إدلب... معتقل كبير غير آمن

إدلب... معتقل كبير غير آمن

10 مارس 2019
يعيش المواطنون في إدلب ظروفاً قاسية (Getty)
+ الخط -
في الوقت الذي يتم فيه الحديث عن تفاهمات دولية بين الدول الضامنة لاتفاق أستانة حول إدلب، من أجل الحفاظ على حالة الهدوء في المحافظة، لا يتوقف النظام السوري عن التلويح بعملية عسكرية لاجتياح إدلب متخذاً من سيطرة "هيئة تحرير الشام" التي تعتبر "جبهة النصرة" عمودها الفقري ذريعة لذلك. أما المعارضة بشقيها السياسي والعسكري فتجري اجتماعات مع الحليف التركي لبحث مصير المنطقة. ووسط كل ذلك تحولت الحياة بالنسبة للمدنيين في محافظة إدلب إلى ما يشبه حياة المعتقلين بسجن كبير.
الخطر يلاحق بشكل دائم هؤلاء المعتقلين ويحصدهم بشكل عشوائي، دون أدنى تفكير من أية جهة بمتطلبات هؤلاء المدنيين ولا بظروف حياتهم. بل على العكس يتم التعامل مع حياتهم كوسيلة للتهديد والابتزاز من قبل الأطراف الدولية، ليتحول ارتكاب مجزرة بحق عشرات المدنيين الذين يبحثون في سوق ما عن ما يسد رمق أبنائهم إلى مجرد رسالة قد توجهها روسيا إلى تركيا، من أجل تنبيهها لتعديل موقفها من قضية أخرى قد تكون خارج حدود المحافظة.

أما المدنيون داخل المحافظة، فعدا عن البطالة وظروف الحياة القاسية التي يعيشونها، فهم لا يملكون أية ورقة رسمية معترف بها من قبل حلفائهم حتى، فولاداتهم لا تُسجل بشكل رسمي معترف به، ومدارسهم وجامعاتهم غير معترف بشهاداتها، وكل سكان المحافظة لا يمتلكون وثائق سفر ولا يستطيعون استخراج مثل هذه الوثائق إلا بطرق التفافية ودفع أموال طائلة كرشى. وحتى من يستخرج منهم وثيقة سفر فهو لا يستطيع تخطي حدود محافظته بسبب محاصرتها من قبل قوات النظام من جهة وإغلاق الحدود التركية في وجههم من جهة أخرى. كما أن تجارتهم مع تركيا محكومة بإتاوات تفرضها "هيئة تحرير الشام" المسيطرة على المنفذ الرسمي لدخول البضائع وعلى طرق التهريب. أما الخدمات التي تقدم لهم، بدءاً من الصرف الصحي إلى الماء والكهرباء والاتصالات، فكلها يتم التعامل معها كسلع تباع لهم من قبل ما يسمى "حكومة الإنقاذ"، التي تقوم كل مواردها على ما تجبيه من جيوب السكان المدنيين مقابل المتاجرة بتلك الخدمات.

وحتى حياتهم الخاصة فهي عرضة لتدخلات "الهيئة" التي تتحكم حتى بلباسهم، الأمر الذي يجعل حياتهم أشبه ما يكون بحياة المجردين من الحقوق المدنية، والمحتجزين ضمن قطاع جغرافي لا يستطيعون مغادرته، ولا يمتلكون، عندما يهدد خطر القصف حياتهم، سوى النزوح من مكان سيئ إلى مكان أقل سوءاً. فهل سيأتي وقت ويتم التعاطي فيه مع هؤلاء السكان كمواطنين طبيعيين يمتلكون الحد الأدنى من الحقوق؟

المساهمون