المغرب: 5 عوامل وراء خفوت قضية "معتقلي الريف"

المغرب: 5 عوامل وراء خفوت قضية "معتقلي الريف"

28 مارس 2019
تراجع الاهتمام بملف معتقلي الريف (فاضل سنا/فرانس برس)
+ الخط -

تقترب محاكمة معتقلي "احتجاجات الريف" في المغرب من نهايتها، لا سيما بعد أن وصلت المحاكمة إلى آخر فصول جلساتها الاستئنافية، بالرغم من تأجيل النطق بالحكم النهائي في القضية من أول من أمس الثلاثاء إلى الخامس من إبريل/نيسان المقبل.

وتُجرى جلسات المحاكمة في مرحلة الاستئناف لعدد من معتقلي الريف؛ وعلى رأسهم ناصر الزفزافي، المحكوم عليه بالسجن النافذ 20 عاماً، وقياديون آخرون للاحتجاجات التي اندلعت في منطقة الريف بعد 28 أكتوبر/تشرين الأول 2016، عندما توفي بائع سمك يدعى محسن فكري داخل شاحنة نفايات، محاولاً إنقاذ بضاعته المصادرة من طرف السلطات المحلية في إقليم الحسيمة. ويسجل مراقبون انحسار الاهتمام بملف معتقلي الريف في الفترة الأخيرة، لا سيما خلال مرحلة الاستئناف، لعدة أسباب، وسط ترقب للأحكام النهائية لهذا الملف من دون أمل كبير في حصول "معجزة"، بعدما تواتَر عدد من المؤشرات على تأييد الاستئناف للأحكام الابتدائية، وعدم حصول المعتقلين على "العفو" الذي يطالب به البعض. وتجري آخر جلسات محاكمة معتقلي الريف في ظروف مغايرة لمرحلة الابتدائي، إذ قرر المعتقلون، البالغ عددهم نحو أربعين سجيناً، رفض الخروج من المعتقل والامتناع عن حضور المحاكمة، وطلبوا من محاميهم المرافعة بالصمت عنهم، احتجاجاً على الإجراءات المتخذة في حقهم.

وفي خضمّ هذا الصمت المطبق الذي أعلنه معتقلو "حراك الريف" احتجاجاً على أوضاعهم التي يعيشونها داخل السجون، لم يعد من سبيل لمعرفة جديد النشطاء سوى عائلاتهم التي تكشف بين الحين والآخر عن أحوال أبنائها داخل زنازينهم عندما تتاح لها زيارتهم مرة كل أسبوع. وأفاد آخر بيان لعائلات معتقلي الريف بأن العديد من أبنائها يشتكون من "سوء المعاملة"، وهو الوضع الذي أدى بالسجناء إلى إعلان إضراب عن الطعام، مطالبين بتحسين ظروف إقامتهم وإيوائهم داخل السجون، وعلاج المرضى منهم الذين ما زالوا يفترشون الأرض"، بحسب البيان. وتطالب عائلات المعتقلين إدارةَ السجون بـ"التدخل فوراً لوقف هذا العبث والإجرام في حق المعتقلين والاستجابة الفورية لمطالبهم"، وهو ما ترد عليه مؤسسة السجون بأن "أياً من السجناء على خلفية أحداث الحسيمة لم يتقدم بإشعار بالدخول في إضراب عن الطعام، وأن هؤلاء جميعاً يستفيدون من وجباتهم الغذائية بانتظام، ويستفيدون مرات متعددة من العلاجات الطبية، سواء داخل المؤسسة أو خارجها كما هو مثبت في ملفاتهم الطبية".


وفي غمرة الصمت الذي بدأ يلف ملف معتقلي الريف، عدا بعض الأخبار المتناثرة عن رسائل يوجهها الزفزافي إلى الرأي العام، تبرز أحياناً أصوات ومبادرات تحاول إعادة الملف إلى الأضواء، ومنها أسئلة وجهها نواب إلى رئيس الحكومة سعد الدين العثماني بشأن الإجراءات المتخذة لوقف معاناة معتقلي "حراك الريف". ويمكن اختصار العوامل الرئيسية التي تسبّبت في تراجع ملف معتقلي الريف بعدد من الأسباب؛ أولها تواتر العديد من المؤشرات على أن محكمة الاستئناف سوف تسير في حكمها النهائي بما قررته الأحكام الابتدائية، وأن الحصول على عفو ملكي بات صعباً، بالنظر إلى مرور عدة مناسبات دينية ووطنية كانت تشكل فرصة لصدور قرار العفو، لكن ذلك لم يحصل. وفي السياق، كان لوزير الدولة المكلف بحقوق الإنسان مصطفى الرميد تصريحات لافتة، عندما أكد، أخيراً، أن العفو الملكي في الملف تم بشكل محدود على مجموعة من العناصر وصل عددهم إلى مائة (في إشارة إلى العفو الملكي عن معتقلين حكموا بمدد سجنية قليلة)، مبرزاً أنه "إذا راجع المعتقلون مواقفهم بنقد ذاتي قد تراجع الدولة موقفها، وبأنه إنْ طال الزمن أو قصر فسيكون هناك انفراج في هذا الملف". والعامل الرئيسي الثاني وراء تراجع الاهتمام بهذا الملف يتمثل في اختيار المعتقلين، خصوصاً مجموعة الزفزافي ومن معه من قيادات "حراك الريف"، الصمت احتجاجاً على أوضاعهم ومسار المحاكمة، وبالتالي تقلصت الأخبار الواردة إلى الإعلام، إلا من مواقف أو بيانات "جامدة". والسبب الثالث الذي ساهم في انحسار ملف معتقلي الريف يتمثل في نأي الأحزاب السياسية والزعماء والشخصيات ذوي الوزن عن الخوض في هذا الملف، بخلاف ما كان عليه الأمر في البداية. ويوجد إقرار بأن الملف بات لدى القضاء في درجته الاستئنافية، وهو من سيحسم فيه، وبأن الآمال معلقة على القضاة لإغلاق الملف. أما العامل الرابع فيتجلى في تراجع مبادرات ودعوات إطلاق سراح معتقلي الريف، خصوصاً من قبل شخصيات حقوقية وجمعوية بعينها، وذلك بعدما طلب المعتقلون من هؤلاء الأشخاص الابتعاد عن الملف، واتهموهم بأنهم يحاولون الاستفادة من معاناتهم، من أجل كسب حظوة إعلامية وسياسية، و"يستضيئون بالنار التي تحرق المعتقلين".

وأعلن معتقلو الريف رفضهم لوساطات وصفوها بالمشبوهة، وكانت تثير ملفهم إعلامياً، لكن دون تحقيق نتائج حقوقية ملموسة على الأرض، وهو ما ترجمته رسالة الزفزافي الأخيرة، التي قال فيها: "باعتباري ناشطاً في حراك الريف الشعبي، فإنني لن أشارك الحوار مع أية جهة تقوم بمبادرات مشبوهة أو ملغومة. كما لا يمكنني السماح للوصوليين والخونة بالركوب على معاناة الريف ومآسيه، دون فضحهم، لأن هؤلاء كل همهم ملء بطونهم وحساباتهم البنكية وكفى" وفق تعبيره. وفي وقتٍ بدا الزفزافي صارماً حيال من يصفهم بـ"الدكاكين السياسية" والشخصيات التي تقتات من قضيتهم، فقد ترك الباب موارباً لإجراء "حوار صادق وهادف مع من بيدهم الحل والقرار"، معتبراً أن "هيبة الدولة في تحقيق مطالب الشعب والديمقراطية في الإنصات إلى صوت الجماهير". ويمكن إضافة عامل خامس يفسر انحسار الضوء على ملف معتقلي الريف، وهو الاحتقان الاجتماعي الدائر في المغرب عبر احتجاجات فئات اجتماعية ومهنية مختلفة، نالت نصيباً كبيراً من المتابعة الإعلامية والحقوقية، إذ باتت شوارع العاصمة محجاً لتظاهرات الأساتذة المتعاقدين والأطباء والممرضين والمكفوفين وعدد من فئات المجتمع الأخرى.