رسالة دولية إلى حفتر: هذه خياراتك

رسالة دولية إلى حفتر: هذه خياراتك

26 مارس 2019
صمت العواصم العربية الداعمة لحفتر (فيليبو مونتيفورت/ فرانس برس)
+ الخط -
بعد حوالي شهر من النشاط العسكري لقوات اللواء الليبي المتقاعد خليفة حفتر في الجنوب، وقريبا من طوق ومحيط العاصمة طرابلس غربا، عاد الغموض والصمت ليسيطرا على مواقف قادتها الذين لم ينفكوا عن الظهور الإعلامي والتصريحات للإشادة بالتقدم العسكري جنوبا، وأخرى تظهر حضورا عسكريا في قواعد وتمركزات قريبة من العاصمة.

دبلوماسي رفيع بالسفارة الليبية في روما كشف عن "تضييق سياسي وضغوط يعانيها حفتر جراء تقلّص الفرص أمام مشروعه العسكري الرامي للسيطرة والتفرد بالحكم"، مشيراً إلى أن "فاعلين دوليين، على رأسهم واشنطن، انتهوا إلى ضرورة خضوعه لسلطة رئيس حكومة الوفاق فايز السراج المدنية".

وقال الدبلوماسي، الذي تحدث لـ"العربي الجديد"، إن "السفارة الليبية بروما احتضنت أمس اجتماعا موسعا دعت إليه سفراء الدول الأوروبية والغربية المعتمدين لدى إيطاليا، وهم سفراء الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا والمملكة المتحدة وألمانيا وبلجيكا والتشيك ومالطا، لبحث شكل التسوية الأخيرة في طرابلس"، مؤكدا أن السفراء حمّلوا السفير رسالة إلى الأطراف الليبية، وعلى رأسها حفتر.

وعن مضمون الرسالة أوضح: "خيارات حفتر باتت ضيّقة، والمجتمع الدولي، وفي مقدمته أميركا، خيّرته بين التنحي أو القبول بمنصب القائد العام للجيش تحت إمرة رئاسة أركان حكومة الوفاق"، مؤكدا أن "الرسالة سيحملها السفير شخصيا لحفتر وحلفائه، وتتضمن أيضا تحذيرا قويا من مغبة اقترابه من طرابلس".

وبحسب الدبلوماسي ذاته، فإن التطورات الجديدة جاءت على خلفية اجتماعات مكثفة عقدها ضباط موالون لحفتر من الزنتان وترهونة مع قادة مليشيات طرابلس، بغية التوسط وتمهيد الطريق لدخول حفتر إلى العاصمة بشكل سلمي، ومن خلال قلب المليشيات ولاءها. 

وقال: "حفتر صار متأكدا من أن المجتمع الدولي لا يرغب في احتكاره للسلاح بمفرده، خصوصا داخل طرابلس"، ولفت إلى أن تحركات قوات اللواء المتقاعد في محيط طرابلس ومشاورات ضباط داخل طرابلس، للالتفاف على تفاهمات أبوظبي بشأن تقاسمه السلطة مع السراج، ومحاولة فرض نفسه على الأرض "لم تعد ترضي تلك الدول".

وبحسب أوساط ليبية مطلعة، فإن السفير الليبي في روما عمر الترهوني لعب دورا كبيرا في التقارب الإيطالي مع حفتر، ودورا أكبر في إقناع الأخير بالمشاركة في لقاء باليرمو في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، ويعتبر إحدى الشخصيات الوسيطة في التوافق الداخلي بين حفتر والسراج لعلاقته الوطيدة بالطرفين.

وعلى عكس ما تتداوله تحليلات مراقبي الشأن الليبي من تزايد فرص حفتر في السيطرة على طرابلس واقتحامها بقوة السلاح، تُبدي تصريحات مسؤولين دوليين عكس ذلك، فقد استنكر المبعوث الأممي غسان سلامة الانتهاكات التي نفذتها قوات حفتر في الجنوب الليبي.

وحدّد سلامة، في إحاطته إلى أعضاء مجلس الأمن يوم الأربعاء الماضي، شكل تلك الانتهاكات بالقول إن "أنباء وردت عن إحراق تسعين منزلاً في هجمات انتقامية شنتها القوات التابعة للقبائل تحت إمرة الجيش"، في إشارة إلى المليشيات القبلية التي كانت تقاتل في صفوف قوات حفتر في مرزق.

وأكد سلامة أنها "شنت هجمات انتقامية"، معرباً عن قلقه من تحرك قوات حفتر في قاعدة الجفرة وقريباً من سرت في الآونة الأخيرة، ما دفع "قوات محلية في غرب ليبيا للتحرك للرد على التوترات"، ما يشير إلى تغير في مواقف الأمم المتحدة والدول المعنية بالملف الليبي من حفتر، بسبب تناقضه مع ما تم الاتفاق عليه في أبوظبي خلال لقاء السراج وحفتر.

وعلى عكس الإشادة التي جاءت على لسان وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان، بعملية حفتر في الجنوب، في كلمته في المؤتمر الصحافي الذي جمعه بالسراج الأسبوع الماضي، عكست كلمة السراج انزعاجا كبيرا من تحركات اللواء المتقاعد.

وكثف السراج في الآونة الأخيرة من لقاءاته بضباط رفيعي المستوى في حكومته، من بينهم رئيس الأركان المعيّن حديثاً الفريق محمد المهدي الشريف، الذي استقبله في مكتبه يوم الأربعاء بعد مراسم عسكرية رسمية، لـ"بحث سبل توحيد المؤسسة العسكرية"، كما أعلن في قرار مفاجئ، أمس الاثنين، "إعادة فتح جميع الكليات العسكرية لاستيعاب الراغبين من الشباب للالتحاق بالمؤسسة العسكرية"، مشيرا إلى إمكانية التنسيق لتدريب المنتسبين في دول داعمة لحكومته، من بينها الولايات المتحدة.

ويسعى السراج للاستفادة من الشخصيات العسكرية التي تمتلك رصيدا عسكريا كبيرا، وتتمتع بثقة الثقل القبلي، مثل محمد المهدي الشريف، الذي يحظى بشعبية مقبولة في الجنوب الليبي، واللواء سالم حجا معاون الأركان الجديد، وهو شخصية عسكرية تنتمي لمصراته، ولها ارتباط وثيق بعدد من قادة الجيش في الغرب الليبي.

وعلى المستوى الدولي، حملت تصريحات السفير الأميركي بيتر بودي، وقائد القيادة العسكرية الأميركية في أفريقيا (أفريكوم) الجنرال توماس والدهاوزر، أثناء زيارتهما طرابلس الأسبوع الماضي، إشادة كبيرة بحكومة الوفاق ورغبة في دعمها لتعزيز سيطرتها على طرابلس، بل وتقديم دعم مالي لوزارة الداخلية لشراء "أسلحة غير فتاكة" لتعزيز أمن العاصمة، من دون الإشارة الى أي دور لحفتر.

كذلك بدت لهجة التراجع واضحة في الجانب الروسي، فقد أكد رئيس المجلس الأعلى للدولة خالد المشري، في تصريحات من موسكو، أثناء زيارته الرسمية لها الأسبوع الماضي، أن الجانب الروسي أكد له عدم دعمه لحفتر، مبينا أنه أبلغ الجانب الروسي بالقول إن "حفتر ليس رجلكم الذي تبحثون عنه"، معتبرا أن تأكيد روسيا على رفضها لحل العسكري في ليبيا بمثابة تخلٍّ عن حفتر.

وإزاء ذلك، يخيّم الصمت في الآونة الأخيرة على مواقف الدول العربية الداعمة لحفتر، وتحديدا مصر، التي فضّلت الاتجاه لدعم المبادرة التونسية الداعية لحوار ليبي – ليبي لحل الأزمة سياسيا، ورفض الحل العسكري، من خلال اللجنة الثلاثية لدول الجوار الليبي، فيما لم يسجل على الموقف الإماراتي أي جديد بعد احتضانها لقاء السراج وحفتر في نهاية نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي.​