تصعيد حوثي بوجه بريطانيا وغريفيث: اتفاق الحديدة يهتز

تصعيد حوثي بوجه بريطانيا وغريفيث: اتفاق الحديدة يقترب من الانهيار

05 مارس 2019
المعركة الميدانية في حال استئنافها ستكون أكثر شراسة(فرانس برس)
+ الخط -

يبدو أن ما بعد جولة وزير الخارجية البريطاني جيريمي هنت في المنطقة، والتصريحات التي أطلقها بشأن اليمن، ليس كما قبلها بالنسبة للأزمة المرتبطة بتنفيذ اتفاق السويد حول الحديدة، إذ تتزايد مؤشرات اقترابه من الانهيار والعودة إلى المربع الأول، ما لم تتحول التصريحات البريطانية إلى جرس إنذار يدفع الأطراف المعنية، وتحديداً جماعة "أنصار الله" (الحوثيين)، لتقديم التنازل المطلوب بالانسحاب من ميناء الحديدة على الأقل، لتجنب العودة إلى "الحرب الشاملة" كما سماها هنت.

وبعد يوم من اختتام جولته، التي شملت أربع عواصم وتمحورت حول اليمن، برزت مؤشرات جديدة تنذر بانهيار الاتفاق، من خلال رد الفعل الصادر عن الحوثيين على لسان المتحدث باسم الجماعة ورئيس وفدها المفاوض، محمد عبد السلام، والذي كال الاتهامات لبريطانيا وهاجم تصريحات وزير خارجيتها، ليتجاوز ذلك، للمرة الأولى، الى التعرض للمبعوث الأممي إلى اليمن مارتن غريفيث بالتلميح، لأن تصريحات هنت تظهره مبعوثاً بريطانياً لا مبعوث الأمم المتحدة.

وفيما كان موقف لندن، التي تركت بصمتها على مختلف الاتفاقات اليمنية والقرارات الدولية الصادرة بشأن اليمن أخيراً، واضحاً، من خلال تصريحات هنت، عن أن اتفاق استوكهولم، المبرم في ديسمبر/كانون الأول الماضي، في خطر، إذ قال إنه "كان من المفترض إخلاء ميناء الحديدة من المليشيات ليكون تحت سيطرة محايدة بحلول بداية يناير/كانون الثاني" الماضي، والتأكيد على أن "هذه العملية يمكن أن تُكتب نهايتها في غضون أسابيع إن لم يمتثل الجانبان لالتزاماتهما في استوكهولم"، جاء رد الحوثيين مفصلاً برفض هذه المطالبة. وقال محمد عبد السلام، في بيان أمس الإثنين، إن "اتفاق استوكهولم لم يُشر بأي شكل من الأشكال إلى وجود جهات محايدة لا في ميناء الحديدة ولا في غيره". وأضاف أن الاتفاق ينص على خطوات "من كل الأطراف، وخصوصاً إعادة الانتشار". واعتبر أن مطالبة الجانب الحكومي أو "الطرف الآخر"، وفق تعبيره، بضرورة الاتفاق على القوات المحلية المفترض أن تتسلم الحديدة، محاولة لـ"عرقلة الحل" ومخالفة لاتفاق السويد. وهذه التوضيحات إجمالاً لامست جوهر الخلاف بشأن تنفيذ اتفاق الحديدة، إذ لا يرى الحوثيون أنه يجب عليهم أن يسلموا موانئ الحديدة أو المدينة (مركز المحافظة)، لأي جهة محايدة أو للسلطة والقوات المحلية التي كانت في المدينة قبل سيطرتهم عليها أواخر العام 2014، وهو الأمر الذي لم يكن هناك نص جازم بشأنه في نص الاتفاق المبرم في استوكهولم.

ومن أبرز ما حمله موقف الحوثيين، التلميح بانتقادات، للمرة الأولى، ضد غريفيث، الذي كان، إلى ما قبل أيام، يواجه انتقادات لاذعة من مسؤولين ومناصرين للحكومة بتهمة الانحياز للحوثيين. وقال عبد السلام، في سياق رده على تصريحات هنت، إن "اللافت في الأمر أن مبعوث الأمم المتحدة، كما يبدو لنا، ليس مبعوثاً لهيئة الأمم المتحدة وإنما مبعوثاً إنكليزياً يمثل بريطانيا، خصوصاً بعد توضيح وزارة الخارجية البريطانية أهدافها وموقفها والذي ينسجم مع عرقلة الاتفاق". وبعد أن أدت أزمة الحوثيين مع رئيس لجنة التنسيق وإعادة الانتشار السابق الجنرال الهولندي باتريك كاميرت، إلى اعتذاره عن مواصلة المهمة، وجه عبد السلام، للمرة الأولى، انتقادات ضمنية إلى رئيس فريق المراقبين الدوليين الحالي مايكل لوليسغارد. وقال "يكفينا وضوحاً أن من يخالف اتفاق استوكهولم شكلاً ومضموناً وبشكل صريح، هم دول العدوان، والتي تعتبر بريطانيا أحد ركائزها الأساسية". وأضاف أن "المشكلة ليست في رؤساء لجان التنسيق وإعادة الانتشار، وإنما هم كما يبدو يتلقون التوجيهات من دول العدوان"، على حد وصفه.


وبصرف النظر عن تفاصيل ما ورد في التصريحات البريطانية وبيان الحوثيين أمس الإثنين، فإن الدلالة الأهم التي تتركها جملة المواقف الأخيرة، أن اتفاق السويد شارف على الانهيار. وهذه المرة، يأتي الاعتراف من أعلى مستوى، والذي كان له بصمته على مختلف الجولات السياسية أخيراً، بما فيها مشاورات السويد، التي حضر هنت حفلها الختامي في 13 ديسمبر/كانون الأول الماضي، كما قدمت بلاده مشروع القرار 2451 الصادر في أواخر ديسمبر لدعم اتفاق السويد، ومثله القرار 2452 في يناير/كانون الثاني، وكلاهما كان محوره دعم اتفاق الحديدة، بالإضافة إلى البيانات الصادرة عن مجلس الأمن. وليست المرة الأولى التي يشير فيها هنت إلى أهمية انسحاب الحوثيين من ميناء الحديدة، بل إنه أكد على ذلك، خلال اجتماع وزراء خارجية الرباعية، أميركا وبريطانيا والسعودية والإمارات، في وارسو الشهر الماضي. ومع ذلك، بدا الموقف البريطاني أكثر تجلياً خلال الجولة الأخيرة، وفحواه أن هناك تنازلاً مطلوباً من الحوثيين لقطع اتفاق الحديدة خطوة إلى الإمام. وهذا الموقف سيؤول إلى نتيجتين على الأرجح، هما دفع الحوثيين إلى التنازل أو التمهيد لعودة التصعيد مجدداً في الحديدة وعلى نطاق أوسع. وفي السياق، تبرز التساؤلات حول ما وراء حديث الوزير البريطاني عن "حرب شاملة" قد تكون البديل عن الاتفاق، على الرغم من أن الحرب عملياً لم تضع أوزارها، باستثناء وقف العمليات العسكرية في الحديدة منذ منتصف نوفمبر/تشرين الثاني العام الماضي، ثم سريان وقف إطلاق النار في 18 ديسمبر.

وأفادت لـ"العربي الجديد"، مصادر ميدانية قريبة من القوات الحكومية في الحديدة أن التصريح البريطاني يعكس الواقع الذي عزز فيه الحوثيون من استعداداتهم العسكرية ودفعوا بالمزيد من القوات، كما واصلوا حفر الخنادق وزرع الألغام، في مقابل تعزيزات عسكرية وصلت في الشهور الأخيرة، على نحو يجعل واقع المعركة الميدانية، في حال استئنافها، أكثر شراسة، بعد أن أخذ الطرفان فرصة كافية لإعادة ترتيب الصفوف وتنظيم القوات. هذا العامل، ربما يكون الدافع لدى الحوثيين لرفض تقديم تنازلات. ومع ذلك، فإن الواقع ما يزال مفتوحاً على كافة الاحتمالات، بما فيها تقديم التنازلات المطلوبة لتمديد عمر اتفاق الحديدة، وإن كانت المؤشرات تظهر ضيق الأفق أمام فرصة الحل السياسي بعد اختباره لما يقرب من ثلاثة أشهر في الحديدة، من دون تحقيق تقدم محوري على صعيد تنفيذ خطوات "إعادة الانتشار". الجدير بالذكر أن التأزم الذي وصل إليه اتفاق السويد، لا يُعد في الواقع، سوى إضافة إلى الواقع العسكري المعقد في المدينة، إذ إن خروقات اتفاق وقف إطلاق النار تتواصل بصورة يومية، كما لم يشهد الشهران الماضيان أي خطوات من شأنها نزع فتيل تجدد الحرب أو إيجاد حالة من الثقة، بل شهدا المزيد من الاستعدادات العسكرية.