الجزائر... مأزق انتخابات يوليو

الجزائر... مأزق انتخابات يوليو

15 مايو 2019
تظاهرات احتجاجية مستمرة للمعارضة(رياض كرامدي/فرانس برس)
+ الخط -
كل أزمة تنتهي بالحوار، وجميع الاختيارات الجوهرية في عمق المسألة التمثيلية تُرَدّ إلى الشعب ليحدد الخيار الأنسب عبر آلية الانتخابات، لكن في الجزائر التي تعيش ثورة شعبية هادئة حتى الآن، تطرح الانتخابات الرئاسية المقبلة المقررة في الرابع من يوليو/تموز المقبل نفسها كعقدة ومأزق، أكثر منها حلاً ومخرجاً. ثمة مغالطة بالغة البشاعة تضع كل دعوة توافقية إلى إرجاء الانتخابات لفترة محدودة لا تتجاوز نهاية السنة، تتولى خلالها حكومة مستقلة تهيئة الظروف السليمة وتعديل التشريعات المنظمة للانتخابات ونقل صلاحيات الإعداد من وزارة الداخلية إلى هيئة عليا لتنظيم الانتخابات، في ميزان "مؤامرة" الخروج على الدستور وخلق فراغ دستوري. يحدث ذلك مع أن الجزائر تعيش هذا الفراغ واقعياً وسياسياً منذ إبريل/نيسان 2013، ومع أن أي جهد توافقي بالتعاون مع المؤسسات السيادية كفيل بايجاد أكثر من مخرج دستوري وتحديد موعد آخر للانتخابات.

كل سياسي عاقل يقول إن الانتخابات هي جزء من الحل بالتأكيد، وهي كذلك، وليس هناك أية آلية تمثيلية للشعب غير ذلك، لكن العقل السياسي يتدبر أيضاً في أن الجزائريين انتخبوا 14 مرة، فقط في عهد عبد العزيز بوتفليقة شعبياً، دون أن تكون أي من تلك الانتخابات حلاً لأزمات مؤسساتية بالدرجة الأولى، وسياسية واقتصادية بالدرجة الثانية. وحين لا تتوفر الظروف السليمة للانتخابات، تصبح الأخيرة مجرد تأجيل للأزمة وليس إلا. في مراحل التأسيس للانتقال الديمقراطي، يكون الاستعجال في تنظيم الانتخابات دون توفر اشتراطاتها السياسية والتنظيمية أقرب الى عملية انتحارية وتسليم عشوائي قد يتحدد عليه أفق المستقبل. في انتخابات التسعينات عبرة وعظة. وفي حال نظمت الانتخابات المنتظرة في موعدها، في مثل ظروف الاحتقان الشعبي والتهافت السياسي الراهنة، سيكون من الصعب تأمين التجمعات الانتخابية وتمكين المترشحين المحتملين شرح برامجهم في الشارع لشارع غاضب، وسيكون على الجيش (الذي يصرّ على إجراء الاستحقاق في موعده) نصب فرقة مدرعة عند كل مكتب اقتراع، لأن غالبية الشعب التي ترفض الانتخابات، لن تسمح بمصادرة مطالبها عبر استعجال انتخابي.

صحيح أن الأمر يبدو كما لو أنه مناقض جداً لروح الديمقراطية، عندما يتم رفض إجراء الانتخابات، التي يختار فيها الشعب رئيسه، في موعدها، لكن ثمة إجماع سياسي وشعبي في الجزائر على أن استحقاق يوليو مأزق وليس حلاً، ونفق وليس مخرجاً، لكون الظروف الراهنة لا تسمح بتنظيم الانتخابات. وفي هكذا وضع يصبح الخيار قائماً بين الدستور والجزائر، وتكون الجزائر أولى بالاختيار، وبين ضرورات تطبيق الاستحقاق الدستوري المتضمن في المادة 102 من الدستور، وبين الشعب، ويكون الشعب السيد أجدر بالانحياز.

المساهمون