من خلال تثبيت وجود قواته في مواقعها جنوب طرابلس واستئناف التفاوض السياسي برعاية الأمم المتحدة، لضمان حصوله على مواقع ومراكز هامة ضمن تفاهمات سياسية جديدة.

وفي هذا السياق، رأى المحلل السياسي الليبي عقيل الأطرش، أن العاملين الأكثر أهمية في قلب موازين نتائج المعركة تمثلا في دخول تركيا بثقلها الإقليمي الكبير على خط الأزمة، بالتزامن مع العامل الثاني المتمثل في هزيمة حفتر وقواته.

واتهمت قيادة قوات حفتر تركيا بإرسال أسلحة لدعم قوات حكومة الوفاق، وتسهيل وصول مقاتلين وصفتهم بـ"الإرهابيين" إلى طرابلس ومصراتة. وفي محاولة للترويج لتهم استعانة حكومة "الوفاق" وداعميها بـ"المجموعات الإرهابية"، عرض المتحدث الرسمي باسم قوات حفتر، أحمد المسماري، خلال مؤتمر صحافي عقده في بنغازي ليل أمس الجمعة، قائمة بأسماء مقاتلين قال إنهم وصلوا من سورية عبر تركيا، وإنهم "يتلقون العلاج في المستشفى الميداني الإيطالي في مصراتة".

وأثّرت الفوارق والمتغيرات التي أحدثها ميدان المعركة بشكل كبير على مواقف الطرفين. وبحسب الأطرش، فإن تصعيد الحكومة من جهتها، ورفض العودة لطاولة الحوار قبل تراجع قوات حفتر لمواقعها قبل الهجوم على طرابلس، بل ورفض حفتر نفسه كمفاوضٍ أساسي، يأتي بسبب تمكن الحكومة من حشد قوات أحدثت فارقاً لم يكن متوقعاً خلال الأيام الأولى من المعركة.

من جهته، رأى عبد الرحيم بشير، مدير المركز الليبي للبحوث والتنمية السياسية (أهلي)، في المقابل، أن "الخليط الذي تتكون منه قوات الحكومة قد يبقى عائقاً أمامها مع إمكانية استمرار اتهام بعض مقاتليها بالانتماء للإرهاب، ووجود مطلوبين دوليين بين قادة قواتها سيفسد الكثير من المكاسب التي حققتها"، على حد قوله مشيراً إلى أن "قوات حفتر، التي لا تختلف في مضمونها عن قوات الحكومة، تسير وفق تراتبية عسكرية وقيادة ضباط في الجيش، ما أعطى له قبولاً في الكثير من الأوساط المحلية والدولية".

ورأى بشير أن خطوات الحكومة لا تزال بطيئة، مقابل الدعم الدبلوماسي الذي يتلقاه حفتر من داعميه الدوليين والإقليميين. وأضاف: "سيحتاج مجلس النواب الذي تمكن من الاجتماع في طرابلس لوقت طويل لتعيين قائد عام للجيش، وسحب تلك الصفة من حفتر، كما أن الحكومة في حاجة لوقت أطول بكثير لتنظيم قواتها في هياكل عسكرية نظامية، لاسيما أن تلك القوات تعيش حالة حرب حالياً".

ولفت إلى وجود "عوامل استجدت يتوجب على السياسة الخارجية للحكومة البناء عليها، فالجزائر التي استغل حفتر غيابها وتقدم نحو طرابلس، استعادت دورها وتعمل بالشراكة مع تونس على منع التصعيد العسكري في العاصمة الليبية، بالإضافة إلى وجود الدور التركي مقابل تراجع نسبي من جانب فرنسا".

وعدد بشير ثلاثة سيناريوهات محتملة للمرحلة المقبلة على خلفية النتائج الأخيرة وهي:

-حسمٌ عسكري لصالح حفتر، وبالتالي عسكرة الدولة بسيطرة اللواء المتقاعد على مؤسساتها وإنهاء الاتفاق السياسي وتوقف جهود الأمم المتحدة، إلا أن ذلك أمر محفوف بالمخاطر، فالسيطرة على طرابلس لا تعني السيطرة على كل البلاد، فهناك الكثير من القوى الأخرى التي تعارض حفتر ويمكنها إثارة الفوضى في أي مكان وزمان، مقابل عدم قدرة قوات حفتر على بسط سيطرتها على كامل البلاد.

-تمكن المجتمع الدولي من الضغط على طرفي القتال للقبول بالعودة للحوار السياسي وفرض شكلٍ من أشكال تقاسم السلطة بين الطرفين، وهو ما يتطلب قناعة الطرفين باستحالة تحقيق الحل العسكري أي نتيجة نهائية، وقبل ذلك توفر قدرٍ من الثقة، لاسيما أن حكومة الوفاق أكدت أنها فقدت الثقة في حفتر بشكل نهائي، بعدما سعى للانقلاب على العملية السياسية.

-استمرار الصراع المسلح وتمكن قوات الحكومة من طرد قوات حفتر إلى مواقعها الأصلية في الشرق برفقة الفصائل المسلحة الموالية لها في الجنوب. وبالتالي، فإن سيناريو ترسيم الانقسام السياسي المفضي لتقسيم البلاد ممكن جداً، لاسيما في ظلّ وجود برلمان في طرابلس وحاضنة شعبية لقوات الحكومة، مقابل برلمان في الشرق وحاضنة شعبية لقوات حفتر هناك.

المساهمون