نقابات مصر تواجه تغول السلطة: السياسة ممنوعة

نقابات مصر تواجه تغول السلطة: السياسة ممنوعة

05 ابريل 2019
فُرضت الحراسة القضائية على نقابة الصيادلة مجدداً(محمد الشاهد/فرانس برس)
+ الخط -
بوصول قوة من ضباط وأفراد الأمن المصري إلى مقر نقابة الصيادلة بوسط القاهرة، صباح يوم الثلاثاء الماضي، برفقة الحارس القضائي لتنفيذ حكم الحراسة على النقابة، دخلت الأخيرة في دوامة الحراسة القضائية مجدداً، وباتت قيد التجميد بعد قرابة عام من إنهاء الحراسة عليها.
وفيما تسلم الحارس القضائي إدارة شؤون نقابة الصيادلة، استناداً إلى الحكم الصادر في فبراير/ شباط الماضي بفرض الحراسة عليها، تعزز هذه التطورات مخاوف الأوساط السياسية والنقابية بشأن مواجهة النقابات المهنية لمحاولات تغوّل السلطة، من خلال فرض الحراسات القضائية عليها، لا سيما أن للحارس القضائي حق إدارة النقابة المهنية في مصر، من دون أن يخضع لأي رقابة سوى للجهاز المركزي للمحاسبات، الذي يراجع فقط تفاصيل صرف الأموال، ويرفض أي تبعية للجمعية العمومية للنقابة، على الرغم من أحقيتها في الإشراف على أعمال النقابات، ومراقبة ومتابعة أموالها. 

ولطالما مثّلت النقابات المهنية في مصر نقطة انطلاق لتبني قضايا مجتمعية وسياسية في مواجهة السلطة الحاكمة، في محاولة لتعويض غياب الأحزاب عن المشهد وضعف دورها، ودفع هذا الأمر نظام الرئيس المخلوع حسني مبارك، لتقويض نشاطها من خلال فرض القيود عليها. وعلى الدرب نفسه، يسعى النظام الحالي لفرض الحراسة القضائية على النقابات المؤثرة، من دون اكتراث بنصوص دستور أو قانون.

وأزعجت الأنشطة السياسية للنقابات المهنية النظام المصري طيلة السنوات الأخيرة، بسبب رفض جمعياتها العمومية علاقات التطبيع مع إسرائيل، والحصار المفروض على قطاع غزة، وكذلك القمع الأمني واستمرار قانون الطوارئ؛ إذ لم يقتصر دور نقابات بارزة، مثل الصحافيين والمحامين والأطباء، على إصدار بيانات الشجب والإدانة، بل تجاوز ذلك إلى حد تنظيم تظاهرات للمطالبة بمزيد من الحريات.

ولم تسلم النقابات المهنية من إجراءات القمع التي تلت انقلاب الثالث من يوليو/ تموز 2013، ووصول الجنرال عبد الفتاح السيسي إلى الحكم، إذ اعتُقل العشرات من أعضائها على خلفية معارضتهم السلمية للنظام. وتقلصت الأنشطة النقابية بشكل كبير في ضوء الحصار المفروض على العمل العام، ونجاح السلطة الحاكمة في فرض أسماء بعينها لتولي قيادة النقابات المؤثرة جماهيرياً.

ويعد ما تواجهه النقابة العامة للصيادلة الفصل الأحدث من المحاولة المستمرة للتضييق على النقابات.
وحاولت القوة الأمنية تسلم المقر الرئيسي للنقابة العامة للصيادلة لصالح لجنة الحراسة القضائية، وسط محاولات من بعض أعضاء مجلس النقابة للمماطلة في تنفيذ القرار، لاستمرار وجود إشكال وأحكام قضائية متعارضة.  
وقال مصدر مطلع في مجلس نقابة الصيادلة، في حديث مع "العربي الجديد"، إن "أعضاء المجلس تصدّوا لعملية تسليم مقر النقابة للحارس القضائي"، مبيناً أن "الإجراءات اقتصرت على تسلّم تنبيه بضرورة تسليم المقر للحارس". وأكد المصدر أن "أعضاء المجلس سيرفضون تسليم النقابة إلى حين انتخاب مجلس جديد يقوم على شؤونها، خصوصاً أن اللجنة المشرفة على انتخابات النقابة تتمسك بإجرائها في موعدها المحدد في 16 إبريل/ نيسان الحالي".



وأفاد المصدر بأن "انتخاب نقيب ومجلس جديد للنقابة هو المخرج الحقيقي من أزمة فرض الحراسة القضائية عليها"، مشيراً إلى أن "لجنة الانتخابات اعتمدت الكشوف النهائية بأسماء المرشحين في انتخابات النقابة العامة، والنقابات الفرعية، متضمنة 13 مرشحاً على منصب النقيب العام، والمئات من المرشحين على مقاعد عضوية مجلس النقابة العامة، ومجالس النقابات الفرعية في المحافظات".

من جهته، أكد مجلس نقابة الصيادلة، في بيان، أن "النقابة تلقت حكماً متوقعاً برفض الإشكال على تنفيذ حكم الأمور المستعجلة بفرض الحراسة، وتُعلن احترامها للقانون والأحكام القضائية"، مشيراً إلى أن "محامي نقيب الصيادلة السابق، محيي عبيد، تنازل عن الإشكال، وترك الخصومة بهدف فرض الحراسة، وترك مقدرات المهنة في يد غير أبنائها، في مسلك غريب لا يعتقد المجلس أن أي صيدلي يرضى عنه".

إلى ذلك، أعلنت نقابات الأطباء البشريين، وأطباء الأسنان، والمهندسين، في بيان مشترك، رفضها الكامل لفرض الحراسة القضائية على نقابة الصيادلة، مؤكدة أن فرض الحراسة القضائية على النقابات أمر سلبي، ويعوق العمل المهني. وأفاد أمين صندوق نقابة الأطباء البشريين، محمد عبد الحميد، بأن "موقف نقابة الأطباء واضح بشأن رفض فرض الحراسة القضائية على نقابة الصيادلة، كونه جاء مخالفاً للدستور الذي حظر فرض الحراسة القضائية على النقابات المهنية"، مضيفاً أن "الحراسة تسلب حق أعضاء الجمعية العمومية للنقابة في اختيار ممثليهم، علاوة على حصول الحارس القضائي على 10 في المائة من دخل النقابة، وهو جزء كبير أولى به أعضاء النقابة الذين يسددون اشتراكات للحصول على خدمات ومعاشات وإعانات للمرضى والأرامل".

وتنصّ المادة (77) من الدستور المصري على التالي: "ينظم القانون إنشاء النقابات المهنية وإدارتها على أساس ديمقراطي، ويكفل استقلالها، ويحدد مواردها، وطريقة قيد أعضائها، ومساءلتهم عن سلوكهم في ممارسة نشاطهم المهني، وفقاً لمواثيق الشرف الأخلاقية والمهنية. ولا تنشأ لتنظيم المهنة سوى نقابة واحدة، ولا يجوز فرض الحراسة عليها، أو تدخل الجهات الادارية في شؤونها، أو حل مجالس إدارتها إلا بحكم قضائي".
بدوره، قال عضو مجلس نقابة أطباء الأسنان، محمد بدوي، إنه "توجد حلول كثيرة غير فرض الحراسة القضائية على النقابات، إذا كان الهدف هو حماية المال العام، أهمها إجراء الانتخابات، وترك الفرصة لمجلس النقابة المنتخب لإدارة شؤون أعضاء النقابة". وأشار إلى أن "الحارس القضائي لا يملك خلفية عن احتياجات أعضاء الجمعية العمومية، الذين هم أكثر فهماً لأمور نقابتهم، والأكثر وعياً بها".

وحسب بدوي، فإن "فرض الحراسة القضائية مأساة بتاريخ النقابات، على اعتبار أن الحارس القضائي يستمر في مهامه لسنوات طويلة، على الرغم من أن له دوراً محدداً يتمثل في الحفاظ على المنشأة إلى حين إجراء الانتخابات، وهو ما لم يحدث". وقال عضو مجلس نقابة المهندسين، بهاء ديمتري، إن "فرض الحراسة على نقابة الصيادلة أمر مرفوض تماماً، ويمهد لعودة فرض الحراسة القضائية على النقابات المهنية مرة أخرى".
وأضاف ديمتري أنه "بصرف النظر عما يحدث داخل نقابة الصيادلة، فإنه لا يمكن القبول بالحكم بإعدام النقابة"، معتبراً أن "يوم صدور حكم فرض الحراسة على نقابة الصيادلة هو يوم أسود على الحركة النقابية في مصر، على ضوء ما عانت منه نقابة المهندسين من فرض الحراسة لسنوات طويلة".

ولنقابة الصيادلة باع طويل مع الحراسة القضائية، لم تسلم منه إلا أخيراً، حين قضت محكمة استئناف القاهرة، في 2 فبراير/ شباط 2018، بإنهاء فرض الحراسة القضائية على النقابة، بعدما أقام "المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية" دعوى أمام المحكمة لصالح النقابة قبل سنوات من تاريخ الحصول على الحكم.
وفرضت محكمة الأمور المستعجلة الحراسة على نقابة الصيادلة في يونيو/ حزيران 2014، قبل أن تلغى في أغسطس/ آب التالي، لتفرض مجدداً في أكتوبر/ تشرين الأول 2014، وتلغى في يناير/ كانون الثاني 2015، وليعاد فرضها مجدداً في مارس/ آذار 2015؛ إلى أن قضت المحكمة ذاتها بفرض الحراسة أخيراً، بناءً على دعوى الصيدلي عبد العليم أبو الفتوح، والتي طلب فيها بحل مجلس النقابة، بدعوى الخلافات الداخلية بين أعضاء مجلس النقابة، ومنع دخول الصيادلة إلى مقر نقابتهم، وتعرض أحدهم للاعتداء والإصابة.



 

 

دلالات