الجزائر: السلطة تستحضر فزاعة الأمن لكسر الحراك الشعبي

الجزائر: السلطة تستحضر فزاعة الأمن لكسر الحراك الشعبي

15 ابريل 2019
من تظاهرات الجمعة الثامنة في العاصمة (العربي الجديد)
+ الخط -
يخشى الجزائريون من نيات مبيتة لدى السلطة السياسية والعسكرية، تهدف إلى إنهاء حراكهم المستمر منذ فبراير/ شباط الماضي. ولدى الجزائريين الكثير مما يقولونه في إطار تخوفهم من نيات السلطة تلك، انطلاقاً من مؤشرات عديدة أبرزها: إعلان الأجهزة الأمنية الجزائرية وجود "مخطط إرهابي" لتنفيذ عمليات تستهدف الحراك الشعبي. ثم توقيف "أجانب مكلفين بتخريب الحراك" والحديث عن مجموعات من "المنحرفين داخل الحراك". كذلك، تركيز السلطة وإعلامها على تسبب التظاهرات في "تعطيل الحياة العامة في العاصمة والمدن الكبرى". كلها مؤشرات يرى فيها الناشطون الجزائريون مبررات تمهد لصدور قرار أمني يستهدف إنهاء الحراك الشعبي، ودفع القوى الشعبية والسياسية إلى الاكتفاء بالمنجزات التي حققتها حتى الآن، وتجاوز مطالب حلّ الحكومة ورحيل رموز النظام والذهاب إلى مرحلة انتقالية تمهيدية.

هكذا، يعتبر الناشطون في الحراك أن السلطة فتحت "صندوق المخاوف الأمنية"، لتعيد طرح سيناريوهات عن وجود مخططات إرهابية، ومحاولات لتخريب الحراك الشعبي ودفع الشارع إلى الانزلاق، وخصوصاً بعد أحداث الجمعة الماضية في العاصمة، وبدء السلطات الأمنية استخدام الشدة مع المتظاهرين. وفي تفاصيل الرواية الرسمية، التي أوردتها المديرية العامة للأمن الوطني، مساء الجمعة، تقول الأخيرة في بيان، إنه "تم الكشف عن هوية أجانب وتوقيفهم ممن جاؤوا خصيصاً من أجل تحويل الحراك عن سلميته، والانزلاق به ودفع الشباب للّجوء إلى أنماط متطرفة في التعبير، بقصد استغلال صورهم عبر وسائل الإعلام وعلى مواقع التواصل الاجتماعي". كما ادعى الأمن الجزائري بأنه تم توقيف البعض "وبحوزتهم تجهيزات حسّاسة، وغيرهم يتوفرون على عقاقير مهلوسة بكميات معتبرة، كانوا ينشطون في إطار شبكات وضمن نقاط محددة".


وزعم الأمن "توقيف جماعة إرهابية كانت مستعدة للقيام بأعمال إجرامية ضد المواطنين، مستغلة الكثافة البشرية الناجمة عن التعبئة، وسمحت التحريات المنجزة بالتوصل إلى أن بعض الأسلحة التي كانت بحوزة هؤلاء المجرمين، تم استعمالها في جرائم اغتيال في حق بعض منتسبي مصالح الأمن خلال العشرية السوداء". وأضاف المصدر نفسه، أن مجموعة ثالثة من "جانحين وأشخاص مغرضين، تم توقيفهم بعدما كانوا موجودين بين المتظاهرين، ينشطون بين جماعات إجرامية بعضهم كان يحاول بيع ممنوعات أو سرقة المواطنين، وحتى التحرش بهم أو الاعتداء عليهم".

لكن قطاعاً واسعاً من الجزائريين ظل متوجساً من الرواية التي أوردتها المؤسسة الأمنية، والتي لم تقدم في المقابل أي صور أو إثباتات على ما ذكرت، بخلاف قيادة الجيش الجزائري التي تورد بشكل منتظم بالصورة والفيديو وبالتفصيل، كل اعتقال أو توقيف لمسلحين بأسمائهم وبتواريخ التحاقهم بالمجموعات المسلحة.

واعتبر ناشطون وسياسيون أن ما طرحته المؤسسة الأمنية هو استدعاء لنفس المخاوف، التي كانت حكومات الرئيس المستقيل عبد العزيز بوتفليقة تقدمها لتخويف الجزائريين، ولضمن ترهيبهم ولمنع العائلات الجزائرية من الخروج الجماعي إلى التظاهرات. وقال الناشط الحقوقي عبد الغني بادي، إنه من "المؤسف أن السلطة لا تزال تستخدم الأفكار والأساليب نفسها في إدارة الشأن العام، وهذا يؤشر على أن الحراك لم ينجح بعد في إحداث تغيير عميق في سلوك وعقليات الفاعلين في المؤسسة السياسية والأمنية". ويعتبر بادي في تعليق لـ"العربي الجديد"، أن "استمرار الإدارة بذات الأساليب، هو أكبر مدعاة لاستمرار الحراك الشعبي في المطالبة برحيل حكومة القوى غير الدستورية، وتنحّي نور الدين بدوي من منصبه رئيساً للحكومة، وهو وزير داخلية سابق، ووزير الداخلية الحالي صلاح الدين دحمون وهو الأمين العام السابق لنفس الوزارة، باعتبارهما مسؤولين عن إدارة جهاز الأمن العام، وكذا رحيل كافة الوزراء".

في السياق نفسه، يعتقد الناشط البارز في الحراك الشعبي عبد الوكيل بلام، أن نيات السلطة والقرار الأمني الذي يستهدف وقف الحراك الشعبي، والتضييق على المسيرات الشعبية الرافضة لبقاء رموز النظام، تبدو أكثر وضوحاً من خلال حديث المؤسسة الأمنية باسم سكان العاصمة الجزائرية، والزعم بحسب ما ورد في بيان الأمن العام أن "الكثير من المواطنين يشتكون من استغلال الحراك للطرقات ومن أوضاع الحركة المرورية والتنقل"، والادعاء بأن الحراك يمسّ بحرية الحركة وسلامة الأشخاص والممتلكات. وأكد بلام في تصريح لـ"العربي الجديد"، أنه "لا أحد من سكان العاصمة اشتكى من التظاهرات، بل إن سكان العاصمة هم من يقومون بتقديم المياه للمتظاهرين، بالتالي فإن الأمن يقدم مزاعم مغلوطة ليبرر قرار منع المسيرات". وجزم بلام بأن الأمن الجزائري لا المتظاهرين، هو من أغلق الطرقات ومنافذ العاصمة يوم الجمعة الماضية.


ويدخل في سياق المخاوف الأمنية ما يطرح بشأن عودة ظهور المتشددين دينياً إلى المشهد، وتركيز الإعلام الموالي للسلطة على مجموعة لم يزد عديدها عن العشرة أشخاص، يرتدون اللباس الأفغاني كانوا مع عائلاتهم وأطفالهم، في تظاهرات يوم الجمعة الماضية، وهي مظاهر معزولة تعود إلى انتماءات وقناعات خاصة بهم، لا علاقة للحراك الشعبي ومطالبهم الديمقراطية بها. واعتبر الناشط في الحراك الشعبي حسين بزينة أن "وجود هؤلاء، وبغض النظر عن أنها حرية شخصية في طريقة اللباس، أمر لا يدعو للقلق لكون الحراك له مطالب ديمقراطية واضحة". لكن بزينة أشار إلى أن "ما يجب التوجس منه هو هذا التركيز المبالغ فيه من قبل إعلام السلطة، الذي جعل منها صورة مكبرة وربط بينها وبين مخاوف من عودة التشدد، وهذا نوع من الكليشيهات التي فقدت عذريتها ولعبة سخيفة".

وبخلاف توقعات المؤسسة الأمنية من أن يؤدي استدعاء المخاوف الأمنية المتضمنة في بيان الجمعة، واستعمال الشرطة للقنابل المسيلة للدموع لتفريق المتظاهرين منذ الثلاثاء الماضي، إلى تقلص حجم الحراك الشعبي، لم يبد الناشطون والمتظاهرون التفاتاً كبيراً للمخاوف التي طرحتها السلطات الأمنية، إذ تجددت السبت والأحد التظاهرات والتجمعات الرافضة لاستمرار رموز النظام السابق وحكومة بدوي، فواجه وفد وزاري يضم ثلاثة وزراء أبرزهم وزير الداخلية، تظاهرات رافضة لوجودهم في منطقة بشار جنوب غربي الجزائر. كما نظم القضاة والمحامون تجمعاً يوم السبت قبالة مقرّ وزارة العدل. وتظاهر الطلبة في مجموع الجامعات الجزائرية أمس الأحد، في ظل تهديد نقابات الصحة والتربية والطاقة بالإضراب ومقاطعة التعامل مع الحكومة ووزرائها.

المساهمون