ريف حماة الشمالي...خط الدفاع الأول عن عمق محافظة إدلب

ريف حماة الشمالي... خط الدفاع الأول عن عمق محافظة إدلب

23 مايو 2019
المعارضة المسلحة تمسك بالمناطق المرتفعة (عمر حج قدور/فرانس برس)
+ الخط -

على الرغم من استخدام الطيران الروسي، سياسة الأرض المحروقة، فإن قوات النظام السوري لم تستطع زحزحة فصائل المعارضة السورية المسلحة عن مواقع استراتيجية في ريف حماة الشمالي، تعتبر خط الدفاع الأول عن عمق محافظة إدلب، وكانت استعصت على قوات النظام التي منيت بهزائم فيها أكثر من مرة. ولطالما كان ريف حماة الشمالي هدفاً لقوات النظام، منذ خروجه عن سيطرتها تدريجياً أواخر العام 2012، على يد فصائل المعارضة السورية، التي خاضت معارك كبرى للمحافظة على هذا الريف، الذي دمر طيران النظام وروسيا جُل مدنه وبلداته وقراه، وشرّد أغلب سُكانه على مدى سنوات.

ولم تهدأ معارك الكر والفر منذ بداية مايو/أيار الحالي في ريف حماة الشمالي، بين فصائل المعارضة السورية و"هيئة تحرير الشام" ("جبهة النصرة" سابقاً) من جهة، وقوات النظام ومليشيات تدعمها. وفي 9 مايو الحالي، خسرت المعارضة السورية، تحت ضغط ناري روسي وُصف بـ"المتوحش"، مدينة قلعة المضيق شمال غربي حماة، وعدة بلدات وقرى منها كفرنبودة وتل هواش، التي استطاعت قوات المعارضة استعادة السيطرة عليهما أمس الأربعاء، والجنابرة، وتل عثمان، والجابرية، والتوبة، والشيخ إدريس، والكركات، والمستريحة، والتوينة، والشريعة، وباب الطاقة، والحويز والحمرا. وقبل خروجها عن سيطرة المعارضة السورية، كانت مدينة قلعة المضيق تضم نحو 100 ألف مدني، جلهم نزحوا إليها من مناطق سورية مجاورة لها، كما كانت معبراً رئيسياً بين مناطق المعارضة والنظام، فهي بوابة عبور البضائع القادمة إلى المناطق التي تقع تحت سيطرة فصائل المعارضة. وتقع قلعة المضيق على تل مرتفع، وتعد بوابة الدخول إلى سهل الغاب في ريف حماة الشمالي الغربي، فضلاً عن كونها خاصرة مهمة من خواصر جبل شحشبو الاستراتيجي، الذي لا يزال تحت سيطرة المعارضة السورية. كما تعتبر قلعة المضيق، التي تُنسب إلى قلعتها الشهيرة، خط دفاع رئيسيا عن ريف إدلب الغربي، ومن هنا تأتي أهميتها، حيث أراد النظام من خلال السيطرة عليها فتح طريق باتجاه ريف إدلب الغربي، خصوصاً نحو مدينة جسر الشغور، لكنه لم يتمكن من ذلك بسبب تصدي فصائل الجيش السوري الحر له.

ولبلدة كفرنبودة، التي تقع إلى الشمال الغربي من مدينة حماة بنحو 50 كيلومتراً، أهمية كبرى، فهي مدخل لجبل شحشبو الاستراتيجي في ريف حماة، فضلاً عن كونها بوابة المناطق التي تسيطر عليها فصائل المعارضة في الشمال السوري، وخط الدفاع الأول عن عمق محافظة إدلب. ولهذا، فقد رمت قوات المعارضة بثقلها العسكري، واستطاعت إعادة السيطرة على كفرنبودة، كما سيطرت على تل هواش والحميرة. وتحاول قوات النظام، منذ بداية الشهر الحالي، دون جدوى السيطرة على جبل شحشبو في ريف حماة الشمالي بسبب أهميته، إذ إنه يمتد بين ريف حماة الشمالي الغربي وريف إدلب الجنوبي الغربي و"من يسيطر على هذا الجبل يستطع إسقاط منطقة سهل الغاب نارياً" وفق قيادي في فصائل المعارضة في ريف حماة الشمالي. ويضم جبل شحشبو 20 قرية، تعرضت خلال سنوات الحرب السورية إلى قصف من قبل قوات النظام، لكن وتيرة القصف تراجعت مع تثبيت نقطة مراقبة تركية في قرية شير مغار في مايو 2018.

وفي ريف حماة الشمالي، تضع قوات النظام ثقلاً عسكرياً للسيطرة على حرش الكركات. وقد حاولت مراراً، خلال مايو الحالي، السيطرة عليه، لكنها فشلت في ذلك بعد تكبدها خسائر تصفها المعارضة السورية المسلحة بـ"الجسيمة"، خصوصاً بين عناصرها الذين كانوا هدفاً سهلاً لصواريخ "التاو" الموجهة. ويقول الصحافي شحود جدوع، لـ"العربي الجديد"، إن حرش الكركات، وقرية ميدان غزال القريبة منه، عبارة عن مرتفع جبلي وعر يشرف على قرى سهل الغاب من الجانب الغربي، كما يشرف على قرى الكركات والشيخ إدريس والمستريحة والتوبة، وجميعها مع النظام حالياً، ما يعني أن المعارضة المسلحة ما تزال تمسك بالمناطق المرتفعة مقابل تمدد النظام الجديد في المناطق السهلية.


وفي أواخر العام 2015، دارت معارك كبرى في ريف حماة الشمالي مع بدايات التدخل الروسي العسكري المباشر، حيث استخدم الروس فيها قوة نارية هائلة، لكن المعارضة المسلحة صمدت فيما مُنيت قوات النظام بهزيمة. وكانت هذه القوات تسعى للسيطرة على أبرز مدن ريف حماة الشمالي، وهي اللطامنة ومورك وكفرزيتا التي لا تبعد سوى 25 كيلومتراً عن مدينة حماة، ومن ثم تتوغل في عمق محافظة إدلب، حيث كان النظام والروس يخططون لإنهاء الصراع في هذه المنطقة، لكنهم فشلوا فشلاً "ذريعاً". وتعد هذه المدن معقل فصائل المعارضة السورية المسلحة التي لطالما تصدت لقوات النظام، ومنها "جيش العزة" و"جيش النصر" و"الفوج 111" وفصائل أخرى. وتعتبر هذه المدن، وقرى وبلدات في محيطها، خط دفاع رئيسيا عن محافظة إدلب، فضلاً عن قربها من مدينة حماة وسط البلاد التي غدت في مرمى نيران فصائل الجيش السوري الحر أكثر من مرة، خصوصاً منتصف العام 2016، حين سيطرت فصائل المعارضة على مدينة طيبة الإمام شمال حماة، وبلدة حلفايا وعشرات القرى قبل أن تنسحب منها لاحقاً تحت ضغط من الطيران الروسي، بعد أن شكلت تهديداً مباشراً للنظام، كاد أن يزعزع سيطرته على مدينة حماة.

وتهدف قوات النظام في حملتها الراهنة إلى تأمين مدينة حماة، من خلال إبعاد فصائل المعارضة السورية عن ريفها الشمالي، ومن ثم حصرها في بقعة جغرافية ضيقة داخل محافظة إدلب. وتُوصف مدينة مورك بـ"مقبرة دبابات الأسد" و"مقبرة الأرتال"، إذ تصدى مقاتلو الجيش السوري الحر لعشرات المحاولات من قبل قوات النظام و"حزب الله" لاقتحام المنطقة، حيث دُمرت نحو 74 دبابة تابعة للنظام أثناء محاولات اقتحام المدينة في العام 2014، إضافة إلى مقتل المئات من عناصر هذه القوات. ولمدن وبلدات ريف حماة الشمالي، التي ألقى عليها طيران النظام على مدى سنوات الحرب عدداً كبيراً من البراميل المتفجرة والصواريخ بمختلف أنواعها، ما أدى إلى تدمير جانب كبير منها، أهمية للنظام وحلفائه، إذ إنه يمر بالقرب منها الطريق الدولي الذي يربط مدينة حلب، كبرى مدن الشمال، بالساحل السوري، والطريق الذي يربط حلب بحماة، وهو ما يفسر أسباب الحملة الأخيرة.

وارتكب النظام مجازر لا تزال ماثلة في الذاكرة في ريف حماة الشمالي منذ بداية الثورة السورية، خصوصاً في اللطامنة وكفرزيتا، وهو ما أدى إلى تشريد أغلب سكان هذه المناطق، التي تعد من أحصن المواقع العسكرية لقوات المعارضة، ما يصعب من مهمة اقتحام قوات النظام والمليشيات المساندة لها. ومثلما يضع النظام ثقله العسكري في معارك ريف حماة الشمالي، فقد زجت فصائل المعارضة بتعزيزات كبيرة "فخسارة المعركة في ريف حماة الشمالي ومن بعدها إدلب (لو حصلت) ستتبعها تداعيات كبيرة، أولها انتهاء الثورة السورية، ومن ثمّ تثبيت حالة التهجير والمجازر التي سترتكبها قوات النظام والمليشيات الطائفية" وفق قيادي بارز في فصائل المعارضة.