الحرس الثوري على لائحة الإرهاب: آفاق التصعيد الأميركي الإيراني

الحرس الثوري على لائحة الإرهاب: آفاق التصعيد الأميركي الإيراني

09 ابريل 2019
احتمالات المواجهة العسكرية الواسعة مع إيران مستبعدة (شيب صمودفيا/Getty)
+ الخط -
إعلان وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، أمس الإثنين، عن ضم الحرس الثوري الإيراني إلى لائحة الإرهاب، نقل التوتر بين واشنطن وطهران إلى طور جديد من التصعيد، الذي "لا نعرف كيف سينتهي من دون حصول صِدام ما" بينهما، كما قال أحد المتخوفين من عواقب هذه الخطوة. 

هذا الكلام يلخص أجواء التحفظ العام الذي شمل جهات رسمية نهت عن اللجوء إليها، وعلى رأسها البنتاغون و"سي آي إيه"، بحسب ما تسرب عن مصادرهما. وانعكس ذلك في خلو الردود الفورية من الترحيب والإشادة بهذا الإجراء، باستثناء بعض الجمهوريين المحافظين في الكونغرس وفي بعض مراكز الدراسات المقربة في توجهاتها من إسرائيل، مثل "مركز الدفاع عن الديمقراطيات".

ويعود التحفظ إلى سببين رئيسيين: الأول أن وضع مؤسسة حكومية لبلد ما على لائحة الإرهاب، بصرف النظر عن دورها ونشاطاتها، يشكل سابقة يمكن أن يلجأ إليها آخرون ضد الولايات المتحدة وغيرها، مع ما ينطوي عليه ذلك من خطر استهداف هذا الجزء الحكومي بشتى الطرق بذريعة أنه إرهابي. ورد طهران السريع بوضع قوات القيادة الوسطى الأميركية الموجودة في المنطقة في خانة الإرهاب، ينذر بمثل هذا الاحتمال المفتوح على احتكاك قد يتطور إلى مواجهة يخشى أن تفلت من السيطرة.

السبب الثاني، أن القرار لا يخدم مصالح أميركا الجيوسياسية في المنطقة، بقدر ما هو تدبير تفوح منه رائحة حسابات انتخابية إسرائيلية وأميركية. 

التقارير من إسرائيل ذكرت أن بنيامين نتنياهو أعرب، بتغريدة عبرية، عن شكره للرئيس دونالد ترامب الذي "استجاب لطلبنا" بتصنيف الحرس الثوري جهةً إرهابيةً. 

وذكرت هذه المعلومات أن الترجمة الإنكليزية للتغريدة حذفت منها عبارة الاستجابة، مما يعزز الاعتقاد بأن القرار كان بتوقيته، على الأقل، هدية آخر لحظة بعد هدية الجولان، لترجيح كفة نتنياهو في انتخابات اليوم الثلاثاء. 

وفي الوقت ذاته، تبدو الخطوة مصممة لتوظيفها أيضاً في حملة الرئيس ترامب، التي تبدأ هذا الصيف، كورقة خارجية رابحة بعد أن تراجعت أهمية بقية الأوراق في هذا المجال: كوريا الشمالية تركت للدبلوماسية، والحرب التجارية مع الصين تقترب من نهايتها بقمة قريبة بين الرئيسين ترامب وشي جين بينغ، وفنزويلا وضعت على نار خفيفة على أمل أن تعطي نتائجها "في غضون سنة" كما قال المبعوث الخاص إليوت أبرامز، والتوتر مع روسيا مجمّد. تبقى إيران الملف الأغنى بعائداته السياسية المحلية في عام انتخابي أميركي.

ما تجدر الإشارة إليه أن صوت المستشار جون بولتون غاب عن الملف الإيراني في الشهرين الماضيين. حل مكانه الوزير بومبيو، الذي لم يترك فرصة أو مقابلة مسموعة أو مرئية، منذ فبراير/ شباط الماضي، إلا وعرج على الشأن الإيراني ومخاطره. كما أجرت وزارته أخيراً عدة لقاءات مع الصحافة أفردتها لهذا الموضوع وجرى التركيز فيها على عزم الإدارة على التصدي لـ"نشاطات إيران الشريرة" في المنطقة. 

حتى في كلمته التي ألقاها في افتتاح اجتماع دول حلف شمال الأطلسي (ناتو)، في الرابع من الشهر الجاري في واشنطن، أشار بومبيو إلى التحدي الذي تشكله إيران، والذي وضعه بمستوى التحدي الروسي والصيني.

وأمس، في إعلانه بشأن الحرس الثوري، توعدت وزارة الخارجية باللجوء إلى "أدوات أخرى" ضد إيران "الملطخة أيديها بدماء" مئات الأميركيين. 

وبالتزامن مع الإعلان، أصدرت وزارة الخارجية تقريراً موسعاً عددت فيه "الممارسات الإرهابية والمخالفات الصاروخية والمصرفية والسيبرانية والبحرية والمتعلقة منها بحقوق الإنسان" في إيران.

لكن بالرغم من حدة النبرة، تبقى احتمالات المواجهة العسكرية الواسعة مع إيران مستبعدة، وفق معظم التقديرات؛ فالرئيس ترامب ليست له مصلحة في ذلك عشية انطلاق حملة انتخابات الرئاسة، ولا سيما أنه صاحب شعار إقفال باب الحروب. كما أن الكونغرس ليست لديه القابلية لدخول حرب أخرى بالرغم من أجوائه غير الودية تجاه إيران، وكذلك البنتاغون. وحتى الوزير بومبيو حرص على النأي عن لغة المجابهة المباشرة.


وعند سؤاله، بعد إعلانه، عما إذا كانت الإدارة تعتزم "إلقاء القبض على قائد فيلق القدس الجنرال قاسم سليماني واستهدافه"، تحاشى الإجابة المباشرة واكتفى بالقول إن "أميركا مصممة"، من دون توضيح تصميمها. وبذلك، يبدو أن الإدارة تراهن كما راهنت في موضوع العقوبات، على مدى التزام الآخرين بالتعامل مع الحرس الثوري كجهة إرهابية، وذلك أمر غير مضمون ومرشح للالتفاف حوله كما جرى مع العقوبات في الحالة الأوروبية مثلاً، حين لجأ الثلاثي الألماني – الفرنسي - البريطاني إلى اعتماد نظام المقايضة لمواصلة التبادل التجاري مع إيران من خارج نظام الدولار. 

فالإدارة "عزلت نفسها" يوم انسحبت من الاتفاق النووي، وما لحق به من عقوبات وما سبقه من تحديد سقف عالٍ بمطالبها الـ12 التي حددها بومبيو في مايو/أيار الماضي، والتي قال إنها تهدف إلى حمل طهران على "تغيير سلوكها" في المنطقة، وبما يضمر أن المطلوب هو سقوط نظامها؛ إذ إن الإدارة تتصرف على أساس أن تشديد الخناق على النظام الإيراني من شأنه أن يجبره على التراجع، أو ربما يؤدي إلى سقوطه، كما يقول جون أولترمن، من مركز الدراسات الاستراتيجية في واشنطن. 

ويضيف أولترمن أن "تغيير السلوك غير وارد في حسابات طهران لانعدام ثقتها بواشنطن، كما أنه ليس هناك ما يحمل على الاعتقاد بأن سقوط النظام أمر وشيك، أو أن بديله سيكون أفضل". 

فحوى قراءته أن إدارة ترامب تصعّد مع طهران من دون بوصلة، ربما لإبقاء الملف الإيراني ملتهباً ولإشغال المنطقة به وببعضها، خاصة في ساحاتها الحساسة مثل العراق ولبنان.

المساهمون