الجزائر... الجيش والسياسي

الجزائر... الجيش والسياسي

21 مايو 2019
مطلب ترك الجيش للسلطة بات أساسياً لدى الحراك(فرانس برس)
+ الخط -
لا شك أن الجيش الجزائري في عام 2019 تمسك بالدستور والتزم بنصوصه، في وقت كان فيه الفراغ السياسي يؤهله للإمساك بالحكم من دون عائق، لكنه لم يستولِ على السلطة وقد كان الباب مفتوحاً أمامه لذلك من دون قوة اعتراض، مقارنة مع جيوش عربية تلغي الدساتير وتؤسس للانقلابات.

هل تغيّر الجيش أم تغيّرت الظروف؟ يأخذ السؤال التالي مشروعيته حين يتضح أن هذا الجيش الجزائري هو نفسه الذي قاد في غضون العقود الستة من استقلال البلاد سلسلة انقلابات عسكرية، بدأت بالانقلاب على الحكومة المؤقتة عام 1962، ثم الانقلاب على الرئيس الراحل أحمد بن بلة في عام 1965، ثم التدخّل في اختيار الضابط الشاذلي بن جديد كرئيس للجمهورية عام 1979، ثم الانقلاب على المسار الانتخابي في يناير/ كانون الثاني 1992، ثم الانقلاب الاستخباراتي على الرئيس ليامين زروال عام 1998.

قد تكون التركيبة البشرية للجيش في عمقه الصلب قد تغيّرت بفعل جيل عسكري شاب يستند إلى التقنية وبمستويات علمية وإلى شرعية الكفاءة والأداء، بخلاف الزمن السابق الذي كانت فيه الشرعية الثورية المستند الأبرز. وقد تكون الظروف المحلية تغيّرت على أكثر من صعيد في علاقة بالبنية السياسية والمجتمعية، لكن ما لم يتغيّر في الواقع هو علاقة الجيش بالحكم، والتي ظلت دائماً تحتكم إلى القاعدة نفسها، إذ يمسك الجيش بالسلطة في الخلف ويقبع الحاكم المدني في الواجهة السياسية.

الخطابات الأخيرة لقائد أركان الجيش أحمد قايد صالح تندرج ضمن القاعدة نفسها، وعلاقته بالمسألة السياسية وبالسلطة ما زالت ضمن الرؤية السابقة أيضاً، وأكثر من ذلك يمثّل الجيش في الوقت الحالي أكبر حزب يتعاطى الفعل السياسي. على نحو أسبوعي يتحدث قائد الجيش في الشأن السياسي أكثر من الأحزاب السياسية نفسها، ويعلّق في "حديث الثلاثاء" على مواقف ومطالب الشعب، ويحدد الحلول والخيارات، ويتحدث عن الانتخابات والعدالة والتظاهرات والصحافة والشخصيات وتنظيم التظاهرات، ويُصدر أحكاماً على المواقف والمبادرات السياسية، وعن الأزمة الاقتصادية أيضاً وفرص العمل والقدرة الشرائية للمواطنين، أكثر مما يتحدث في القضايا ذات صلة بالشأن العسكري.

صحيح أن الجيش كفاعل مركزي يبدي تعففاً في السلطة في خرق الدستور، أو هكذا يبدو، لكنه يرفض في المقابل، ربما على أساس منطق الوصاية التاريخية على البلد، فتح الطريق أمام المبادرة السياسية لحل الأزمة، على الرغم من أنها تتأسس على عقلانية كبيرة وتأخذ بواقعية المحددات الشارع والمعطى الدستوري أيضاً، وهي في الغالب (المبادرة) صادرة عن شخصيات مسؤولة وكتل سياسية ومدنية لها كامل الحس المسؤول والإدراك الواقعي لمعنى الدولة وعلاقاتها الوظيفية وتحدياتها المحلية والإقليمية.

بهذه الصورة يمكن استقراء أن الجيش في الجزائر لم يتحرر بعد من نظرة قصور إلى الفاعل السياسي، ويرفض التقارب مع القوى السياسية حتى في ظل أزمة استثنائية لا تجد لها حلولاً في الدستور (تجاهل كل المبادرات السياسية)، في مقابل احترام يتجاوز حدود المبالغة أحياناً من قبل الفاعل نفسه للدور المنوط بالمؤسسة العسكرية في هذه المرحلة أو في غيرها.

المساهمون