مقتدى الصدر يغربل تياره: حملة لطرد "الفاسدين"

مقتدى الصدر يغربل تياره: حملة لطرد "الفاسدين"

17 مايو 2019
الصدر قرّر محاسبة المقرّبين منه (حيدر حمداني/فرانس برس)
+ الخط -

ليست المرة الأولى التي يوجه فيها زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر بإبعاد عناصر مقربة منه عن قيادة تياره، فقد جمّد نهاية العام الماضي عناصر من مليشيا "سرايا السلام" التابعة له، بعد معلومات وصلته متأخرة تفيد بتورطهم في قضايا فساد مالي وعمليات ابتزاز للشركات الأهلية، عدا عن تورط آخرين في المتاجرة بالمشتقات النفطية وتهريب العملة الصعبة إلى إيران. إلا أن موجة الطرد الجديدة التي طاولت قادة بارزين ومقربين من الصدر، تعتبر الأكبر منذ تأسيس التيار الديني بعد عام 2003 وما نتج عنه من مليشيات مسلحة أبرزها جيش المهدي، ولواء اليوم الموعود وسرايا السلام. أبرز تلك القادة هو أبو دعاء العيساوي، معاون الصدر الجهادي، وهو المصطلح الخاص بمساعد مقتدى الصدر لشؤون الفصائل المسلحة التابعة له، وكذلك عواد العوادي المقرّب من الصدر هو الآخر، فضلاً عن عضو البرلمان السابق، القيادي المعروف بالتيار الصدري جواد الكرعاوي، إضافة إلى كل من علي هادي أبو جميل، وعماد أبو مريم. وهما من المقربين إلى الصدر ويظهران بشكل مستمر برفقته في لقاءاته داخل العراق.

وبعد ساعات قليلة من إعلان الصدر عن أسماء القادة المطرودين، شهدت مدن جنوب العراق أبرزها، كربلاء وبابل وواسط والبصرة والنجف، تظاهرات صاخبة قرب منازل المطرودين من التيار الصدري ومكاتبهم ومصالح تجارية تابعة لهم، غير أن الأعنف كانت في محافظة النجف، والتي أسفرت عن مقتل أربعة من أنصار الصدر وجرح 19 آخرين خلال اقتحام مول تجاري يعود للقيادي المفصول من التيار الصدري جواد الكرعاوي، وذلك بعد سقوط جريحين في محافظة واسط المجاورة بأعمال عنف مماثلة.

وتأتي التظاهرات التي نظّمها الصدريون جنوب العراق ليلة الأربعاء وحتى فجر أمس الخميس، بعد إعلان جاء على صفحة "فيسبوك"، مقرّبة من مقتدى الصدر، دعا فيها إلى التجمع حول "مولات الفاسدين فلا يدخلنها أحد للتسوق والتبضع لمدة لا تقل عن ثلاثة أيام". وبعد ساعات من التظاهرات حول منازل ومراكز تجارية للمطرودين من تيار الصدر، عادت نفس الصفحة التي تحمل اسم محمد صالح العراقي، للقول: "قال لي قائدي: لا داعي للاعتصام فهذا شهر الصيام، ولا داعي للتظاهر فما عاد للفساد مجال للتفاخر، شكراً لمن التزم بالسلمية"، مضيفاً أنه "وإن عادوا عدنا، وسننتصر مرة أخرى".

وتعود الأزمة إلى بيان وصف بالمفاجئ من الصدر يوم الاثنين الماضي، أعلن فيه عن تشكيل لجنة لجمع معلومات عن "الصدريين العاملين بمشاريع تجارية حكومية"، وخاطبهم بالقول "ما عدت أتحمّل تشويهكم لسمعة السيد الوالد وخروجكم عن نهجه"، قبل أن يعلن ليلة الثلاثاء في بيان آخر عن فصل عدد كبير من قياداته ومعاونيه في التيار الصدري، بتهمة استغلال التيار كغطاء للفساد.



مصدر من داخل المكتب الخاص للصدر في النجف، قال لـ"العربي الجديد"، إن "الصدر وضع يده على ملفات ووثائق تشير إلى تورّط كثير من المقربين منه في استغلال اسمه والحصول على مقاولات ومشاريع وعمولات من وراء ظهره، استغلوا مكانتهم من الصدر، وقاموا بتأسيس شركات مقاولات خاص بهم، والعمل في دوائر الدولة باسم التيار الصدري والصدر، وأغلب المقربين من الصدر متورطون بهذه القضية". وأشار المصدر إلى أن "الحديث كثير عن المشاريع التي افتتحها قادة بالتيار الصدري في بغداد والمحافظات، وآخرها مول الماسة، ومول البشير ووكالة سيارات يابانية، وفنادق تستقبل الزوار الدينيين من إيران ولبنان والبحرين والكويت وباكستان وشركة مقاولات وأخرى للحوالات المالية في النجف وكربلاء والبصرة وواسط وبابل". وأضاف أن "ثروات قسم منهم تجاوزت حد المعقول ويملكون حسابات في بيروت وطهران بالعملة الصعبة، على الرغم من أنهم كانوا قبل سنوات يسكنون في مناطق العشوائيات"، مبيناً أن "الصدر يعمل حالياً على تنظيف التيار الصدري من المتاجرين باسم الدين والطائفة".

ولفت المصدر إلى أن "هناك أطرافا شيعية قد تستغل الحالة وتسعى لإحداث انشقاق داخل التيار من خلال احتواء بعض المطرودين، أو تحريضهم، لتشكيل قوة جديدة على غرار سيناريو قيس الخزعلي الذي شكل بعد طرده من قبل مقتدى الصدر، مليشيا عصائب أهل الحق، وحصل على دعم إيراني لتوسعتها حتى تحولت إلى كيان منافس له، لكن موضوع طرد العناصر الفاسدة بات مهماً لتبييض صفحة التيار أمام الشارع الناقم".
بدورها، كشفت مصادر سياسية لـ"العربي الجديد"، عن "قيام عدد من القيادات والأعضاء المنشقين والمطرودين من التيار الصدري بتعزيز الحراسة بمحيط منازلهم، أو الانتقال إلى مناطق أخرى لحين انتهاء موجة التظاهرات التي انطلقت ضدهم في عدد من المحافظات الجنوبية".

من جهته، كشف عضو التيار الصدري علي الربيعي، لـ"العربي الجديد"، أن "طرد الفاسدين المقربين من الصدر مجرد بداية، وأن الصدر غير مهتم حتى لو بقي في تياره خمسة أشخاص شرط أن يكونوا نظيفين". وتابع أنه "ستكون هناك أسماء أخرى لطردها وهي رسالة إلى 4 هيئات عراقية مفترض أنها شُكّلت لمحاربة الفساد في العراق ولم تفعل شيئاً". وكشف عن أن "أغلب من تم طردهم من التيار الصدري غادروا مناطق سكنهم ولجأوا إلى مناطق أخرى من بغداد أو كردستان، وهذا دليل آخر على أنهم فاسدون".

وكان مكتب الصدر أعلن في مارس/ آذار 2016، عن "احتجاز" نائب رئيس الوزراء المستقيل بهاء الأعرجي في لجنة محاربة الفساد التابعة للتيار لمدة ثلاثة أشهر، ودعا حينذاك كل من لديه شكوى أو حقوق في ذمة الأعرجي إلى مراجعة مقر اللجنة في النجف. غير أنه لم تتمّ محاسبة الأعرجي ضمن القانون العراقي، وهو ما يعني أن التحركات لمقتدى الصدر من أجل منع رفاقه "الفاسدين" تقع ضمن خانة التصفيات السياسية والحزبية، كما يراها الباحث عبد الله الركابي.

وقال الركابي لـ"العربي الجديد"، إن "مقتدى الصدر وعلى الرغم من تحركاته الجيدة للحد من الفساد المالي والتلاعب بالأموال العامة التابعة للحكومة، والمتاجرة على حساب اسمه، الصدر، ووالده، إلا أنها تفتقر إلى أن تكون جهوداً صحيحة، لأنها ضمن خلافات شخصية وحزبية داخل التيار". وأضاف أن "الصدر ورغم امتلاكه أوراقاً صحيحة وحقيقية تثبت تورط كثيرين من أتباعه بالنيل من حقوق العراقيين وممتلكاتهم إلا أنه لا يلجأ إلى القضاء العراقي، وتبقى عبارة عن محاسبات داخل منطقة الحنانة (المدينة القديمة في النجف) التي تمثل مقر الصدر حالياً".



المساهمون