الملتقى الليبي الجامع يعود للواجهة... لماذا؟

الملتقى الليبي الجامع يعود للواجهة... لماذا؟

07 مارس 2019
يمهد لقاء أبوظبي بين السراج وحفتر للملتقى (Getty)
+ الخط -
عاد الحديث مجدداً في ليبيا عن الملتقى الوطني الجامع، الذي تعوّل عليه البعثة الأممية إلى هذا البلد لتمرير حلول لأزمته، من خلال جمع أطياف وشرائح ليبية، بهدف توسيع دائرة التمثيل الوطني، وتلافياً للقصور السياسي الذي تعيشه الأجسام السياسية والعسكرية المتحكمة في المشهد حالياً. لكن عودة الحديث عن الملتقى يضعها مراقبون في خانة المستجدات المرتبطة باتفاق أبوظبي بين رئيس حكومة الوفاق فايز السراج واللواء المتقاعد خليفة حفتر.

وارتفعت وتيرة الأسئلة عن تراجع حديث البعثة الأممية عن الملتقى الذي كان مقرراً عقده، بحسب اتفاق باليرمو في نوفمبر الماضي، مطلع العام الحالي، مع اتهامها بغموض مواقفها منه. لكن الإعلان المقتضب الذي نشرته البعثة، في التاسع من يناير الماضي، زاد من الغموض الذي يلف شكل وفحوى وأهداف الملتقى، إذ قالت "جميع المعلومات المتعلقة بالملتقى الوطني، بما في ذلك التاريخ والمكان والتفاصيل، سيعلن عنها عبر قنوات الاتصال الخاصة بالبعثة"، موضحة أيضاً أن إرسال الدعوات إلى المشاركين سيتم كذلك من خلالها.

لكن البعثة، وبشكل مفاجئ، أعلنت، أمس الأربعاء، عبر صفحتها على موقع "فيسبوك"، عن لقاءين أجراهما رئيسها مع وفدٍ من المجلس البلدي لمصراتة "بحث خلاله التطورات السياسية الأخيرة في البلاد، وتحضيرات الملتقى الوطني"، ومع الرئيس السابق للمجلس الأعلى للدولة، عبد الرحمن السويحلي، ونقلت البعثة "مطالب المجتمعين" بـ"ضرورة انعقاد الملتقى في أقرب فرصة ممكنة".

وحول ذلك، رجح دبلوماسي ليبي رفيع أن يكون لقاء أبوظبي بين السراج وحفتر قد شكّل خطوة تمهيدية للملتقى الجامع وتحديد الأطراف المشاركة فيه، معتبراً أن الملتقى سيكون المظلة التي ستصوغ شكل ومسار المشهد المقبل، لإعطائها الصبغة الرسمية والشرعية الليبية، قبل نقلها إلى مجلس الأمن لتحصينها دولياً.

وكان مجلس الأمن الدولي قد أكد، خلال نشرته الدورية لشهر مارس الحالي بشأن تطورات الأوضاع في الدول المختلفة، ومن بينها ليبيا، على أن "الأسابيع المقبلة ستشهد عقد البعثة الأممية للملتقى الوطني الجامع الذي يمثل فرصة لليبيين، بهدف تقرير مصيرهم وإنهاء المرحلة الانتقالية"، مؤكداً دعم مجلس الأمن الدولي لمخرجات هذا الملتقى، مع ضرورة أخذ كافة الضمانات السياسية والأمنية الرامية إلى قبول كافة الأطراف بنتائجه.

وشرح الدبلوماسي، الذي تحدث لـ"العربي الجديدأن "لقاء السراج بحفتر في أبوظبي كان يعد له منذ فترة، على خلفية المشاورات التي جرت في باليرمو، وسبب عقده الآن حصول تقارب كبير بين روما وأبوظبي مؤخراً، ودفعت العاصمة الإيطالية بكل ثقلها للضغط على حفتر للقبول باللقاء لتسوية مقبولة"، موضحاً أن توافقاً روسياً فرنسياً إيطالياً هو ما أنجح اللقاء، الذي وصفه بأنه "أخرج السراج من عنق الزجاجة". وأشار المصدر إلى أن وقف زحف حفتر العسكري بات مستحيلاً، في ظل الدعم القوي الذي يلقاه من دول مثل فرنسا والإمارات.

ولفت المصدر، من جهة أخرى، إلى أن "القاهرة لا تزال متوجسة من إمكانية دخول حفتر في حرب مفتوحة إذا ما وصل إلى غرب البلاد، كما أنها تعتبر أن وعد حفتر في أبوظبي بقبوله بالخضوع لسلطة السراج المدنية غير كافٍ لكبح جماحه، وهي غير واثقة من سيطرة السراج على قوى مسلحة غرب البلاد، يمكن أن تستمر في رفض حفتر وتدخل معه في قتال لن ينتهي، ما سيؤدي إلى تأزم الموقف".

وفي هذا الصدد، رأى المصدر أن القاهرة "تعوّل على حفتر بشكل كبير، وتعتقد أن الشرق الليبي المهم لأمنها سيبقى هشاً إذا انتقل ثقل حفتر العسكري إلى الغرب، لا سيما مع إمكانية انهيار داخلي لقواته في الشرق، بسبب تحفز الكثير من ضباط الجيش في هذه المنطقة للانقلاب عليه"، مرجحاً أن يكون موقف القاهرة الأخير خلال اللقاء الثلاثي الذي جمع وزراء خارجية تونس والجزائر ومصر في القاهرة، وتأكيدهم على الحل الليبي على أساس الاتفاق السياسي، هو رفضٌ ضمني لاتفاق أبوظبي.

لكن الدبلوماسي أكد، في الوقت ذاته، أن الأمر تجاوز القاهرة، وأصبح اتفاق أبوظبي مسودة جاهزة لوضعها أمام المشاركين في الملتقى الوطني الجامع لإقراره، ويتضمن وضع القيادة السياسية بيد السراج والعسكرية بيد حفتر، وتجاوز كل الموجودين في المشهد السياسي، تمهيداً لاستصدار قرار من مجلس الأمن لتحصينه دولياً.

ولفت الدبلوماسي إلى أن اتفاق أبوظبي، الذي كشف السراج عن فحواه، لم يتطرق إلى مسألة توحيد المؤسسة العسكرية أو الجانب السياسي، متسائلاً "من الذي سيشرف على إجراء الانتخابات؟ وهل سيكون الدستور الحالي بمواده التي تُقصي حفتر حاضراً لإنهاء المرحلة الانتقالية"؟ وما الذي سيبحثه الملتقى الوطني في ظل المستجدات الجديدة، فيما يقترب حفتر كل لحظة من العاصمة طرابلس، مقابل ضعف السراج وتهاوي حكومته، وسط مشاكلها وانقساماتها؟".

ورأى المصدر أخيراً ردّاً على هذه التساؤلات أنه "بلا شك، هو تقاسم للسلطة بين الرجلين، والملتقى سيقرر مرحلة إضافية تحت رعايتهما، والسيناريوهات ستكون مفتوحة عندها باتجاه الاستقرار السياسي على أساس الانتخابات أم بالسيطرة العسكرية الكلية وإعادة البلاد إلى عقود القذافي الـ40".