معركة حاسمة بشأن مصلى باب الرحمة وإبعاد الحراس

معركة حاسمة بشأن مصلى باب الرحمة وإبعاد الحراس

05 مارس 2019
طالب الاحتلال محكمة الصلح بإغلاق باب الرحمة(أحمد غرابلي/فرانس برس)
+ الخط -


فيما يبدو ظاهرياً أن المواجهة الأخيرة بين شرطة الاحتلال الإسرائيلي وحراس المسجد الأقصى اندلعت في أعقاب التطورات التي أفرزتها أحداث مصلى باب الرحمة قبل نحو أسبوعين، يرى متابعون للتطورات في القدس المحتلة، وبينهم أعضاء في مجلس الأوقاف الإسلامية حقق الاحتلال معهم وصدرت أوامر بإبعادهم عن المسجد الأقصى، أن ما يجري خلف الكواليس هو في الواقع مواجهة باتت مفتوحة بين الاحتلال والأردن، الذي تلقى دعماً من البرلمانات العربية بوصايته على المقدسات في القدس.

وتأتي هذه التطورات عقب رفض الديوان الملكي الأردني المساومة على إدارة شؤونه وولايته على المسجد الأقصى، بما في ذلك رفضه لعرض إسرائيلي يقضي بموافقة الأوقاف على إغلاق مصلى باب الرحمة مقابل وقف إجراءات الاعتقال والإبعاد بحق كبار مسؤولي الأوقاف ومجلسه، وكذلك الحملة ضد حراس الأقصى، والتي طاولت في اليومين الماضيين أكثر من 15 حارساً أبعدوا عن المسجد لصلتهم بأحداث المصلى. يشار إلى أن عدد المعتقلين والمبعدين عن الأقصى، منذ إعادة المقدسيين فتح باب الرحمة بالقوة في 22 فبراير/شباط الماضي، وصل إلى نحو 300 معتقل ومبعد.

ويبدو أن المرحلة المقبلة ستكون حاسمة ومفتوحة على كل الاحتمالات، إذ تقدمت شرطة الاحتلال، أمس الإثنين، لمحكمة صلح الاحتلال بإصدار أمر بإغلاق مصلى باب الرحمة. كما استدعت قوات الاحتلال الإسرائيلي، وزير شؤون القدس في الحكومة الفلسطينية والعضو في حركة "فتح"، عدنان الحسيني، للاستجواب، بعد اقتحام الاحتلال منزله في مدينة القدس. ورأى عضو مجلس الأوقاف الإسلامية في القدس، حاتم عبد القادر الذي أبعد، أول من أمس، لمدة أسبوع عن الأقصى بعد استجوابه لنحو سبع ساعات، أن "استهداف الاحتلال لمسؤولي الأوقاف موجه بالأساس إلى الأردن، بالنظر إلى الصفة التمثيلية لهذا المجلس، كونه يُمثل رأس الهرم السياسي في المملكة الأردنية، وبالتالي يريد الاحتلال توجيه رسائل سياسية ضاغطة على الموقف الأردني عشية الانتخابات الإسرائيلية لانتزاع تنازلات في موضوع السيطرة على الأقصى وفرض وقائع جديدة فيه، وهو موقف بدا واضحاً صلابة الموقف الأردني بشأنه". وتلقى الأردن دعماً من الاتحاد البرلماني العربي الذي حذر، في بيان في ختام اجتماعه في عمان أمس الإثنين، من مرحلة أكثر تعقيداً جراء استمرار الاعتداءات الإسرائيلية على المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس. وأكد المجلس "دعمه لجهود الأردن في الوصاية الهاشمية على المقدسات الإسلامية والمسيحية، والجهود التي يبذلها الملك الأردني عبد الله الثاني في دعم صمود المقدسيين في وجه غطرسة الاحتلال الإسرائيلي، بما يخدم فرص التمسك بالقدس كعاصمة أبدية لفلسطين". ووصف عبد القادر، في حديث مع "العربي الجديد"، أوامر الإبعاد بأنها "وقاحة وتمثل قمة الغطرسة". وقال "لقد تجرأ الاحتلال على الجميع، وأبعد (رئيس مجلس الأوقاف والشؤون والمقدسات الإسلامية في القدس) الشيخ عبد العظيم سلهب وأعضاء مجلس الأوقاف ونائب مدير الأوقاف عن الأقصى لفترات متفاوتة، غير مبالٍ بالاتصالات الدبلوماسية التي تجري دون توقف منذ أحداث المصلى".


وحذر مسؤول رفيع المستوى في دائرة الأوقاف، فضل عدم ذكر اسمه، من تصعيد إسرائيلي دامٍ في الأقصى خلال الأيام القليلة المقبلة، باتت نُذره واضحة من خلال الاستهداف المركز للمرجعيات الدينية والوطنية وتصعيد الاستهداف بحق حراس المسجد الأقصى. وقال المسؤول، لـ"العربي الجديد"، "نحن عاقدون العزم على مواجهة إجراءات الاحتلال بكل الوسائل الممكنة، سواء القانونية أو اعتماداً على الاتصالات السياسية، وكذلك على الدعم الشعبي والالتفاف الجماهيري حول الأقصى". ويبدي حراس المسجد الأقصى المبعدون عنه تصميماً غير معهود على كسر أوامر المنع الصادرة بحقهم، حتى لو كلفهم ذلك الاعتقال وتقديمهم للمحاكمة، كما قال لـ"العربي الجديد" أحدهم، ويدعى "ع ن"، والذي صدر بحقه أخيراً أمر إبعاد لستة أشهر، فيما عاد مشهد البوابات الإلكترونية يتكرر قرب باب الأسباط، إذ أدى المبعدون، خلال اليومين الماضيين، صلواتهم بالقرب منه، وقادهم في هذه المعركة مدير الوعظ والإرشاد في الأوقاف سابقاً الشيخ رائد دعنا، الذي كان صدر أمر بإبعاده لمدة ستة أشهر. وأكد دعنا، لـ"العربي الجديد"، تصميم جميع المبعدين على رفض وكسر إجراءات الاحتلال بإبعادهم. وقال "نحن لم نؤذ أحداً. الأقصى بجميع مصلياته لنا، ومن حقنا الصلاة فيه". أما رئيس الهيئة الإسلامية العليا في القدس الشيخ عكرمة صبري، فاتهم الاحتلال ورئيس حكومته بنيامين نتنياهو بمحاولة استغلال قضية مصلى الرحمة في الانتخابات الإسرائيلية. وقال، لـ"العربي الجديد"، "مرة أخرى نقول للاحتلال: المسجد الأقصى ليس ضمن أي مساومات سياسية، ولن نسمح بأن يكون ورقة في سوق المزايدات الانتخابية في دولة الاحتلال. كما ندين سياسة الإبعاد الظالمة بحق مرجعياتنا وحراسنا ومواطنينا".

وكان حراس المسجد الأقصى، وجهوا الليلة الماضية، صرخة، دعوا فيها إلى اعتصام مفتوح على أبواب المسجد الأقصى ابتداء من الجمعة المقبل حتى يدخله المبعدون. وقال الحراس، في بيان، "أقصانا لا يقبل القسمة أو المناصفة، فإما أن ندخله جميعاً أو على المحتل أن يواجه غضبنا صفاً واحداً مرصوصاً". ولفت البيان إلى أن "سلطات الاحتلال تحاول محاسبة مجلس الأوقاف الإسلامية على قراره فتح مصلى باب الرحمة، بإبعاد رئيس المجلس الشيخ عبد العظيم سلهب، ونائب مدير الأوقاف الشيخ ناجح بكيرات، مع أن الأوقاف كانت ويجب أن تبقى المرجع الوحيد لإدارة كافة شؤون المسجد الأقصى، وهي لا تخضع في ذلك لسلطة الاحتلال الإسرائيلي ولا لإرادتها أو قراراتها، سواء كانت قرارات حكومة أو محكمة أو شرطة". ووجه البيان نداءين، أولهما إلى المحامين الذين مثلوا الحراس والمبعدين خلال الأيام الأولى لهبة باب الرحمة، قالوا فيه "لقد أعلنتم على الملأ أنه لا يوجد قرار من محكمة الاحتلال بإغلاق باب الرحمة، ولقد ركن الناس إلى إعلانكم هذا وظنوا أن مصلى باب الرحمة لم يعد في خطرٍ بناء على ذلك، بينما واصلت شرطة الاحتلال اعتقال وإبعاد الحراس يوماً بعد يوم، فتُرِكنا وحدنا في الميدان نُستنزف وندفع الثمن، بينما ظن الناس أن الخطر على باب الرحمة قد زال". وأشاروا إلى أن "الخطر على باب الرحمة مصدره إرادة سياسية وليس مجرد قرار قضائي، وقرارات الإبعاد التي تفرضها الشرطة الإسرائيلية هي قرارات إدارية تمنح لهم بالصلاحية الأمنية ولا تحتاج إلى قرار محكمة". أما النداء الثاني لحراس الأقصى فوجه إلى المقدسيين عموماً، واتهموا فيه شرطة الاحتلال بمحاولة الالتفاف على ما حققوه من نصر وإنجاز، عبر إفراغ الأقصى من الحراس يوماً بعد يوم، حتى لا يبقى هناك من يفتح باب الرحمة، أو من يحرس الأقصى. وتساءل البيان "هل ستسمحون للاحتلال بأن يتحايل على نصركم بهذه البساطة، وهل ستتركوننا وحدنا في الميدان"؟

وعلى الصعيد القانوني المتعلق بمعركة الدفاع عن معتقلي ومبعدي مصلى باب الرحمة، فقد أصدر طاقم الدفاع عن هؤلاء، بياناً أمس الإثنين وصلت نسخة منه إلى "العربي الجديد"، أكدوا فيه جاهزيتهم لتقديم التمثيل والدفاع القانوني عن أي شخص يتعرض للتحقيق والاعتقال على خلفية قضايا انتهاكات حقوق الإنسان في القدس، وعلى رأسها الانتهاكات والمضايقات التي يتعرض لها حراس المسجد الأقصى ومُصلى باب الرحمة والمصلون فيه". وقال طاقم الدفاع "لقد سبق أن بينا أننا كطاقم دفاع تمكنا من إثبات بُطلان أي تهمة تتعلق بمخالفة أمر إغلاق قضائي بخصوص مُصلى باب الرحمة، وأنّه على الأقل منذ الأول من مارس/آذار الحالي وحتى تاريخه، لا يوجد أي قرار يقضي بإغلاق مُصلى باب الرحمة إطلاقاً، ضد أي جهة كانت، دون التسليم بشرعية هذه القرارات أو صحتها. ويترتب على ذلك أنّ فتح مصلى باب الرحمة أو الصلاة فيه لا يشكل أي مخالفة قانونية مطلقاً". وأضاف البيان أن "جميع الاعتقالات والإبعاد الجماعي التي تمّت في الفترة الأخيرة وما زالت مستمرة، وعلى رأسها اعتقال وإبعاد الشيخ عبد العظيم سلهب وناجح بكيرات وحراس المسجد الأقصى، تعسفية ولا تستند إلى أي ذريعة قانونية، وهي مساس جوهري بوصاية مجلس الأوقاف الإسلامي، وهي مخالفة للقرارات القضائية المذكورة التي يُفترض بتلك الجهات احترامها"، داعياً "دائرة الأوقاف الإسلامية إلى تفعيل الجهود الدبلوماسية بأعلى المستويات لإجبار السلطات الإسرائيلية على احترام المواثيق والمعاهدات الدولية، وسحب هذه الطلبات المُقدمة إلى المحاكم بادعاءات باطلة تضليلية". ويتوقع مراقبون أن يكون الجمعة المقبل يوم الحسم في قضية مصلى باب الرحمة وما يتصل بها من إبعاد لمسؤولي الأوقاف والحراس. وعبر هؤلاء عن خشيتهم من مواجهة دامية إثر دعوات أطلقها نشطاء وحركات شبابية لهبة شعبية جديدة تحت مسمى "هبة باب الرحمة"، في ظل تصعيد وقمع إسرائيلي طاول جميع فئات المواطنين ومرجعياتهم الدينية والوطنية.