"التيار المستقل" شرقي سورية: تعويم "قسد" بغطاء عربي؟

"التيار المستقل" شرقي سورية: تعويم "قسد" بغطاء عربي؟

20 ابريل 2019
التيار الجديد سيعمل مع قوات "قسد" (دليل سليمان/فرانس برس)
+ الخط -
في ظلّ انقسام سورية إلى أكثر من منطقة نفوذ، موزعة بشكل رئيسي بين النظام السوري، وقوات المعارضة و"هيئة تحرير الشام" (النصرة سابقاً)، إضافة إلى "قوات سورية الديمقراطية" (قسد)، بدأت تبرز في الآونة الأخيرة أحزاب وهيئات تمثيلية على أساس مناطقي، منها "مجلس الشورى" في إدلب، الذي تشكّل مطلع شهر إبريل/نيسان الحالي، ليتولى كما يبدو تشكيل حكومة بديلة من "حكومة الإنقاذ" (التابعة للنصرة) والتي تدير المنطقة اليوم على أساس مناطقي أيضاً. وعلى المنوال ذاته، برزت يوم الأربعاء الماضي، مبادرة تشكيل "التيار العربي المستقل" في منطقة شرق سورية التي تسيطر على أغلبها "قسد"، "للوقوف عند واقع المكّون العربي في المنطقة الشرقية، انطلاقاً من شرق الفرات"، كما أعلن التيار الجديد، والذي دارت تساؤلات كثيرة حول من يدعمه ويقف خلفه، إضافة إلى أهداف إطلاقه.
واختار التيار في الهيئة السياسية التابعة له، مجموعة من الشخصيات السورية المعارضة من محافظة دير الزور، أبرزها محمد خالد الشاكر الذي تولى مهمة رئاسة "التيار العربي المستقلّ". ومن الواضح أنّ التيار الجديد سيعمل مع "قوات سورية الديمقراطية" (قسد) المسيطرة على المنطقة، وهو ما لا يخفيه قادته. غير أنّ مراقبين يشيرون إلى أنّ إنشاء التشكيل الجديد يستهدف إظهار وجود نشاط سياسي عربي في منطقة خاضعة لـ"قسد"، التي تشكّل "وحدات حماية الشعب" الكردية عامودها الفقري وتتولى قيادتها.

لكنّ رئيس التيار محمد خالد الشاكر، اعتبر في حديث مع "العربي الجديد"، أنّ ولادة هذا التيار "ضرورة في الوقت الراهن، لكسر حالة السلبية في المنطقة"، منتقداً المعارضة السورية "التي لم تولِها الأهمية التي تستحقها"، بحسب قوله. وأشار إلى أنّ "منطقة الشرق مدمرة اليوم، وهناك أكثر من 500 ألف شخص من أهلها ينزحون في المخيمات في ظلّ ظروف إنسانية قاسية". وحذر من أن تفريغها من سكانها العرب هو "أمر كارثي، فتح المجال لإيران لمحاولة استغلال أوضاع المنطقة لمحو هويتها على أساس طائفي".

ولفت الشاكر إلى أنّ التيار يضم "شخصيات مستقلة تملك ثقلاً اجتماعياً، وسبق لها العمل في المجالات الإدارية، كما تملك خبرات في مجال العمل الخدمي والإنساني والسياسي"، مشيراً إلى أنّ التشكيل الجديد سيولي الاهتمام في مرحلته الأولى لمحافظة دير الزور، قبل أن يشمل عمله كامل المنطقة الشرقية من سورية. ورأى الشاكر أنّ العرب في منطقة شرقي الفرات وغربه "دفعوا الضريبة الأكبر من جراء ما حدث في المنطقة منذ انطلاق الثورة السورية عام 2011، إذ فتك النظام بها قبل أن تعم فوضى السلاح، وصولاً إلى استيلاء تنظيم داعش على جزء كبير منها"، مشيراً إلى أنّ "العربي المستقل" هو "تيار وطني، ولدينا الرغبة في فتح مكاتب له في المحافظات السورية كافة".
وأكد الشاكر أنّ التيار الجديد سيتعامل مع "مجلس سورية الديمقراطية" (مسد) الذي يُعد الذراع السياسية لـ"قوات سورية الديمقراطية"، معتبراً أنّ هذا المجلس "يؤمن بوحدة سورية، واللامركزية التي تعدّ أسلوباً ديمقراطياً عصرياً". واعتبر أنّ "عدم ملء الفراغ في شرق سورية، يعني تمدداً إيرانياً جديداً في المنطقة، والدفع باتجاه حدوث فتنة قومية بين العرب والأكراد". ونفى الشاكر وجود أي علاقة لرئيس "الائتلاف الوطني السوري" السابق أحمد الجربا بالتيار، مؤكداً أنّ "العربي المستقل مبادرة فردية من قبل شخصيات عدة من أبناء المنطقة الشرقية من سورية"، وأنه "سيعتمد على موارد هذه المنطقة لإعادة تأهيلها اقتصادياً وخدمياً". كما أشار إلى وجود شخصيات في التيار "لديها مؤسسات خدمية وخيرية تحاول تأهيل المدارس والمستشفيات، قبيل دعوة النازحين للعودة إلى مناطقهم من المخيمات المنتشرة في منطقة شرقي الفرات".

في المقابل، يرى مراقبون أنّ هذا التشكيل الجديد ربما يندرج في إطار إعادة تعويم تنظيم "قسد"، والذي أخفقت ادعاءاته السابقة بأنه ممثل لجميع سكان المنطقة، إذ استمرّ الأكراد في السيطرة عليه، بتكويناته العسكرية والأمنية والإدارية.
وفي هذا الإطار، قال المحلل السياسي، شادي العبدالله، في حديث مع "العربي الجديد"، إنه "وبغضّ النظر عن النيّات الحسنة للكثير من المنخرطين في هذا المشروع، لكن ربما يخدم في النتيجة جهوداً أميركية وعربية لإنشاء هياكل سياسية وعسكرية في منطقة شرق الفرات تكون مناوئة لتركيا، ويكون العرب في واجهتها لا الأكراد"، خصوصاً مع إشارة هذا التيار إلى أنه ينسق مع "مسد". ولفت إلى أن "الأخير ما كان ليسمح بولادة إطار أو تيار سياسي عربي في المناطق التي يسيطر عليها، من دون أن يكون هدفه توظيف هذا التيار لإضفاء مشروعية على إدارته للمنطقة، عن طريق طرح شراكات مستقبلية بين الطرفين فيها، بحيث تظلّ قسد هي المهيمنة، كونها المسيطرة عسكرياً، وتتمتع بالدعم الأميركي العسكري والسياسي والمالي، فضلاً عن دعم خفي من بعض الأطراف العربية التي تسعى إلى مناكفة تركيا".

وأوضح العبدالله أنّ منطقة شرق الفرات قد تكون مقبلة على أشكال جديدة من الصراع تتداخل فيها أطراف عدة؛ محلية تتمثّل في العنصرين العربي والكردي، فضلاً عن النظام السوري، وخارجية تقوم بدعم أحد الأطراف المحلية، مثل الولايات المتحدة وإيران وروسيا وبعض الدول العربية، مشيراً إلى أنّ رئيس التيار محمد خالد الشاكر، هو المتحدث الرسمي باسم "قوات النخبة" السورية التابعة لأحمد الجربا، والمدعومة من السعودية والإمارات. ورأى العبدالله أنّ المهم لأي مبادرات محلية، التركيز على الجانب الخدمي وإعادة الإعمار بهدف تمكين سكان المنطقة من العودة إليها، وقطع الطريق على محاولات التغيير الديمغرافي، سواء من جانب "قسد"، أو إيران ومليشياتها.

وتتشكل "المنطقة الشرقية" من ثلاث محافظات سورية هي دير الزور والرقة والحسكة وتبلغ مساحتها نحو 75 ألف كيلومتر مربع أي أكثر من ثلث مساحة سورية، وهي تضم أغلب ثروات البلاد من نفط ومياه وزراعة. ويُعَد العرب أغلبية سكان المنطقة، إذ تكاد تخلو محافظة دير الزور من أي وجود كردي، بينما تضم محافظة الرقة عدة قرى كردية في منطقة تل أبيض في ريفها الشمالي. وينتشر الأكراد السوريون في محافظة الحسكة أقصى شمال شرقي سورية، ولكنهم مع السريان والآشوريين لا يشكلون سوى 30 في المائة وفق مصادر مطلعة، من نسبة سكان المحافظة.