الدبلوماسية... سلاح المغرب لتطويق مخططات "البوليساريو" بشأن الصحراء

الدبلوماسية... سلاح المغرب لتطويق مخططات "البوليساريو" بشأن الصحراء

02 مايو 2019
وزير الخارجية ناصر بوريطة يقود الحراك المغربي(فرانس برس)
+ الخط -

دعم مجلس الأمن الدولي، أول من أمس، تمديد مهمة بعثة الأمم المتحدة إلى الصحراء "المينورسو" مدة ستة أشهر. ونوه القرار 2468، الذي دعمته 13 دولة مقابل امتناع روسيا وجنوب أفريقيا، "بمبادرة المغرب لحل نزاع الصحراء ممثلاً في الحكم الذاتي الذي اقترحته المملكة في إبريل/نيسان 2017"، وأشار إلى "ضرورة تحلي أطراف النزاع بالإرادة السياسية والعمل في بيئة مؤاتية للحوار من أجل المضي قدماً في المفاوضات". وأضاف "سيساهم التوصل إلى حل سياسي لهذا النزاع الطويل الأمد، وتعزيز التعاون بين البلدان الأعضاء في اتحاد المغرب العربي، في تحقيق الاستقرار والأمن، وسيتيح إحداث مناصب الشغل والنمو والفرص لسائر شعوب منطقة الساحل".

وسارع وزير الشؤون الخارجية والتعاون الدولي المغربي ناصر بوريطة، الذي يقود الحراك المغربي، إلى الترحيب بالقرار، معتبراً أنه "ينم عن تطور نوعي، ويتضمن عناصر بنيوية بالنسبة للمسلسل السياسي ويوضح معايير الحل النهائي لهذا النزاع الإقليمي". وأضاف أن "مجلس الأمن الدولي أكد بوضوح معالم الحل، إذ إنه أشار إلى أنه يتعين أن يكون، حسب الفقرة الثانية من نص القرار 2468، سياسياً، واقعياً، براغماتياً ومستداماً، قائماً على التوافق".

ويأتي صدور القرار الدولي فيما تعوّل الدبلوماسية المغربية على تقليص عدد الدول المتعاطفة والمؤيدة لأطروحة جبهة البوليساريو، المطالبة بحق ما تسميه "الشعب الصحراوي" في تقرير المصير بالصحراء وتأسيس "دولة صحراوية" في المنطقة. ويحاول المغرب اختراق "النسيج الدبلوماسي والسياسي" لجبهة البوليساريو، خصوصاً في القارتين الأفريقية والأميركية، من خلال مدّه اليد أكثر من مرة لبلدان معروفة بخصومتها له في ملف الصحراء. ونجح في إقناع دول بسحب اعترافها بالبوليساريو، أو جمّدت الاعتراف بها، مثل سوازيلاند، ومدغشقر، والهند، وكولومبيا، وتشاد، والباراغواي، وزامبيا، وبوركينا فاسو، ورواندا، وجامايكا، وغيرها.

واعتبر المغرب نفسه منتصراً لقدرته على حشد بلدان أفريقية كانت إلى وقت قريب مناصرة لـ"البوليساريو"، فضلاً عن دعوة هذه الدول للمشاركة في مؤتمرات ينظمها، كان آخرها المؤتمر الوزاري الأفريقي حول دعم الاتحاد الأفريقي للمسار السياسي للأمم المتحدة بشأن نزاع الصحراء. وهو مؤتمر احتضنته مدينة مراكش في مارس/آذار الماضي، وحضرته 36 دولة، بالتزامن مع مؤتمر حضرته 24 دولة في جنوب أفريقيا لدعم جبهة البوليساريو.

في السياق، رأى دبلوماسي مغربي في حديثٍ مع "العربي الجديد"، أن "القوى الدولية والإقليمية ترى اختلاف المقاربات والمعطيات بين جهة تتمسك بحلول قديمة لم تعد تجدي نفعاً، وغير معقولة التنفيذ، وبين جهة تطرح حلولاً واقعية محترمة لنزاع مفتعل عمّر طويلاً". وأشار إلى أن "هذه الدول عندما ترى واقعية الحل المغربي المتمثل في إرساء الحكم الذاتي في منطقة الصحراء، وتنظر بالمقابل إلى عقم مطلب (تحقيق المصير) الذي باتت تنبذه المنظومة الدولية، فإنها تصطف منطقياً مع الحق المغربي في مواجهة دعاة الانفصال والتمزق".

من جهته، رأى الخبير محمد عصام لعروسي، في حديثٍ مع "العربي الجديد"، أن "أطروحة الانفصال، أو بالأحرى تقرير المصير، التي تعتمدها جبهة البوليساريو كأساس قانوني للمطالبة بالاستقلال عن المغرب، لم تعد منذ فترة طويلة مسوّغاً قانونياً يحظى بالإجماع الدولي، خصوصاً التأويل الموجّه والغامض لقراري الجمعية العامة 1514 و1541 الصادرين في عام 1960، والمتعلقين بحق الشعوب في تقرير المصير". وأضاف أن "هذه القرارات تشكّل المتن القانوني للمطالبات بتصفية الاستعمار، والتي كانت قد اقترحت ثلاث صيغ لتقرير المصير والانفصال، والاستقلال واحد من هذه الحلول، في حين تشير القرارات إلى صيغة الانضمام في شكل اتحاد مع دولة مستقلة أو الاندماج مع دولة مستقلة كإحدى الآليات لتصفية مخلفات الفترة الاستعمارية".

ولفت لعروسي إلى أنه "في مقابل نظرية المساواة التي سادت في فترة توالي موجة الاستقلالات في الدول النامية، عرف مبدأ تقرير المصير والمرتبط بالاستفتاء تراجعاً كبيراً منذ نهاية الثمانينات من القرن الماضي، ولم يعد بالإمكان الحديث عن قانون معياري ثابت يفتح المجال على مصراعيه لمجموعات إثنية أو أقليات عرقية أو هوياتية، للمطالبة بالانفصال عن كيانات دولية قائمة وواضحة السيادة". واستطرد قائلاً إن "الفقه الدولي والممارسة الدولية يفضّلان تطوير المفهوم واقتراح صيغ جديدة لتدبير هذه الأقاليم من داخل المؤسسات والبناءات الوطنية، لا عن طريق الاستفتاء والاعتراف الدولي"، مبرزاً أنه "وفق هذا التوجه في إبداع طرق جديدة لإدارة الأقاليم الصحراوية أقدم المغرب على اقتراح صيغة الحكم الذاتي سنة 2007".



وبخصوص سعي المغرب إلى إنهاء أطروحة جبهة البوليساريو دبلوماسياً، اعتبر لعروسي أن "قضية الصحراء تشهد تحوّلاً مفصلياً بعد اجتماع الطاولة المستديرة الأخير جنيف 2 (في شهر مارس/آذار الماضي)، الذي قد يضع المسمار الأخير في نعش أطروحة الانفصال، وذلك من خلال العديد من المؤشرات الرئيسية".

وشرح لعروسي أن "المؤشر الأول، هو تهاوي الأساس القانوني لمبدأ الحق في تقرير المصير والمفهوم الملتبس للانفصال الذي تطالب به جبهة البوليساريو وحلفاؤها، والتهديدات الأمنية في المنطقة المغاربية وفي منطقة الساحل والصحراء والحراك الجزائري، وكذلك موقف الدول الغربية وموقف القانون الدولي الذي لا يرجح صيغة الانفصال أو الاستقلال، الذي يرجع لفترة تاريخية انتهت أسبابها ودوافعها وصلاحية حمولتها الفكرية". وأضاف أن "هذه المعطيات تعطي الانطباع بأن جبهة البوليساريو تعيش حالياً أسوأ مراحلها مع كل التحوّلات الجيوسياسية والأمنية التي لا تخدم أطروحتها المتآكلة، كما أنها سوف تتعرّض للمزيد من الضغط لقبول صيغة الحكم الذاتي المغربي مع بعض التنقيحات أو التعديلات المحتملة عليه".

وعن المؤشر الثاني، قال لعروسي إنه "متمثل في تغيّر الموقف الأميركي بعد تصريحات مستشار الأمن القومي الأميركي جون بولتون، بإبقاء بعثة المينورسو (بعثة الأمم المتحدة لتنظيم استفتاء في الصحراء الغربية) بعدما كان يطالب بإنهاء المهمات الأممية في أفريقيا وضمنها المينورسو، كونها تستنزف ميزانية منظمة الأمم المتحدة من دون أن تتوصل إلى أية حلول ناجعة". وأضاف أن "المؤشر الثالث هو ما أفاد به الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز أخيراً، عندما أكد على موقف الدول الغربية الرافض لإنشاء دولة بين المغرب وموريتانيا، على الرغم من أن نواكشوط تعترف بالجمهورية الصحراوية المزعومة، ما يعني أن نواكشوط توصلت إلى قناعة تفيد بأن هذا النزاع يتجاوز حدود خلاف حول مناطق متنازع حول سيادتها". أما المؤشر الرابع بحسب لعروسي فهو "الحراك السياسي في الجزائر، الذي دخل مرحلة حساسة من الاضطراب المؤسساتي، ويحتاج إلى الكثير من الوقت لاجتياز المرحلة الانتقالية والوصول إلى بر الأمان"، مبرزاً أن "هذا المتغير المستقل قد يؤثر على مسار قضية الصحراء، من خلال تغيير النهج الجزائري الذي لن يعود بإمكانه توظيف أدواته الهجومية في هذا الملف".

وتوقع لعروسي أن "يختفي الدعم الجزائري لأطروحة الانفصال وجبهة البوليساريو في الفترة الحالية لانشغال المؤسسة العسكرية والطبقة السياسية المتحالفة معها في تدبير الأزمة الداخلية، في ظل غموض المشهد السياسي الجزائري وما سيؤول إليه الحراك، مما قد يسهم في الدفع نحو مفاوضات جادة يكون الهدف منها التأسيس لأرضية جديدة لحل القضية".



المساهمون