حيرة التونسيين قبل الانتخابات: فشل للأحزاب وللسياسيين

حيرة التونسيين قبل الانتخابات: فشل للأحزاب وللسياسيين

05 ابريل 2019
41.5 % لا يعرفون لمن سيصوتون في الانتخابات التشريعية(Getty)
+ الخط -


كشف أحدث استطلاع رأي بشأن الانتخابات الرئاسية والتشريعية التونسية، التي ستُجرى بعد ستة أشهر، عن حيرة كبيرة في صفوف الناخب التونسي. وعلى الرغم من أن هذه النسب ستتقلص حتماً مع توضُح أسماء المرشحين وأحزابهم، إلا أن هذه الأرقام تبقى مخيفةً بالنسبة إلى التجربة الديمقراطية، وتشكّل تهديداً واضحاً لكل الأحزاب السياسية.

وأظهر الاستطلاع، الذي أجرته مؤسسة "إمرود كونسلتينغ"، بالتعاون مع صحيفة "الصباح"، أنّ 56 في المائة من المستطلعة آراؤهم لا يعرفون بعد لمن سيصوتون في الانتخابات الرئاسية التي ستُجرى في 10 نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، في حين اختار 14.6 في المائة التصويت لرئيس الحكومة يوسف الشاهد، و13.3 في المائة للأستاذ الجامعي قيس سعيد، تلته رئيسة الحزب الدستوري عبير موسي بـ5.7 في المائة. وجاء الرئيس السابق المنصف المرزوقي بـ2.7 في المائة، ثم رئيس حزب "حركة النهضة" راشد الغنوشي وسامية عبو بـ0.8 في المائة، ثم رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي بـ0.5 في المائة.

وسيطر التوجّه نفسه على نوايا الانتخابات التشريعية في 6 أكتوبر/تشرين الأول المقبل. وأكد 41.5 في المائة من المستطلعة آراؤهم أنهم لا يعرفون أيضاً لمن سيصوتون، في حين اختار 21.2 في المائة "حركة النهضة"، بينما جاءت "تحيا تونس" في المرتبة الثانية بـ7.1 في المائة، ثم حزب "نداء تونس" بـ6.5 في المائة، ثم الحزب "الدستوري الحر" بـ4.4 في المائة، ثم "التيار الديمقراطي" بنسبة 1.9 في المائة، لتحل "الجبهة الشعبية" سادسة بنسبة 0.5 في المائة. وتبيّن أرقام الانتخابات التشريعية أن "النهضة" تحافظ على الصدارة في كل عمليات سبر الآراء، بينما بدأ حزب "تحيا تونس"، الذي سيرأسه يوسف الشاهد (على الرغم من عدم إعلانه ذلك رسمياً حتى الآن)، يتقدّم في نوايا التصويت شيئاً فشيئاً، ليحتل المرتبة الثانية في الانتخابات التشريعية، متقدّماً على شقيقه الأكبر "نداء تونس" و"التيار الديمقراطي" و"الجبهة الشعبية" وبقية الأحزاب.

لكن اللافت أيضاً في هذه الأرقام، هو التقهقر الكبير لقائد السبسي، الذي لم يحصل إلا على 0.5 في المائة فقط، ربما لأن المستطلعة آراؤهم تأكدوا من أنه لن يكون مراهناً على هذا السباق. ويلاحَظ أنه إضافة إلى حيرة أغلبية المستطلعين الذين لا يعرفون لمن سيصوتون، فإن هناك نسبة من الذين لا ينوون المشاركة أصلاً في الانتخابات. وكانت "رابطة الناخبات التونسيات" نبّهت، منذ أشهر، إلى خطر العزوف الانتخابي، وأقرت خلال جلسة في مجلس النواب بأن نحو 75 في المائة من شباب تونس ونسائها لا يرغبون في المشاركة بالانتخابات البرلمانية الرئاسية والتشريعية. وفسرت في دراسة، أنجزتها مع منظمة "عتيد" المهتمة بالانتخابات، أن عزوف التونسيين عن المشاركة السياسية يعود إلى عدم تحسّن أوضاعهم الاجتماعية، وخيبة الأمل من عدم تنفيذ الأحزاب السياسية برامجها الانتخابية. وكشفت الدراسة أن نحو 67 في المائة من النساء في الوسط الريفي ليس لهن علم بالانتخابات البلدية التي أُجرِيت سنة 2018، وأنّ نسبة المستشارات في البلديات "تعدّ أيضاً ضعيفة، إذ لا تتعدّى 47 في المائة". وكانت نسبة المشاركة الإجمالية في الانتخابات البلدية في حدود 33.7 في المائة، إذ شارك 1.8 مليون تونسي من مجموع 5.3 ملايين تمّ تسجيلهم في تلك الانتخابات. كذلك برز أن إجابة "لا يعرف" كانت الأولى في استطلاعات الانتخابات التشريعية والرئاسية، ما يفتح الباب أمام كل الاحتمالات إذا حددت نسبة من هؤلاء هدفها في الانتخابات، ما يعني أنها قد تقلب كل التوقعات الممكنة والتوازنات المنتظرة.


واعتبر القيادي في حركة "النهضة"، عبد الحميد الجلاصي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أنّ الضبابية لدى عدد من التونسيين يمكن تفسيرها بعاملين، إما أن هؤلاء فعلاً لا يعرفون لمن سيصوّتون بسبب عدم قيام الأحزاب بالتعريف ببرامجها وعدم قربها من الناس وتراجع تواصلها مع الجمهور، خصوصاً أن العمل السياسي يتطلب ثقافة وتأطيراً لكنه تحوّل لدى الأحزاب إلى ماكينة انتخابية تستفيق فقط في فترة الانتخابات، وإما أن يكون هذا الموقف مردّه إلى فقدان الثقة في الأحزاب وهو ما يُعتبر ضوءاً أحمر، لافتاً إلى أن الانتخابات المحلية الأخيرة كانت من بوادره؛ فلم يذهب ثلثا المسجلين في السجلات الانتخابية إلى صناديق الاقتراع. ورأى أنّ "عدم المعرفة بالساحة السياسية، والتي تتحمّل مسؤوليتها الأحزاب، وغياب الثقة، يتطلبان عملاً في العمق والتخلي عن القضايا الهامشية والاقتراب أكثر من المواطن والسياسة في مفهومها العميق، أي خدمة الناس في قضاياهم الأساسية".

من جهته، رأى الأمين العام لـ"التيار الديمقراطي"، غازي الشواشي، أنّه "من الطبيعي أن نجد أناساً لا يعرفون لمن سيصوّتون في ظل الضبابية التي تكتنف المشهد السياسي، ونظراً لحالة الغضب العامة في البلاد بسبب خيبة الأمل من الطبقة الحاكمة"، مضيفاً أن "من صوّت سابقاً وخاب أمله يبحث عن بديل، والبديل لا بد أن يُقنع، ولكن حتى المعارضة لا تُقنع، وبالتالي كل هذه العوامل تخلق الضبابية، وهي وراء قول البعض لا أعرف". وأضاف، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أنّ الحزب الحاكم الذي حاز سابقاً على أكبر نسبة من الأصوات "لم يحقق شيئاً للتونسيين، وبالتالي هذا الأمر ينتج حيرة، ونسبة هامة تؤكد أنها لن تصوت"، مشيراً إلى أن "القضاء على هذا التفكير مهمة الأحزاب والمجتمع المدني ومؤسسات الدولة وهيئة الانتخابات التي عليها ممارسة دورها وتشجيع التونسيين على التسجيل والانتخاب". ولفت إلى أنّ "هناك عملاً كثيراً لكي يكون المواطن فاعلاً ويتابع المشهد السياسي ويميز بين الأحزاب"، مضيفاً أن "الديمقراطية من دون مواطن واعٍ ومتابع وقادر على التمييز ستفشل، والعزوف دليل على الفشل".