ليبيا: 5 أعوام من الحروب بدلت خارطة السيطرة العسكرية

ليبيا: 5 أعوام من الحروب بدلت خارطة السيطرة العسكرية

07 ابريل 2019
تحاصر قوات حفتر طرابلس على شكل هلال(محمد تركية/فرانس برس)
+ الخط -


على مدى نحو 5 سنوات من انطلاق "عملية الكرامة" منتصف العام 2014، التي قادها اللواء الليبي المتقاعد خليفة حفتر، صوب بنغازي (التي سيطر عليها في يوليو/تموز 2017) في الشرق الليبي، لم تتوقف المعارك والحروب، ما أدى إلى تبدل جذري في خارطة السيطرة العسكرية على الأرض الليبية.

وبالتوازي مع محاولات قوات حفتر السيطرة على أحياء مدينة بنغازي، كانت قوات أخرى تتجه لإحكام سيطرتها على مدن وقطاعات أخرى، إذ ضربت قواته، منتصف العام 2016، حصاراً على درنة (التي تبعد نحو 300 كيلومتر شرق بنغازي)، التي كانت تحت سيطرة مجلس شورى المدينة، قبل أن تقتحمها قواته في مايو/أيار الماضي وتسيطر عليها بعد شهر من القتال. وقبلها كانت قوات حفتر قد سيطرت، مطلع العام 2016، على أجدابيا غرب بنغازي، ليُخضع كامل الشرق الليبي لسلطته العسكرية، خصوصاً أن المدن الأخرى خضعت له سلمياً بسبب التأييد القبلي والدعم الذي يتلقاه من مجلس النواب في طبرق. وبناء على التقدم الذي حققته قواته، تزايدت رغبات حفتر في السيطرة على المزيد من المناطق، خصوصاً النفطية، إذ أطلق آلته العسكرية، في أكتوبر/تشرين الأول 2016، لإخضاع الهلال النفطي ومناطقه وسط البلاد، لكنها ووجهت بمقاومة من المعارضين لها، خصوصاً "سرايا الدفاع عن بنغازي" وقوات حرس المنشآت النفطية، بقيادة إبراهيم الجضران، التي تمكنت، عبر هجمات مضادة، من السيطرة على مناطق لبضعة أيام، لكن هذه السيطرة لم تدم طويلاً، إذ كانت قوات حفتر تشن هجمات مضادة، أدت في النهاية إلى سيطرتها على المنطقة بشكل كامل في يونيو/حزيران الماضي.

ووفرت الصفة العسكرية التي منحها مجلس نواب طبرق لحفتر كـ"قائد عام للجيش" تعاملاً رسمياً معه من دول إقليمية ودولية، إذ استقبل بشكل رسمي في عدة عواصم، مثل موسكو، والقاهرة، وعمان، وباريس، وروما، ليفرض نفسه كرقم في المعادلة السياسية في ملتقيات دولية، آخرها في أبو ظبي برعاية أممية، كطرف ثانٍ ونظير لرئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق فائز السراج، وهو ما رفع منسوب طموحه للسيطرة عسكرياً على كل المناطق. وكانت محاولات سابقة للتوجه نحو الجنوب، أبرزها إطلاق عملية عسكرية في مارس/آذار الماضي، فشلت بسبب معارضة مجموعات مسلحة قبلية ومناطقية، بينها "القوة الثالثة" التي كلفها المؤتمر الوطني العام (البرلمان السابق) حفظ الأمن في الجنوب، والتي اشتبكت معها قوات موالية لحفتر في مايو/أيار 2017، وفصائل قبلية أخرى كمسلحي قبيلة التبو الذين استطاعوا السيطرة على مواقع مهمة داخل سبها كبرى من الجنوب الليبي.

لكن هذه المقاومة لم توقف طموحات حفتر، الذي أطلق حملة عسكرية منتصف يناير/كانون الثاني الماضي، بعد الانتهاء من تثبيت سيطرته على درنة، وقبلها بنغازي أكبر مدن الشرق الليبي بالإضافة لمناطق الهلال النفطي وسط البلاد. وتمكنت قوات حفتر خلال شهر من السيطرة على سبها وتراغن وأم الأرانب، فيما واجه مقاومة عنيفة في مرزق، التي تعتبر عاصمة قبيلة التبو، المعارضة بشدة لمخططاته التوسعية. وتضافرت عدة عوامل لنجاح حملة حفتر في الجنوب، إذ إنه وبالإضافة للدعم الإقليمي، خصوصاً من تشاد التي تمتلك حدوداً مشتركة مع ليبيا، والدولي كالذي توفره فرنسا، كان لديه حلفاء قبليون مهدوا له الطريق لإخضاع مناطق في أقصى جنوب شرق البلاد، كالكفرة وجالو، سلمياً، ومناطق في أقصى جنوب غرب البلاد، كغات وأوباري، ما أدى في النهاية إلى وصول قواته إلى المنافذ الحدودية مع دول الجوار الأفريقي. وتركز استراتيجيات التوسع العسكري لدى حفتر على السيطرة على المناطق الحيوية، خصوصاً النفطية، لاستخدامها كورقة ضغط للتأثير على أي مفاوضات أو جهود للتسوية السياسية. كما أن حفتر يهدف للسيطرة على مناطق تحوي قواعد عسكرية، قد تكون أهمها أخيراً قاعدة الجفرة التي تبعد عن طرابلس 500 كيلومتر، وترتبط بمسارات وطرق تساعد على الوصول سريعاً إلى مناطق مهمة حول العاصمة طرابلس.



وفي الغرب الليبي، فإن غالبية المناطق تعارض مشاريع حفتر التوسعية، خصوصاً مصراتة، التي استطاعت منافسة اللواء المتقاعد في حروبه، وحظيت بدعم دولي واسع إثر إطلاقها معركة "البنيان المرصوص" في العام 2016 لطرد تنظيم "داعش" من سرت. كما تحظى المدينة بأهمية عسكرية، كونها الفاعل الأكبر في عملية "فجر ليبيا" التي تمكنت من طرد قوات الزنتان الموالية لحفتر نهاية العام 2014. ورغم وجود قاسم مشترك بين غالبية المجموعات المسلحة في مناطق الغرب الليبي، المتمثل بمعارضة حفتر، إلا أن تباعدها جغرافياً مثل أحد العوامل التي حدت من قدرة حكومة الوفاق من السيطرة عليها، وبقيت تتبع لها بالاسم فقط. وما يدل على هذا الأمر هو المواجهات المسلحة العنيفة التي اندلعت بين بعضها البعض، آخرها المواجهات في جنوب شرق طرابلس بين قوات اللواء السابع، التابعة لوزارة الدفاع، ومليشيات طرابلس التابعة لوزارة الداخلية.

ويبدو أن عوامل التفكك بين القوى المسلحة في الغرب الليبي ساعدت حفتر على اختراقها، إذ أعلنت فصائل مسلحة في صبراتة وصرمان والعجيلات وترهونة، منتصف فبراير/شباط الماضي، ولاءها لحفتر، في وقت كان يحشد وينقل عتاداً عسكرياً من الشرق والجنوب باتجاه قاعدة الجفرة. وبالإضافة إلى الفصائل الصغيرة، فإن مجموعات مسلحة كبيرة في الزنتان والرجبان غرب طرابلس توالي حفتر، وساعدته بالسيطرة على قاعدة الوطية الجوية جنوب غرب العاصمة، ما أدى إلى تشكيل تهديد مباشر على طرابلس. وفي مقابل وضوح رغبة حفتر بالتوجه إلى العاصمة طرابلس منذ مطلع فبراير الماضي، إذ كانت وسائل إعلام مقربة منه تنشر صوراً للحشود العسكرية التي تصل تباعاً إلى الجفرة، أعلنت قوة حماية طرابلس، التي تشكلت في أكتوبر/تشرين الأول الماضي من ائتلاف مليشيات طرابلس، قبل نحو أسبوعين، عن توحيد القوى من سرت شرقاً إلى رأس جدير الحدودية مع تونس غرباً. وأجبر إعلان حفتر، الخميس الماضي، عن توجه قواته للسيطرة على العاصمة، حكومة الوفاق، التي كانت تعول على المجتمع الدولي للضغط على حفتر لتطبيق حلول سياسية للأزمة، على إعلان "حالة النفير العام لجميع القوات العسكرية والأمنية". كما أنها اضطرت للاستعانة بالمليشيات التي كانت علاقتها بها إلى وقت قريب متوترة، بسبب مطالب الحكومة من المليشيات تفكيك وحداتها العسكرية والانضواء تحت سلطتها ضمن برنامج الترتيبات الأمنية.

ومنذ يوم الخميس الماضي باتت الخارطة العسكرية في غرب البلاد تتوزع على الشكل التالي: تسيطر قوات حفتر على الزنتان والرجبان وهي أبرز المناطق الجبلية غرب البلاد، ونسبياً على منطقة غريان التي تتنازعها مع فصائل المجلس العسكري للمدينة الموالي لحكومة الوفاق، وترهونة التي أعلن أكبر ألويتها، وهو اللواء التاسع، تبعيته إلى حفتر، والعزيزية وسوق الخميس وهي مناطق متاخمة لأولى أحياء العاصمة الجنوبية. وفي غرب العاصمة لا تزال سيطرة حفتر مستمرة على قاعدة الوطية التي انطلقت منها قواته للسيطرة على مناطق صبراتة وصرمان غرب طرابلس. كما انتقلت، الخميس الماضي، مليشيات قبلية من داخل منطقة ورشفانة لتسيطر على البوابة 27 كيلومترا غرب العاصمة، قبل أن تستردها قوة حماية طرابلس. ويظهر التوزيع الجغرافي لمناطق سيطرة حفتر حالياً شكل هلال يحاصر العاصمة، إذ لا يخرقه سوى منفذ شرقي تسيطر عليه القوات القادمة من مصراتة، والموالية لحكومة الوفاق. وفي المقابل، فإن القوات التابعة إلى حكومة الوفاق تسيطر على العاصمة طرابلس، فيما لا تتجاوز سيطرتها غرباً مدينة الزاوية التي تبعد 35 كيلومتراً غرباً، بينما تمتد سيطرتها شرقاً حتى مدينة سرت، مروراً بعشرات المناطق، وأبرزها مصراتة، الأهم عسكرياً في الغرب الليبي.

المساهمون