الانتخابات الأوروبية: طي صفحة الثنائية

الانتخابات الأوروبية: طي صفحة الثنائية

28 مايو 2019
تجاوزت نسبة المشاركة الخمسين في المائة (جون تيس/فرانس برس)
+ الخط -
لم يكن البرلمان الأوروبي يوماً أكثر تشتتاً مما سيكون عليه بعد الانتخابات التي انتهت أول من أمس الأحد، والتي فرضت معادلات جديدة على الساحة؛ فعلى الرغم من أن القوى المؤيدة للاتحاد الأوروبي احتفظت بغالبية في البرلمان، لكن المجلس سيضطر الآن لطي صفحة الثنائية الحزبية التاريخية. وبينما بقي المحافظون المسيحيون الديمقراطيون في حزب "الشعب الأوروبي" (حصل على نحو 180 مقعداً) والاشتراكيون الديمقراطيون في كتلة "الاشتراكيين والديمقراطيين" (حصلت على 152 مقعداً) أكبر كتلتين في المجلس، إلا أنهما لن يستطيعا معاً تشكيل غالبية في البرلمان الأوروبي الذي يضم 751 مقعداً، بعدما أتاح لهما تفاهمهما في "التحالف كبير" سابقاً بناء توافقات حول نصوص تشريعية وتقاسم المناصب القيادية.

الانتخابات التي أجريت على مدى أربعة أيام، من الخميس وحتى الأحد، وشارك فيها أكثر من 50 في المائة ممن يحق لهم التصويت، شكّلت نتائجها فعلياً انتهاء حقبة الثنائية الحزبية القائمة منذ نحو أربعين عاماً في البرلمان الأوروبي، في ظل تقدّم القوميين والشعبويين، وكذلك الليبراليين والخضر. ولا تعني النتائج فقط أن الأحزاب التقليدية في المعسكرين خسرت مجتمعة أكثر من 80 مقعداً، بخسارة كتلة "الحزب الشعبي" نحو 43 مقعداً، وكتلة "الديمقراطيين والاشتراكيين" نحو 39 مقعداً، بل إن ذلك يدل على أن البرلمان الأوروبي سائر إلى طريق أكثر تفتتاً، وغرقاً في تسويات ومساومات بين كتله.

هذه الخريطة السياسية الجديدة المشتتة ستجعل التوصل إلى توافق بين مختلف الكتل أمراً أكثر تعقيداً، سواء كان حول الإصلاحات الكبرى أو حول توزيع مناصب السلطة في بروكسل. والسباق لخلافة رئيس المفوضية الأوروبية جان كلود يونكر سيشكّل اختباراً أول. وبدأت المشاورات سريعاً بين مختلف الكتل السياسية في البرلمان الأوروبي. وحتى في حال التوصل إلى قرار حول اسم المرشح لرئاسة المفوضية بين رؤساء دول وحكومات الدول الأعضاء الـ28، فإنه يجب أن يحصل على غالبية من أصوات 376 نائباً أوروبياً لكي ينتخب.

وسيعقد رؤساء دول وحكومات الاتحاد الأوروبي اليوم الثلاثاء قمة للبحث في التعيينات المقبلة، فيما طالب قادة "الشعب الأوروبي" معتمدين على صدارتهم، بأن يترأس زعيمهم مانفريد ويبر، المفوضية الأوروبية. لكن الاشتراكيين الديمقراطيين، القوة الثانية في البرلمان، رفضوا هذا الطلب، مما ينذر بمفاوضات طويلة وشاقة في السباق الذي بدأ على المناصب الأساسية في المؤسسات الأوروبية. وقال ويبر زعيم "الشعب الأوروبي": "لا أشعر بأننا أحرزنا نصراً حقيقياً قوياً اليوم". وأضاف للصحافيّين: "نحن نُواجه انكماشاً في الوسط". بينما أعلنت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل التي يتحالف حزبها "الاتحاد الديمقراطي المسيحي" مع حزب "الشعب الأوروبي"، أنّها ستدعم مواطنها الألماني ويبر لرئاسة المفوضية، إلا أنّ الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لن يحذو حذوها.

وبالنسبة لمستقبل الاتحاد الأوروبي، فعلى الرغم من خسائر الوسط المؤيد للاتحاد الأوروبي، إلا أن تحقيق الخضر والليبراليين تقدّماً مهماً، يُبقي الأغلبية في يد الأحزاب المؤدية للاتحاد، مع الإشارة إلى تقدّم حققته الأحزاب اليمينية المتطرفة، لا سيما في فرنسا وإيطاليا وبريطانيا، غير أن الخلافات بين هذه الأحزاب يجعل من الصعب توحيد صفوفها، وحتى إذا نجحت في ذلك فستبقى بعيدة عن تحقيق أغلبية في مقاعد البرلمان.

وبحسب النتائج التي نُشرت أمس، فقد تصدّر حزب "الشعب الأوروبي" النتائج بحصوله على نحو 180 مقعداً (مقابل 216 قبل الانتخابات)، أما كتلة "الاشتراكيين والديمقراطيين" فنالت 152 مقعداً (مقابل 185 في الدورة السابقة)، فيما حل تحالف الليبراليين والوسطيين بما فيهم حزب ماكرون، ثالثاً بحصوله على 108 مقاعد، بينما حقق الخضر تقدّماً كبيراً وحصدوا 68 مقعداً (52 سابقاً)، بفضل النتائج الجيدة التي سجلوها في فرنسا وألمانيا وفنلندا وإيرلندا ودول اسكندينافية. وجاءت من خلفهم الأحزاب اليمينية المتطرفة والشعبوية، فارتفعت حصة ائتلاف "أوروبا الأمم والحرية" الذي يضم "التجمع الوطني" الفرنسي برئاسة مارين لوبان وحزب "الرابطة" التابع لنائب رئيس الوزراء الإيطالي ماتيو سالفيني، من 37 إلى 55 مقعداً في البرلمان الأوروبي. كما زادت حصيلة تحالف "أوروبا من أجل الحرية والديمقراطية المباشرة"، الذي يضم حركة "خمس نجوم" الإيطالي وحزب "بريكست" البريطاني، من 42 مقعداً إلى 53.

ووفق النتائج، فإن حزب "الرابطة" بزعامة سالفيني يُتوقع أن يصبح الحزب الوطني الذي يحصل على أعلى عدد من أعضاء البرلمان الأوروبي، بعدما حصد 34 في المائة من الأصوات في إيطاليا. لكن على الرغم من تقدّم الشعبويين وأحزاب أخرى مشككة بأوروبا، فإنهم يبقون بعيدين عن تولي دوراً أساسياً في البرلمان الأوروبي، إذ إنهم هم منقسمون ولديهم خلافات عميقة حول بعض المواضيع، كما أن إعادة تشكيل تحالفاتهم لا تزال صعبة. وإذا لم ينتقل حزب رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان من الحزب "الشعبي الأوروبي"، على الرغم من تعليق عضويته فيه، فإنه سيكون من الصعب أن تتغير خطوط التكتلات الحالية.

وأمام هذه النتائج، أعلن الخضر أنهم أصبحوا "قوة لا يمكن تجاوزها"، بحسب رئيسهم في البرلمان فيليب لامبير، بعد تقدمهم اللافت. أما رئيس الكتلة الليبرالية (التي حلت ثالثة) في البرلمان الأوروبي، غي فيرهوفشتات، فسارع للقول إن "من فاز بأكبر عدد من المقاعد ليس الشعبويون والقوميون، وإنما كتلتنا المؤيدة لأوروبا". وأضاف: "لن يكون من الممكن تشكيل أي غالبية متينة في البرلمان الأوروبي من دون كتلتنا الجديدة".


وفي تفاصيل الأرقام، فإن فرنسا وجّهت ضربة قاسية لماكرون، إذ خسر هذه الانتخابات أمام حزب "التجمع الوطني" الذي تقوده لوبان. وبحسب النتائج النهائية التي أصدرتها وزارة الداخلية الفرنسية، فإن قائمة "التجمع الوطني"، تصدرت نتائج الانتخابات الأوروبية في فرنسا متقدمة بـ0,9 نقطة على القائمة المدعومة من ماكرون، بحصول الأولى على 23,31 في المائة مقابل 22,41 في المائة لتحالف حزب ماكرون والوسط. ودعا "التجمع الوطني" على الفور إلى "تشكيل مجموعة قوية" في البرلمان الأوروبي تضم المشككين في جدوى الوحدة الأوروبية.

وستحصل كل من القائمتين على 23 مقعداً في البرلمان الأوروبي بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. وفي عدد الأصوات، حصلت قائمة اليمين المتطرف برئاسة جوردان بارديلا على 5,281,576 صوتاً أي بزيادة 205,213 صوتاً أكثر من قائمة "الجمهورية إلى الأمام" (حزب ماكرون) المتحالفة مع موديم (الوسط) بقيادة ناتالي لوازو. وبلغت نسبة المشاركة في التصويت في فرنسا 50,12 في المائة، أي بزيادة ما يقرب من ثماني نقاط عن عام 2014.
كما أظهرت النتائج النهائية اختراقاً كبيراً لحماة البيئة (الخضر) الذين حلوا في المرتبة الثالثة مع 13,47 في المائة من الأصوات و13 مقعداً. بينما فازت قائمة "الجمهوريون" اليمينية بنسبة 8,48 في المائة من الأصوات مع 8 مقاعد، متقدّمة على "فرنسا المتمردة" اليسارية الراديكالية التي حصلت على 6,31 في المائة و6 مقاعد. فيما حصلت القائمة الاشتراكية على 6,19 في المائة و6 مقاعد.

أما في إيطاليا، فقد تصدّر حزب "الرابطة" لماتيو سالفيني، بنحو 34 في المائة من الأصوات. لكن حركة "خمس نجوم" التي تُشارك "الرابطة" في الائتلاف الحكومي، تلقّت هزيمة على يد "الحزب الديمقراطي" العائد بقوّة إلى الساحة والذي حقّق المركز الثاني بنسبة تراوحت بين 21 و25 في المائة. وحصدت حركة "خمس نجوم" بزعامة لويجي دي مايو بين 18,5 و22,5 في المائة من الأصوات، فيما حلّ حزب "فورزا إيطاليا" بزعامة رئيس الوزراء السابق سيلفيو برلسكوني ثامناً مع 12 في المائة.
ونشر سالفيني صورةً له على "تويتر" حاملاً لافتة كتب عليها "الحزب الأول في إيطاليا". وتوقّع محللون أن يدعو سالفيني إلى انتخابات مبكرة في بلاده في حال حقّقت "الرابطة" نتيجة عالية، لكنه نفى ذلك. وقال سالفيني لصحافيين الأحد في مدينة ميلانو حيث اقترع "في ما يتعلّق بي، إذا فازت الرابطة، فإنّ شيئاً لا يتغيّر في إيطاليا، لكن كل شيء يتغيّر في أوروبا". وشهدت الانتخابات العامّة التي جرت في مارس/آذار 2018 في إيطاليا حصول "الرابطة" على 17 في المائة فقط من الأصوات، فيما حصلت حركة "خمس نجوم" على 32 في المائة. واعتبر محللون أنّ تحقيق "الرابطة" نتيجة قوية قد يغري سالفيني للتخلي عن حركة "خمس نجوم" لصالح حزب "إخوان إيطاليا" اليميني المتطرف (الذي فاز بما بين 5 و7 في المائة من الأصوات في انتخابات الأحد)، أو إنشاء تحالف جديد مع حزب يمين الوسط "فورزا إيطاليا". لكن زعيم "الرابطة" في مجلس الشيوخ ريكاردو موليناري، قال "لا نعتزم استخدام هذه النتيجة لوضع الحكومة في أزمة".

وفي بريطانيا، كشفت الانتخابات الأوروبية عن خريطة جديدة للتمثيل السياسي إذ أحرز أكبر حزبين بريطانيين، "المحافظون" و"العمال"، مجتمعين أقل من ربع الأصوات، بينما صعد نجم أحزاب "بريكست" و"الليبراليون الديمقراطيون" والخضر. ونجح حزب "بريكست" بقيادة نايجل فاراج في كسب الصدارة بحصوله على 33 في المائة من الأصوات و28 مقعداً، تبعه "الليبراليون الديمقراطيون" بـ21 في المائة من الأصوات و15 مقعداً. بينما حل "العمال" في المركز الثالث بنحو 15 في المائة من الأصوات ليكسب 10 مقاعد في البرلمان الأوروبي. وتبعه حزب الخضر بنحو 13 في المائة و7 مقاعد. أما "المحافظون" فحلوا خامساً بنحو 9 في المائة من الأصوات و3 مقاعد فقط. وذهب مقعد آخر لحزب ويلز، والذي دخل المنافسة في ويلز فقط. أما حزبا "التغيير" و"استقلال بريطانيا" ففشلا في كسب أي مقاعد. وفي اسكتلندا، أظهرت النتائج تصدر الحزب "القومي الاسكتلندي" وحصوله على 3 مقاعد تمثل الإقليم في البرلمان الأوروبي. بينما فشل "العمال" في كسب أي مقعد فيها.

وفي ألمانيا، حل تحالف المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل (حزب المسيحي الديمقراطي وشريكه الحزب المسيحي الاجتماعي البافاري) في المركز الأول بنسبة قاربت 28 في المائة، غير أنه سجل تراجعاً نتيجة مقارنة بالانتخابات السابقة. فيما حل حزب الخضر في المركز الثاني، لأول مرة في ألمانيا، بنحو 22 في المائة من الأصوات، مقابل تراجع الحزب "الاشتراكي الديمقراطي"، شريك الائتلاف الحاكم، إلى المركز الثالث بنحو 15 في المائة من الأصوات. فيما حصل حزب "البديل من أجل ألمانيا" اليميني المتطرف على نحو 10,5 في المائة من الأصوات و"الديمقراطي الحر" على 5,5 في المائة.

وفي باقي البلدان، حلّ حزب رئيس الحكومة النمساوي سيباستيان كورتز (المحافظين) في الطليعة في البلاد، متقدماً على الاشتراكيين الديمقراطيين وحزب "الحرية" اليميني المتطرف. وفي إسبانيا، كان رئيس الحكومة بيدرو سانشيز الاشتراكي الوحيد الذي خرج منتصراً في الاقتراع في بلد كبير بحصوله على نحو 32 في المائة من الأصوات، متجاوزاً الحزب المحافظ (نحو 20 في المائة)، وفي ظل عدم ثبات ما كان يُتوقع أن يحصده الشعبويون في حزب "فوكس" (حصل فقط على نحو 6 في المائة).

وفي المجر، حصد أوربان نحو 53 في المائة من مجموع أصوات المجريين. نتيجة تشبه أيضاً تقدّم حزب يميني متشدد في السويد، هو "ديمقراطيو السويد"، الذي حصد أكثر من 15 في المائة. في المقابل، فإن حزب "الشعب" الدنماركي اليميني المتشدد، وحزب "الحرية" الهولندي المتشدد بزعامة غيرت فيلدزر، حصدا أسوأ نتيجة على الإطلاق، بخسارة الأول لثلاثة مقاعد والثاني لأربعة. وفي بلغاريا، تقدّم معسكر اليمين المتشدد بنسبة 30 في المائة من الأصوات، فيما تراجع "الاجتماعي الديمقراطي" في سلوفاكيا، مقابل تقدّم القومي المتشدد في الجارة تشيكيا بنسبة 9 في المائة.

المساهمون