هل يستطيع النظام السوري التوغل في محافظة إدلب؟

هل يستطيع النظام السوري التوغل في محافظة إدلب؟

أمين العاصي

avata
أمين العاصي
13 مايو 2019
+ الخط -
هدأت قليلاً الاشتباكات في شمال غربي سورية، بين قوات النظام المدعومة من روسيا ومليشيات تساندها من جهة، وبين المعارضة السورية المسلحة من جهة أخرى، التي كانت تراجعت عن عدة بلدات في الأيام الأخيرة، بسبب القوة التدميرية الهائلة التي استخدمها الطيران الروسي، الذي تتحرك قوات النظام تحت غطائه الناري. وعلى الرغم من تراجع وتيرة القصف الجوي والعمليات العسكرية، إلا أن مدفعية النظام الثقيلة استمرت بقصف مناطق في ريفي حماة وإدلب، في مؤشر على أن قوات النظام لم تكتف بما حققته خلال الشهر الحالي، وربما تهدف إلى توسيع نطاق هجومها. ولكن عوامل عسكرية وسياسية ربما ستحول دون ذلك، إذ تؤكد المعارضة أنها جاهزة لكل الاحتمالات، مشككة في قدرة قوات النظام على التوغل شمالاً في عمق محافظة إدلب.

بينما برز تطور ميداني لافت أمس، إذ ذكرت وكالة "الأناضول" أن قوات النظام والمليشيات الموالية لها، استهدفت أمس الأحد بالمدفعية محيط نقطة المراقبة التركية رقم 10، التي تقع في منطقة الزاوية جنوبي إدلب، وشمال غربي حماة، ضمن منطقة "خفض التصعيد". وبحسب الوكالة، فإن هذا القصف المدفعي، الذي يُعد الثالث خلال الأسبوعين الأخيرين، لم يسفر عن أضرار في النقطة. وسبق أن استهدفت قوات النظام نقطة المراقبة التركية ذاتها، في 29 إبريل/ نيسان الماضي، و4 مايو/ أيار الحالي.

ولا تخفي قوات النظام خططها الهادفة إلى التوسع للسيطرة على كامل الريف الشمالي لمدينة حماة، الذي يضم مدناً ومناطق هامة منها اللطامنة ومورك وكفرزيتا، عقب السيطرة "السهلة" على مدينة قلعة المضيق، التي باتت "مدينة أشباح" وفق وصف مصدر محلي، إذ نزح أهلها تفادياً لعمليات انتقامية واسعة النطاق من قبل قوات النظام التي أطلقت يد عناصرها وعناصر الشبيحة لتعفيش البيوت وسرقة محتوياتها.

ويبدو أن أسباباً عسكرية وسياسية حالت دون توغل قوات النظام في عمق محافظة إدلب، إذ يدرك النظام وحلفاؤه الروس والإيرانيون أن التوغل في المحافظة لن يكون نزهة، بل إن عناصر هذه القوات ستواجه آلاف المقاتلين التابعين لفصائل المعارضة المسلحة ولـ"هيئة تحرير الشام" (جبهة النصرة سابقاً)، الذين لم تُمنح لهم فرصة القتال في قلعة المضيق ومحيطها، لأسباب يبدو أن لها علاقة بتفاهمات إقليمية سمحت لقوات النظام بالتقدّم في عدة مناطق.
وبعد أكثر من سبع سنوات من القتال ضد قوات النظام، يمتلك مقاتلو المعارضة تدريباً وتمرساً عالياً يمكنهما من الصمود أمام قوات النظام، على الرغم من القصف الجوي "المتوحش"، وخصوصاً أن المعركة المنتظرة والمتوقعة ستكون الأخيرة، إذ "لا إدلب بعد إدلب" كي ينتقل إليها هؤلاء المقاتلون الذين يعتبرون المواجهة مع قوات النظام "معركة موت أو حياة"، وفق قيادي في الجيش السوري الحر، أكد لـ"العربي الجديد" أن هذا الجيش "مستعد لكل الاحتمالات بما فيها المواجهة الشاملة"، وفق قوله.

وتُعدّ محافظة إدلب المعقل الأبرز لفصائل المعارضة المسلحة، وخصوصاً بعد تهجير عدد كبير من مقاتلي ريف دمشق وجنوب سورية وريف حمص الشمالي إلى الشمال السوري. وانضوت أغلب الفصائل تحت جناح "الجبهة الوطنية للتحرير" التي تضم 11 فصيلاً، هي: "فيلق الشام" و"جيش إدلب الحر" و"الفرقة الساحلية الأولى" و"الفرقة الساحلية الثانية" و"الفرقة الأولى مشاة" و"الجيش الثاني" و"جيش النخبة" و"جيش النصر" و"لواء شهداء الإسلام في داريا" و"لواء الحرية" و"الفرقة 23". وإلى جانب هذه الفصائل، هناك "جيش العزة" الفصيل الأبرز في ريف حماة الشمالي الذي يُعتبر من أفضل فصائل الجيش الحرّ لجهة التدريب والتسليح، ويضم ضباطاً منشقين عن جيش النظام يتولون قيادته وتدريب عناصره.
ولم ينزلق هذا الجيش إلى الاحتراب الداخلي والصدامات بين الفصائل و"هيئة تحرير الشام"، كما لم يتدخل في الشؤون المدنية، وانحصر اهتمامه ونشاطه في مقاتلة قوات النظام وصدها عن ريف حماة الشمالي، خط الدفاع الأول عن محافظة إدلب.
ويبرر عدد من قادة فصائل المعارضة تراجعها عن قلعة المضيق وكفرنبودة وقرى أخرى، بالقول إن القصف الجوي من الطيران الروسي "غير مسبوق"، فضلاً عن كون هذه المناطق "كانت مكشوفة نارياً من قبل قوات النظام"، مضيفين: "لولا الغطاء الجوي الروسي لما استطاعت هذه القوات التقدم على الإطلاق".

وكان يوم التاسع من الشهر الجاري ثقيلاً على الشارع السوري المعارض، إذ خشي من تكرار سيناريوهات أحياء حلب الشرقية وغوطة دمشق الشرقية ودرعا والقنيطرة، حيث كان التراجع دراماتيكياً وفقدت المعارضة المسلحة أهم مناطقها خلال فترة زمنية قصيرة.
ولكن الفصائل امتصّت الصدمة العسكرية الأولى في كفرنبودة وقلعة المضيق، وعادت إلى المبادرة من جديد، ما وضع حداً لتقدّم قوات النظام، التي يبدو أنها اكتفت بما حققته في الفترة الراهنة، ولكن عينها لا تزال على الطريق الدولي الذي يربط بين مدينة حلب والساحل السوري، إلا أن السيطرة عليه بشكل كامل تبدو صعبة، على الأقل في المدى المنظور.
تأمين الطريق المذكور وطريق حلب - حماة، يتطلب طرد المعارضة و"هيئة تحرير الشام" من مدن وبلدات هامة منها خان شيخون وسراقب وأريحا ومعرة النعمان، وهذا أمر ليس بيسير على قوات النظام، التي تبدو غير مستعدة لمواجهة شاملة مع فصائل المعارضة، التي تدرك جيداً أبعاد ومآلات أي تراجع جديد على مصيرها.


وتعليقاً على ذلك، رأى القيادي في الجيش السوري الحر العقيد فاتح حسون، أن قوات النظام "لا تملك قدرات تمكّنها من اقتحام أي منطقة بمعزل عن الدعم الروسي والإيراني، واستخدام تكتيك الأرض المحروقة من قبل الطيران والمدفعية". وأضاف في حديث مع "العربي الجديد": "في هجومها على كفرنبودة والجنابرة وتل عثمان، كانت القوات المهاجمة خليطاً من عدة قوات متباينة الانتماء والقيادة، إذ ضمت مجموعات من الفيلق الخامس المدعوم من روسيا، والمشكّل من عناصر المصالحات، وقوات من الفرقة التاسعة ومن الفرقة الرابعة ذات التبعية الإيرانية، وقوات لواء القدس الفلسطيني، ومليشيا سورية تتبع لحزب الله اللبناني، وقوات تتبع للمخابرات الجوية، ومليشيا تتبع للدفاع المحلي، وأخرى تتبع للدفاع الوطني".

واعتبر حسون أن "عدم وحدة القيادة والتجانس بين هذه القوات المهاجمة، يدلّ على عدم وجود تشكيلات عسكرية منظّمة في ما تبقّى من جيش النظام، وعدم قدرة أي مكوّن من هذه القوات المهاجمة على تنفيذ عمل قتالي بشكل منفرد، إضافة إلى الحاجة الماسّة للطيران الروسي الذي يمهد بكثافة منقطعة النظير، ثم يدعم نارياً أثناء العمل العسكري، ثم يرافق القوات المهاجمة في العمق، ومن ثم لا يمكن لهذه القوات المتابعة في شنّ هجومها من جبهة واحدة، لذا قد يلجأ الروس والإيرانيون لفتح جبهات من مناطق أخرى".
وأوضح حسون أن خطة القوات المهاجمة "قضم مناطق محددة بالتتالي لا دفعة واحدة، فبعد السيطرة على منطقة يتم تنظيم الدفاع وإعادة تطوير الهجوم، وفتح محاور وجبهات جديدة متصلة أو غير متصلة بمساعدة الطيران". وأكد أن "قوى الجيش الحر أثبتت أنها جديرة بالتصدي لهذه القوات، وهي تعتمد وفق إمكانياتها التسليحية على الكمائن وتنفيذ جيوب قتال تجرّ إليها القوات المهاجمة، والإغارة عليها عند بدء تنظيمها للدفاع، ليكون هناك تماسّ مباشر يجبر الطيران والمدفعية على إيقاف القصف، وهذا ما يفسر العدد الكبير لقتلى ومصابي النظام وداعميه".

وإلى جانب العوامل العسكرية، هناك موانع سياسية تحول دون توسيع نطاق الهجوم ليشمل كامل محافظة إدلب ومحيطها، فالمنطقة لا تزال محكومة باتفاق سوتشي المبرم بين الجانبين الروسي والتركي في سبتمبر/ أيلول الماضي، الذي تمّ بموجبه إنشاء منطقة عازلة في محيط إدلب بين مناطق النظام والمعارضة، بحدود تراوحت بين 15 و20 كيلومتراً، خالية من السلاح الثقيل. وانهيار هذا الاتفاق الهشّ لا يصبّ في صالح العلاقات التي تربط بين أنقرة وموسكو الحريصتين على استمرار هذه العلاقات، ومن ثم فإن هجوماً واسع النطاق على إدلب يعني انتقال العلاقات بين الروس والأتراك إلى مرحلة الصدام العسكري في سورية، مع ما يعنيه ذلك من خلط أوراق الصراع وعودة القضية السورية إلى المربع الأول.

ويبدو أن الروس ليسوا بوارد توسيع نطاق المواجهات، كيلا يكون لها تبعات سلبية على 4 ملايين مدني في شمال غربي سورية، ربما تقوم تركيا في نهاية المطاف بفتح الطريق أمامهم إلى القارّة الأوروبية التي تحرص بلدانها على استقرار الوضع في شمال غربي سورية، خشية حدوث موجات لجوء جديدة. وتدرك روسيا أن هجوماً واسع النطاق سيؤدي إلى "غضب تركي"، مع ما يستتبع ذلك من تبدّل كبير في الموقف باتجاه الجانب الأميركي، الذي يبدو حريصاً على إرضاء الأتراك في منطقة شرقي نهر الفرات، إذ يخوض الطرفان مفاوضات لحسم مصير هذه المنطقة، في ظل حديث عن تفاهم الطرفين حول مجمل الجوانب التي تخصّ المنطقة الآمنة المقترحة من واشنطن.

ذات صلة

الصورة

سياسة

قُتل 40 شخصاً على الأقل، وجُرح العشرات، في إطلاق نار أعقبه اندلاع حريق، مساء اليوم الجمعة، في صالة للحفلات الموسيقية في ضاحية موسكو.
الصورة
تظاهرة ضد هيئة تحرير الشام-العربي الجديد

سياسة

تظاهر آلاف السوريين، اليوم الجمعة، مناهضة لسياسة "هيئة تحرير الشام" (جبهة النصرة سابقاً)، ومطالبة بإسقاط قائدها أبو محمد الجولاني.
الصورة
المعروك: أكلة رمضان التراثية في شمال غربي سورية / العربي الجديد

منوعات

يعتبر المعروك وجبة رئيسية في رمضان عند معظم السوريين، سواء بعد الإفطار أو على مائدة السحور، حيث تنتج الأسواق هذه الأكلة الشعبية بأشكال مختلفة.
الصورة
تظاهرات في ذكرى الثورة السورية (العربي الجديد)

سياسة

خرجت تظاهرات في مدن وبلدات شمال غربي سورية اليوم الجمعة، إحياءً للذكرى الـ13 لانطلاقة الثورة السورية.