تقرير مولر: الحقيقة تضيع بين التمويه والتمييع

تقرير مولر: الحقيقة تضيع بين التمويه والتمييع

19 ابريل 2019
نشر تقرير مولر أمس الخميس (إيفا هامباش/فرانس برس)
+ الخط -
في إفراجه، أمس الخميس، عن تقرير روبرت مولر، بعدما حذف حوالي 13% من حجمه الذي جاء في 448 صفحة، أفاد وزير العدل الأميركي وليام بار، بما خلاصته أنّ المحقق لم يجد الأدلة الدامغة لاتهام الرئيس دونالد ترامب بالتواطؤ مع الروس في انتخابات 2016.

كما قال إنّ ما قام به ترامب لا يرقى إلى مستوى إدانته بتهمة عرقلة سير العدالة أثناء التحقيقات، مع أنّه هو نفسه قال، بعد يومين من صدور التقرير، في 23 مارس/آذار الماضي، إنّ مولر "لم يبرّئ" الرئيس في هذه النقطة.

الشق الأول من الخلاصة صحيح، ويعكس ما جاء بوضوح في التقرير، مع أنّ هناك تساؤلات حول توصّل مولر لهذه النتيجة، فالتقرير يجزم بحصول التدخل، وبأنّ حملة ترامب "رحّبت بالمساعدة الروسية وتقبّلتها".

لكن الشق الثاني المتعلّق بالعرقلة، بقي اجتهاداً هو أقرب إلى التمويه. وقد رأى فيه معظم المراقبين تعبيراً عن انحياز وزير العدل للرئيس، وبما يُنبّئ بمعركة سياسية – قانونية طاحنة ومديدة بين البيت الأبيض، ومعه الجمهوريون، وبين خصومه الديمقراطيين في الكونغرس.

فالوزير استند إلى صلاحيات تنظيمية مطاطة، زعم أنّها تخوّله تفسير النص المبطن في التقرير حول تهمة العرقلة. بذلك أعطى لنفسه دوراً كان الأحرى به أن يتركه إلى الكونغرس للبت بالجزء الغامض أو الملتبس من التقرير.

ومولر نفسه أشار إلى ذلك، وبدا أنّه تعمّد النأي عن الحسم في موضوع العرقلة، كي يتولّى الكونغرس هذا الدور بالاستناد إلى فيض المعلومات والأدلة التي احتواها التقرير، وباعتبار أنّ الكونغرس هو الحكم الأخير في الموضوع. والمعروف أنّه ليس بإمكان المحقق إدانة الرئيس أثناء فترة رئاسته، حسب التوجيه المعمول به في وزارة العدل.

علاوة على ذلك، بنى الوزير نسف تهمة العرقلة على حيثية هشّة. فهو يرى أنّ "عدم توفر الأدلة الكافية لدعم هذه التهمة، يشير إلى أنّ الرئيس لم تكن لديه نية بالعرقلة". مع أنّ التقرير حافل بسرد الوقائع التي تجاهلها الوزير، والتي تكشف أنّ السعي في هذا الخصوص تكرر، وجرى بأكثر من صيغة. والمعروف حسب خبراء القانون والتحقيقات، أنّ نجاح المحاولات في هذا المجال ليس شرطاً لإدراجها في خانة التهمة، ذلك أنّ مجرد حصولها يضعها في هذا الصفّ.

يضاف إلى ذلك أنّ إخراج بار التقرير إلى العلن، عزّز الظنون بوجود نية لتمييع وتمويه الحقيقة. فلجوءه إلى الكشف عنه بالقطارة، وشراء الوقت والتشاور بشأنه مع البيت الأبيض وفريقه القانوني، من غير وضع الكونغرس في الصورة، كلّه ساهم في تكوين اعتقاد بأنّ في الأمر لفلفة لحجب جوانب مؤذية في التقرير.

يدعم ذلك أنّ فريق التحقيق غير مرتاح ولا موافق على هذا الإخراج. بار اعترف بوجود خلاف مع مولر حول بعض الجوانب. ولم يكن من غير مدلول أن يغيب هذا الأخير عن المؤتمر الصحافي الذي عقده وزير العدل، أمس الخميس.

وليام بار خلال إعلانه نشر تقرير مولر (وين ماكنامي/getty) 


الآن انتقل الملف إلى ساحة الكونغرس، ومن المتوقع أن تصدر عن اللجان المعنية في مجلس النواب عدة استدعاءات للوزير بار والمحقق مولر، لتسليم النسخة الأصلية للتقرير، كما للمثول أمام هذه اللجان في جلسات تحت القسم الدستوري، لنبش خبايا الموضوع ولو أنّ خيار عزل الرئيس تلاشى تقريباً، حتى الآن.


ولا يُستبعد أن يفتح الرئيس من جانبه عبر مجلس الشيوخ، جولة من التحقيقات لملاحقة خصومه وتصفية الحساب معهم، بزعم الافتراء على رئاسته في الموضوع الروسي، بما يفاقم التصعيد والتعقيد. فالكل مستنفر لتسجيل مكاسب على أبواب حملة انتخابات الرئاسة 2020.

الفارق أنّ البيت الأبيض تنفس الصعداء، وهو يعيش جواً احتفالياً مع الجمهوريين. ارتاح ترامب من شبح التحقيقات التي أعرب في بداياتها عن خشيته من أن تؤدي إلى نهاية رئاسته، حسب ما ذكر التقرير نقلاً عن أحد معاوني الرئيس.

في المقابل، بدا المعسكر الديمقراطي في حالة من الصدمة والبلبلة. انهار كثير من الآمال التي علّقها على التحقيقات. وحتى لو أدت محاولاته إلى إزالة التمويه، وبما يُظهر أنّ عرقلة العدالة قد حصلت فعلاً، فإنّ الوقت سيكون قد فات.

حتى ذلك الحين، ستبقى الصورة التي رسمها الوزير بار عنوان الحديث. وفي هذا الإطار، وبالرغم من الإشادة الواسعة بمهنية واستقامة المحقق مولر، يبقى هناك سؤال بلا جواب، كامن في خلفية المداولات الجارية الآن: لماذا آثر مولر التلميح إلى الحسم في صياغة خلاصاته، خلافاً لما يفترض أن تنتهي إليه مهمة المحقق في قضية من هذا النوع؟