المحور السعودي-المصري-الإماراتي يعطل استهداف حفتر بالعقوبات

المحور السعودي - المصري - الإماراتي يعطل استهداف حفتر بالعقوبات

25 مايو 2019
لم تتغير مواقع السيطرة جنوب طرابلس منذ شهر(فرانس برس)
+ الخط -



تلقي مليشيات اللواء الليبي المتقاعد خليفة حفتر منذ أيام بكل ثقلها العسكري في المعارك التي تخوضها في محيط العاصمة طرابلس، على أمل إحداث خرق في أي محور من محاور القتال، في محاولة للتقدم إلى داخل مراكز جديدة داخل العاصمة، تستطيع توظيفه سياسياً لإيصال رسالة للرأي العام الدولي والمحلي يشير فيها حفتر إلى استمرار قدرته على إحداث تغيير على الأرض لصالحه، بعدما أثبت الميدان قدرته على التأثير في الموقف الدولي في ما يتعلق بالأزمة الليبية.

ويأتي تصعيد مليشيات حفتر، بما في ذلك قصف قاعات فندق "ريكسوس"، وسط طرابلس، الذي يتخذه عدد من النواب المعارضين لحفتر مقراً جديداً لهم، فجر أمس الجمعة، بالتزامن مع تحركات سياسية على أكثر من مسار. ويقود رئيس حكومة الوفاق فائز السراج، في الآونة الأخيرة، تحركات مكثفة قادته للتوجه إلى أكثر من عاصمة أوروبية وإقليمية، إذ زار روما وبرلين وباريس وبروكسل وتونس والجزائر، لمحاولة تأمين أكبر ضغط سياسي على حفتر، مستفيداً من حالة الاستياء الواسعة ضده، خصوصاً بعدما أدى إعلانه الحرب على العاصمة طرابلس، في الرابع من إبريل/ نيسان الماضي، قبل أيام من عقد الملتقى الوطني الجامع في غدامس، إلى تعطيل المسار السياسي الذي كان يهدف للتوصل إلى تسوية شاملة تنهي سنوات الانقسام، السياسي والأمني.

لكن جهود السراج وحكومة الوفاق تصطدم بالدول الداعمة لحفتر، والتي تخوض معركة دبلوماسية مع الدول الأوروبية التي تعترف بحكومة الوفاق الوطني بطرابلس، لمنع اتخاذ أي تدابير من شأنها توقيع عقوبات على حفتر، أو تعطيل الدعم العسكري واللوجيستي المقدم له من حكومات مصر والإمارات والسعودية، وبدرجة أقل روسيا، بما في ذلك تحريك تحقيقات دولية بشأن تدخل أبوظبي حربياً في الميدان الليبي واستخدام أسلحة صينية الصنع، لا تمتلكها إلا دول معدودة، منها الإمارات، لتحقيق أفضلية لمصلحة حفتر، بحسب مصادر دبلوماسية من مصر ودولتين أوروبيتين. واعتبرت مصادر دبلوماسية أوروبية في القاهرة أن انتهاء اجتماع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وحفتر، الأربعاء الماضي، برفض الأخير طلب الرئيس الفرنسي التوصل إلى وقف لإطلاق النار في أقرب وقت ممكن باعتبار أن "الشروط لم تكتمل"، يمثل "نجاحاً للمساعي المصرية التي بذلت على نطاق واسع في الساعات السابقة على اللقاء"، والتي كانت "العربي الجديد" قد نشرت معلومات عنها عشية الاجتماع نقلاً عن مصادر دبلوماسية مصرية. مع العلم أن مصادر سياسية ليبية متطابقة أكدت، لـ"العربي الجديد"، أن زيارة حفتر الأخيرة لباريس لم تكن بدعوة منها، بل جاءت بطلب من اللواء المتقاعد، حاول خلالها شرح موقفه الميداني وإقناع الجانب الفرنسي بأنه لا يزال في موقع قوة، ما يمكن أن يحقق له مكاسب سياسية كبيرة في حال عودة المسار السياسي.

من جهتها، قالت المصادر الأوروبية، التي تحدثت مع "العربي الجديد"، إن ماكرون لم يكن حاسماً مع حفتر، ولم يهدد بتوقيع عقوبات عليه أو اتخاذ خطوات عملية لدفعه للقبول بوقف إطلاق النار، وذلك على عكس رغبة دول أخرى في الاتحاد الأوروبي، على رأسها ألمانيا، التي لا تساهم بشكل مباشر في تسيير الأوضاع في ليبيا لكنها تدعم حكومة الوفاق بصراحة، وليس لديها الاستعداد للتعامل مع حفتر. وأضافت المصادر أن استمرار المعارك ليس في مصلحة فرنسا أو إيطاليا، اللتين لم تلتقيا على موقف واحد منذ بداية الأزمة الليبية، لكن الدول الأربع المذكورة سلفاً الداعمة لحفتر تبذل مجهوداً كبيراً لإقناع روما تحديداً بضرورة تغيير قناعاتها مقابل ضمان مكاسب اقتصادية مستقبلاً، وهو ما لا يرحب به حفتر حتى الآن، لكنه قد يصبح مضطراً له إذا تغيرت حسابات القوة على الأرض لصالحه.


وثارت في الآونة الأخيرة تكهنات بأن روما ستتخذ موقفاً أكثر مرونة حيال حفتر، خصوصاً بعد استقباله منذ أسبوع في مقر رئيس الوزراء الإيطالي جوسيبي كونتي، لكن المصادر علقت قائلة "ما زال الأمر مبكراً لقول ذلك. حتى الآن روما مع طرابلس، وليس من مصلحتها دعم حفتر، ولكن استقباله والتفاوض معه ربما يكون محاولة لإرضاء إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب تحديداً، وهي الدائرة الوحيدة في واشنطن التي ترغب في التعامل مع حفتر". أما باريس، فرغم الخطاب الرسمي الداعم لحكومة الوفاق، إلا أن عدم الضغط على حفتر بشكل كافٍ يزعج حلفاءها الذين يمتلكون معلومات عن دعم غير مباشر وتعاون استخباراتي بين القوات الفرنسية الموجودة في تشاد ومليشيات حفتر منذ المواجهات مع تنظيم "داعش" في العامين الماضيين.

وهناك تطابق بين موقف الدول الداعمة لحفتر وموقف باريس غير المعلن للقضاء على فرص وصول الإسلام السياسي للحكم، بذريعة حظر المليشيات التابعة للمجموعات الإسلامية ودعم تصفيتها، وهو ما لعب حفتر على وتره خلال لقائه مع ماكرون. وكان المراقبون الأوروبيون يعتبرون أن لقاء ماكرون وحفتر يمثل الفرصة الأخيرة للعودة السريعة للمسار السياسي، بدلاً من الانجراف إلى حمام دم أكبر في طرابلس، غير أن نصائح السيسي لحفتر، وعمل الدول الداعمة له على تعطيل وقف إطلاق النار، منعت ذلك. وفي اتصالاتها بالعواصم الأوروبية خلال الشهر الحالي، أكدت مصر أنها تدعم استمرار الحملة على طرابلس إلى حين القضاء على الفصائل المسلحة التي تصفها القاهرة وحليفاتها بـ"الإرهابية"، وأن مصر لن تدعم أي مشروع لوقف إطلاق نار دون الأخذ في الاعتبار ضرورة تطهير طرابلس من هذه الفصائل. لكن موعد إطلاق النار المفضل لمصر يرتبط فعلياً بتحسين وضع حفتر قبل العودة إلى مسار التفاوض.

ويزعم حفتر أنه يحقق تقدماً ميدانياً، لكن هذا ليس ملحوظاً حتى لداعميه المباشرين، مثل الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وولي عهد أبوظبي محمد بن زايد، اللذين تناقشا حول فرص استمرار دعم شخصية حفتر تحديداً على رأس قوات الشرق الموالية لهما، بحسب مصادر مصرية قالت إن السيسي ما زال يرى أن حفتر هو الشخصية المناسبة للرهان في ليبيا، رغم جنوحه عن المتفق عليه والدور المرسوم له أحياناً كثيرة. وما زال الوضع الميداني يشهد جموداً عسكرياً في جنوب طرابلس، على الرغم من محاولات حفتر تحقيق اختراق، وغارات طيرانه غير المسبوقة على مقر وجود البرلمان، فضلاً عن لجوئه أخيراً إلى قطع المياه عن طرابلس قبل أن يضطر إلى التراجع عن الخطوة. من جانبها، تستعد قوات حكومة الوفاق لشن حملة واسعة وصفتها بـ"الحاسمة". وقال المتحدث باسم المركز الإعلامي لعملية "بركان الغضب" التابعة للحكومة، مصطفى المجعي، إنّ "القرار بحسم المعركة قد اتخذ"، مضيفاً "ما هو إلا وقت قصير وتبدأ عملية طرد قوات حفتر بشكل نهائي من الغرب الليبي". وأوضح المجعي أنّ "غرفة قيادة العمليات الرئيسية في عملية بركان الغضب قد انتهت فعلياً من التجهيز للمرحلة الأخيرة"، مؤكداً أنّ "كامل التجهيزات قد وصلت إلى جميع المحاور"، ومشيراً إلى أنّ "قوات حفتر تعاني من انهيار واسع في صفوفها بسبب الخسائر البشرية والعسكرية الكبيرة".

أحد المصادر الليبية، الذي تحدث مع "العربي الجديد"، وهو دبلوماسي مقرب من لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب المنعقد بطبرق، أكد أن الخسائر في صفوف مليشيات حفتر كبيرة، وأن تململاً بدأ في الظهور بين قادتها، الذين انسحب ثلاثة منهم، بينهم نجله خالد من قيادة كتائب كان يعول عليها حفتر بشكل كبير في هذه الحرب. وأضاف المصدر، لـ"العربي الجديد"، أن "حفتر بات على يقين بفشل حملته، لكنه يعلم جيداً أن حلفاءه لا يمكنهم التخلي عنه الآن، وبالتالي فهم مجبرون على إيجاد مخرج له". وعن شكل ذلك المخرج، يقول موظف رفيع المستوى في خارجية حكومة الوفاق إن "وزير الداخلية فتحي باشاغا، الذي تعرف فرنسا أنه الشخصية السياسية الأبرز حالياً في طرابلس، رفض طرح باريس على الحكومة عدة مبادرات لوقف القتال"، موضحاً أن السفيرة الفرنسية بياتريس دوهيلين، التي التقت باشاغا الأربعاء الماضي، بدت غير قادرة على إقناعه بشرط الإبقاء على مليشيات حفتر في مواقعها مع وقف إطلاق النار. وكشف الموظف عن مسعى إماراتي فرنسي مشترك، سيعلن عنه قريباً يتمثل في الدعوة لهدنة إنسانية غير مؤقتة بناء على تقارير ستتقدم بها منظمات دولية وإنسانية، موضحاً "بالتالي ستُجبر الحكومة على القبول بالهدنة، وإلا سيكون موقفها محرجاً جداً أمام الرأي العام الدولي، كما أنها ستمكن حفتر من البقاء في مواقعه".

وقال الباحث السياسي الليبي سعيد الجواشي "لا أعتقد أن زيارة حفتر لفرنسا، سواء بطلبه أو بدعوة رسمية، أتت بنتائج في صالحه، فهو لا يزال بعيداً عن القبول بوقف إطلاق النار، ويرى أن فرنسا وشركاءه الآخرين بحاجة له في هذا الوقت أكثر من أي وقت سابق، وبالتالي لا يزال يعول على إمكانية الحصول على دعم عسكري لإعادة الكرة". وتوقف الجواشي، في حديثه مع "العربي الجديد"، عند ملاحظة أن "الاحتفاء الفرنسي بحفتر هذه المرة تراجع بشكل كبير، فلم تنشر، مثل العادة، صور لاجتماعه مع الرئيس الفرنسي". واعتبر أن خفض مستوى الدعم لحرب حفتر، ومحاولة تبرير عدد من حلفائه لمواقفهم السابقة، لا تعني هزيمة حفتر عسكرياً، موضحاً أنه "لا يزال قادراً على التحشيد العسكري محلياً، وخصوصاً أن مناطق مجاورة لطرابلس، كترهونة وغريان وصرمان، لم يعد لديها خيار إلا الاستمرار في دعم حربه على طرابلس، وإلا انتقلت المعارك إلى داخل هذه المدن". وتابع "تشدُّد حكومة الوفاق في انسحابه وعودته لقواعده السابقة كشرط لعودة المسار السياسي تعني حثه أكثر على الاستمرار في القتال، فهو يعلم جيداً أن انسحابه يعني نهايته السياسية بالمطلق، وخصوصاً أن بعض تصريحات السراج تؤكد أنه لم يعد يقبل حفتر شريكاً يقابله على طاولة المفاوضات". وقال "أعتقد أن هذه هي الأسباب التي يعنيها حفتر بقوله إن شروط وقف إطلاق النار لم تتوفر بعد". ويعتقد الجواشي أن الكلمة الفصل هي لميدان الحرب، مرجحاً أنها "الكلمة التي ينتظرها الفاعلون الدوليون لبناء مواقفهم المقبلة عليها"، مشيراً إلى أن زيارة السراج الأوروبية أخيراً وبعدها زيارتيه إلى تونس والجزائر كلها لم تثمر "بسبب وقوف المجتمع الدولي موقف المتفرج، فالمعركة لن تطول كما يعتقد كثيرون".

ومنذ أكثر من شهر، لم تتغير مواقع السيطرة في جنوب طرابلس. فبينما تسيطر قوات الحكومة على الخط الممتد من السواني، غرب العاصمة، مروراً بالعزيزية وحتى الهيرة على مشارف غريان، والسبيعة على مشارف ترهونة، تسيطر مليشيات حفتر على منطقة قصر بن غشير الاستراتيجية التي تقع فيها أهم معسكرات طرابلس، بواسطة خط إمداد قوي يصلها بترهونة عبر منطقة وادي الربيع، شرق طرابلس، بالإضافة إلى أجزاء من أحياء عين زارة وخلة الفرجان، داخل طرابلس. واتفق الخبير العسكري الليبي محيي زكري مع الجواشي حول إمكانية أن تكون المعركة قصيرة، وبالتالي تحول الجانب السياسي إلى شكل جديد. واعتبر أن "الطرفين على بعد خطوات من الهزيمة أو النصر"، موضحاً أن "انهيار قوة حفتر في منطقة قصر بن غشير تعني من ناحية طوبوغرافية وعسكرية سقوط غريان وترهونة، وهما أكبر مركزين لقوات حفتر في الغرب الليبي"، مضيفاً "من ناحية أخرى، فإن تمكن قوات حفتر من اختراق أي محور لقوات الحكومة، سيؤدي إلى تسربها بشكل سريع داخل طرابلس، فالأحياء الموالية للقاطع الجنوبي مكتظة بالسكان ولا يمكن إخراج أي قوة منها"، مؤكداً أن "القطاع الجنوبي، الذي تجري فيه معارك طرابلس الآن، هو الحصن الأخير للعاصمة وسقوطه يعني الانتشار السريع داخل الأحياء".