معركة المناصب الأوروبية تنطلق: رئاسة المفوضية تفتح المنافسة

معركة المناصب الأوروبية تنطلق: رئاسة المفوضية تفتح المنافسة

31 مايو 2019
فيستاغر مرشحة خضر أوروبا(مادس كلاوس راسموسن/فرانس برس)
+ الخط -

عزز "حزب الخضر" والتحالف الأوروبي الحرّ، من الصراع على رئاسة المفوضية الأوروبية خلفاً للوكسمبورغي جان كلود يونكر، رافعاً من حظوظ السياسيّة الدنماركية الليبرالية مارغريت فيستاغر، وذلك بإعلانه صراحة عن دعمه لها لتكون وجه أوروبا في العالم. ومع هذا التطور، تنطلق المنافسة على المناصب في الاتحاد الأوروبي بعد الانتخابات التي أُجرِيت يوم الأحد الماضي، التي فتحت نتائجها المجال على منافسة لن تنحصر في منصب رئاسة المفوضية الأوروبية، بل بمن سيمثل السياسة الخارجية للاتحاد ومن سيرأس البرلمان الأوروبي، والمصرف المركزي الأوروبي. خيار "الخضر" قلّل نسبياً من حظوظ كل من الاشتراكي الهولندي فرانس تيمرمانس والألماني المحافظ مانفريد ويبر، انطلاقاً من تحالف يجمع الليبراليين مع حركة "الجمهورية إلى الأمام" بزعامة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، على الرغم من أنه لا يمكن إغفال بقاء حزب "الشعب الأوروبي" في المرتبة الأولى، وهو الذي بقي القوة الكبرى(179 نائباً) على الرغم من خسارته عدداً كبيراً من المقاعد في البرلمان الأوروبي.

ويدور النقاش حالياً حول فرص فيستاغر بالفوز في المنصب الرفيع في بروكسل، المدعومة من رئيس حكومة بلادها لارس لوكه راسموسن رغم عدم انتمائها لحزبه، لكونها دخلت الحملة الانتخابية كعضو من مجموعة شخصيات ليبرالية لا كمرشحة رئيسية، لكنها تُعتبر على الأقل أحد أكبر الممثلين للّيبراليين. هذا الأمر دفع بعض المحللين للتشكيك في نوايا "الخضر" حيال الإعلان عن تأييدها، والهدف خلط الأوراق وإظهار الحزب نفسه كطرف لا يمكن غض النظر عنه بعد الآن، مبرزين ما قالته زعيمة كتلة "الخضر" للبرلمان الأوروبي سكا كيلر: "المرشحة فيستاغر تريد العمل على تغييرات داخل المفوضية، لذا فهي مرشحة أساسية بالنسبة لنا". ومع تأييد "الخضر"، بات من المؤكد أن الكتلة المؤيدة لفيستاغر ستتجاوز 175 صوتاً.

أمام هذا الواقع، يبدو أن حظوظ ويبر لم تعد مرجحة، مع تقلص حجم كتل الأحزاب التقليدية في بروكسل والفوز العريض الذي حققه كل من "الخضر" والليبراليين، وقضم اليمين الشعبوي من حصص الأحزاب المحافظة التي هيمنت على القرارات والتشريعات في بروكسل لعقود من الزمن، فضلاً عن بروز معطيات قد ترجح كفة شخصيات أخرى، خصوصاً أن المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل مضطرة للتنازل أمام "الاشتراكي" للحفاظ على منصبها في المستشارية، مع بروز مؤشرات مفادها بأن لدى "الاشتراكي" الألماني نية بالانسحاب من الائتلاف الحاكم الخريف المقبل، بعد النتائج الكارثية والأرقام الضعيفة التي نالها الأحد الماضي وتراجعه بأكثر من عشر نقاط مقارنةً بالانتخابات الأوروبية لعام 2014.



تُضاف إلى ذلك الصفعة التي تلقاها المستشار النمساوي سيباستيان كورتز، المؤيد لويبر، بعد سحب الثقة من حكومته في خطوة وصفت بـ"التاريخية" في فيينا؛ ما أضعف موقف حزب "الشعب الأوروبي" بعد سقوط حليفهم النمساوي في أعقاب "فضيحة ايبيزا" التي طاولت شريك كورتز في الائتلاف، حزب "الحرية" اليميني الشعبوي. ووفق صحيفة "بيلد" الألمانية، فإنه "لا يجب إغفال النتيجة الجيدة التي حققها رئيس وزراء المجر فيكتور أوربان، المحظور مؤقتاً من حزب الشعب الأوروبي، وهذا ما قد يدفعه للطعن أكثر في ويبر، إضافة إلى بروز موقف متقدم لدول من شرق أوروبا تطالب بالمنصب لمرشح يمثلها، أي أنه أصبحت لها خياراتها ولم يعد من السهل أن تمتثل لقرارات الأغلبية. كذلك، فإن الصورة الرئيسية السائدة عن ويبر أنه يفتقد الخبرة، وهي إحدى النقاط الرئيسية التي يرتكز عليها ماكرون، مع تلميحات في بعض الإعلام الأوروبي إلى أن وصول ألماني أو فرنسي إلى رئاسة المفوضية قد يُستغل من قبل الأحزاب اليمينية الشعبوية واليسارية ضد الأحزاب الحاكمة في كلا البلدين".

في المقابل، لا يستبعد محللون أن تكون هناك نية لدى بعض الأطراف لكسر هيبة ألمانيا وميركل في بروكسل. بالتالي إضعاف مرشح حزب "الشعب الأوروبي" ويبر، على أن تتوزع المناصب بين الدول، مع تبنّي طرح يتم تداوله في أروقة بروكسل يرتكز على "حصول دولة واحدة من دول أوروبا الشرقية على وظيفة عليا في بروكسل، إضافة إلى منح امرأة على الأقل منصباً رفيعاً، من دون العبث بحجم الدول الكبيرة وذات الحضور السياسي والاقتصادي الأقوى في التكتل الأوروبي، خصوصاً أن موازنة الاتحاد الأوروبي للسنوات السبع المقبلة (2021ـ 2028) سيحددها هذا المجلس". وهناك شبه تأكيد أنه من دون الاتفاق بين فرنسا وألمانيا سيكون من الصعب، إن لم يكن من المستحيل، التوصل إلى حلّ في مسألة الوظائف الرفيعة في الاتحاد الأوروبي. توازياً، اعتبر آخرون أنه بالنسبة لميركل، فالاتحاد الأوروبي أكبر وأكثر أهمية من صديقها ويبر، وليس مستبعداً أن تدعم فيستاغر لأن الأخيرة لديها طروحات مهمة، بينها قضية العدالة الضريبية على الشركات الأميركية الكبرى في الاتحاد الأوروبي سواء كانت "آبل" أو "أمازون"، ويهمها أيضاً أن تدعم مكانة المرأة أوروبياً.

كل ذلك سيترجم راهناً مزيداً من التعقيدات داخل المجلس الأوروبي المخوّل إعطاء التوصية بالتصويت لمرشح ما، في ظل التحفّظات الواضحة والاصطفافات بين التكتلات السياسية في بروكسل. وطلب إلى رئيس المجلس دونالد توسك إجراء مشاورات لاستكشاف النوايا وتدوير الزوايا بين زعماء الاتحاد الأوروبي، أملاً بالتوصل إلى حل وسط يرضي جميع الأطراف وقبل القمة المقبلة المقررة في 20 و21 يونيو/حزيران المقبل في بروكسل، على الرغم من أن أجواء اجتماعات بروكسل، يوم الثلاثاء الماضي، طغت عليها أجواء من الودّ بين المسؤولين الأوروبيين لكنها أخفت في طياتها الكثير من الغموض، فيما سعت ميركل لإبراز أن النقاشات كانت جيدة ومتوازنة ومتناغمة للغاية، إنما لم تتمكن وببساطة من إخفاء حقيقة أن الاتحاد الأوروبي يواجه صراعاً على السلطة بخصوص الوظائف العليا في بروكسل.

ويبدو أن الجميع يحاول رفع سقف مطالبه لمفاوضته لاحقاً عند إعادة توزيع المناصب العليا، والأمور مفتوحة على كافة الاحتمالات وخاضعة للتسويات، إنما الأكيد أنها ستتطلب الكثير من الجهود والوقت قبل الوصول إلى الاتفاق على الأسماء، خصوصاً أن دولاً من أوروبا الشرقية بينها المجر وبولندا وسلوفاكيا وتشيكيا طالبت فجأة بنائب رئيس المفوضية السلوفاكي ماروس سيفكوفيتش لخلافة يونكر.


المساهمون