بادرة انفتاح إيرانية لمحاورة أميركا

بادرة انفتاح إيرانية لمحاورة أميركا

17 مايو 2019
دعا ظريف لخطوات ملموسة لإنقاذ الاتفاق النووي(توماس بيتر/فرانس برس)
+ الخط -
بعد أيام من التصعيد بين إيران والولايات المتحدة، الذي بدا أنه يدفع باتجاه مواجهة عسكرية بين البلدين، إثر التعزيزات الأميركية الكبيرة في منطقة الخليج والشرق الأوسط، مقابل تهديد طهران بضرب قوات واشنطن ومصالحها في المنطقة، بدا أن الأجواء أمس الجمعة تتجه إلى تهدئة، ستقلب صورة الوضع القائم، مع إظهار طهران بادرة انفتاح لمفاوضة واشنطن، على الرغم من استمرارها بنبرتها المرتفعة. ويتوافق ذلك مع تسريبات متعددة، كشفت أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب، لا يريد خوض حرب مع طهران، فيما يبقى تحالف وحيد يدعم فكرة الحرب، يجمع كلاً من السعودية وإسرائيل والإمارات، كما ذكرت صحيفة "واشنطن بوست".

وفي أول مؤشر على استعداد طهران للحوار، بعد تصريحات عديدة شددت على رفض مفاوضة أميركا، دعا رئيس لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان الإيراني، حشمت الله فلاحت بيشه، إلى عقد مفاوضات أميركية إيرانية في قطر أو العراق، لإدارة التوتر بين البلدين. وكتب على صفحته الخاصة في "تويتر": "على الرغم من نفي كبار المسؤولين في إيران وأميركا النية لإشعال الحرب، إلا أن هناك جهة ثالثة، على عجلة لتدمير قسم كبير من العالم". وأضاف أنه "ينبغي إيجاد طاولة بخطوط حمراء في العراق أو قطر، تضم مسؤولي البلدين (إيران وأميركا)، توكل إليها مهمة خاصة بإدارة التوتر".

بالتوازي مع ذلك، استمر التصعيد الكلامي الإيراني. ونقلت وكالة "فارس" الإيرانية، أمس عن نائب قائد الحرس الثوري الإيراني محمد صالح جوكار، قوله إن الصواريخ الإيرانية القصيرة المدى يمكنها الوصول إلى السفن الحربية الأميركية في الخليج، مضيفاً أن الولايات المتحدة غير قادرة على تحمل حرب جديدة. وأضاف: "أميركا غير قادرة على تحمل تكاليف حرب جديدة والبلاد (الولايات المتحدة) في وضع سيئ من ناحية القوة العاملة والظروف الاجتماعية". وفي ما بدت رسالة موجهة ضد أي دعوات من قبل حلفاء الرئيس حسن روحاني في الداخل لإجراء محادثات مع واشنطن، قال جوكار: "الاتجاه الميال للغرب في البلاد يثير معضلة حرب مقابل المحادثات... ويحاول فرض اتفاقات نووية جديدة على البلاد".

وعلى نحو منفصل، اتهم مسؤول عسكري إيراني كبير، الرئيس الأميركي دونالد ترامب بالخداع، وقال إن واشنطن تدعو للمحادثات بينما هي "تصوب مسدساً" إلى طهران، وذلك وفقاً لما ذكرته وكالة "مهر" الإيرانية. ونقلت الوكالة عن نائب قائد القوات المسلحة للشؤون السياسية رسول سنائي راد، قوله إن "ما يفعله زعماء أميركا من ممارسة الضغوط وفرض العقوبات... بينما هم يتكلمون عن محادثات، هو بمثابة توجيه مسدس صوب شخص ودعوته لصداقة ومفاوضات". وتابع: "سلوك زعماء أميركا لعبة سياسية تنطوي على تهديدات وضغوط، وفي الوقت نفسه إظهار استعداد للتفاوض من أجل تقديم أنفسهم في صورة سلمية وخداع الرأي العام".


في غضون ذلك، واصل وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف أمس، جولته الآسيوية للحصول على مزيد من الدعم، وبعد زيارة الهند، حط أمس في الصين، ودعا منها المجتمع الدولي و"أصدقاء" إيران لاتخاذ "خطوات ملموسة" لإنقاذ الاتفاق النووي، محذراً من وضع "خطر" مع تصاعد التوتر مع الولايات المتحدة. وقال ظريف: "يجب أن تتمكن إيران من إقامة علاقات اقتصادية طبيعية... وحتى الآن معظم المجتمع الدولي أصدر تصريحات عوضاً عن اتخاذ مواقف". وتابع: "لو أراد المجتمع الدولي وأطراف الاتفاق النووي الآخرون وأصدقاؤنا في الاتفاق النووي، مثل روسيا والصين الحفاظ على هذا الإنجاز، فمن المطلوب أن يجعلوا الشعب الإيراني يتمتع بمكاسب الاتفاق النووي عبر إجراءات ملموسة".
من جهته، قال وزير الخارجية الصيني وانغ يي لنظيره الإيراني، إن الصين تعارض بشدة العقوبات الأحادية التي تفرضها الولايات المتحدة. وذكر بيان للخارجية الصينية، أن وانغ قال بعد اجتماع مع ظريف في بكين إن الصين تدعم إيران لحماية حقوقها المشروعة وتتفهم موقف إيران.

وفي دلالة أخرى على أن طهران كانت تتهيأ جدياً لمواجهة مع واشنطن، على الرغم من أن مسؤوليها أصروا على الحديث صراحة عن "حرب نفسية" أميركية ضد بلادهم، كشفت صحيفة "غارديان" البريطانية، أنّ قائد "فيلق القدس" في الحرس الثوري قاسم سليماني، طلب من فصائل موالية لإيران في العراق، خلال اجتماع قبل ثلاثة أسابيع، "الاستعداد لحرب بالوكالة". ونقلت الصحيفة عن مصدرين استخباريين رفيعي المستوى، أنّ سليماني استدعى المليشيات إلى اجتماع في بغداد، وسط حالة التوتر المتصاعدة في المنطقة. وقال أحد المصادر: "لم يكن (الاجتماع) دعوة للتسلّح، لكنه لم يكن بعيداً عن ذلك". وأوضح المصدران الاستخباريان للصحيفة، أنّ جميع قادة الفصائل التي تندرج تحت مظلة "الحشد الشعبي" في العراق، حضروا الاجتماع الذي دعا إليه سليماني.

لكن العمل العسكري بات مستبعداً، مع بروز أكثر من مؤشر على عدم رغبة ترامب بذلك. وفي هذا السياق، كشفت صحيفة "نيويورك تايمز" الخميس، نقلاً عن مسؤولين في الإدارة الأميركية لم تنشر أسماءهم، أن ترامب أبلغ القائم بأعمال وزير الدفاع باتريك شاناهان بأنه لا يريد خوض حرب مع إيران. وحسب الصحيفة، فإن الاستخبارات الأميركية أشارت إلى أن إيران وضعت صواريخ على قوارب صغيرة في الخليج، ما يثير مخاوف من ضربها للقوات الأميركية وأصولها أو قوات حلفائها. لكن ترامب كان حازماً بقوله إنه لا يريد صداماً عسكرياً مع الإيرانيين، بحسب الصحيفة.

كذلك أفادت صحيفة "واشنطن بوست" في تقرير لها أمس، بأن احتمال العمل العسكري الأميركي ضدّ إيران لا يحظى سوى بالقليل من الدعم الدولي، فقد رفضه حلفاء الولايات المتحدة هذه المرة علانية، فيما دعت القوى الكبرى، مثل روسيا والاتحاد الأوروبي إلى ضبط النفس، كما أن الدعم ضئيل بين أعضاء الكونغرس الأميركيين. غير أن الصحيفة أشارت إلى تحالفٍ وحيدٍ يدعم هذه الفكرة، يجمع كلاً من السعودية وإسرائيل والإمارات، مضيفة أنه ليس من قبيل الصدفة أن هذه البلدان لجأت إلى البيت الأبيض منذ تولي ترامب منصبه في يناير/ كانون الثاني 2017، حين رأت أن إدارته ستكون حليفة ضدّ إيران.

ويبدو أن الوضع الحالي يريح ترامب، الذي أكّد أمس أنه "أمر جيد" أن تتسبب السياسة الأميركية بإرباك إيران. وشنّ ترامب على "تويتر" هجوماً حاداً على وسائل الإعلام، بسبب ما سماها "التغطية الخطأ وغير الدقيقة لإيران". ولكن من وجهة نظره فإنّ التغطية كان لها أثر إيجابي واحد، قائلاً: "على الأقل إيران لا تعرف كيف تفكر، وهو ما يعدّ في هذا الوقت أمراً جيداً".