جزائريو فرنسا يرفضون مناورات النظام وينتقدون "متسلقي الثورة"

جزائريو فرنسا يرفضون مناورات النظام وينتقدون "متسلقي الثورة"

24 مارس 2019
يؤمن جزائريو فرنسا بنجاح الحراك (العربي الجديد)
+ الخط -
تحول تجمّع الجزائريين في "ساحة الجمهورية" بالعاصمة الفرنسية باريس، كل يوم أحد، إلى موعد ثابت للتعبير عن تضامنهم مع الداخل الجزائري، في تصميمه على مطلب تنحي الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، الذي لا يزال على كرسيّ الحكم، وكذا مطلب التخلص من حاشية الأخير، ومن المستفيدين من عُقود من حكم الجزائر.

ومثل كلّ أحد، تجمع اليوم بضعة آلاف من الجزائريين ومؤيدي قضيتهم من فرنسيين وعرب، في ساحة الجمهورية، لمواصلة النضال ودعم احتجاجات الداخل الجزائري، ومنحها الصدى في فرنسا. ولا تقتصر التظاهرات الجزائرية في فرنسا على العاصمة باريس وحدها، بل تتعداها إلى مدن وبلدات عديدة تحتضن الشتات الجزائري، والفرنسيين من أصول جزائرية.

ومتأثرةً بمستجدات الداخل، ترفع التظاهرات الفرنسية كلّ مرة من سقفها. وطالب المحتجون اليوم برحيل بوتفليقة ورئيس حكومته الجديد، وصولاً إلى المطالبة برحيل "أفَلان" ("جبهة التحرير الوطني")، ساخرين من مواقفها الجديدة المؤيدة للحراك، ومندّدين بكل "المتسلقين على ظهر الحراك" للعودة إلى السلطة مجدداً.

وحيّا المتظاهرون تاريخ 22 فبراير/ شباط، وهو تاريخ اندلاع الحراك، باعتبار أنه كسر جدار الخوف في بلدهم، وأعاد الأمل لكل الجزائريين بمستقبل واعد، وثورة ثانية، سلمية وديمقراطية.         

والملفت للانتباه في التجمع الباريسي وما سبقه من تجمعات، هو الطابَع المَرح وغير المتشنج، إذ يتفق الجميع، بغض النظر عن اللغة والجهة والجنس والسنّ، على أهداف معينة، في تجانس مع مَطالب الداخل، وهي "الحرية والديمقراطية"، و"إرساء جمعية تأسيسية"، و"رفض كل مناورات الحكم في البقاء في السلطة، تحت مسميات مختلفة، ومع تغيير بعض الأسماء".

ورأى شاب جزائري في العشرين من عمره، ومشارك في الحراك في باريس لـ"العربي الجديد"، أن "جزائريي فرنسا استعادوا الاعتزاز بجزائريتهم"، معتبراً أن "العشرية الدامية"، إضافة إلى الصمت الكبير أثناء ثورات الربيع العربي، أثّرت على مكانة الجزائري في فرنسا وفي العالَم، حتى "تصوَّر الكثيرون أن الثورة ماتت في دماء وعروق الجزائريين"، بحسب قوله.



ويعيش الجزائريون فترة فريدة من تاريخهم، وتحظى تجمعاتهم بتعاطف كبير من الفرنسيين، على الرغم من "الحياد" الرسمي أو "البرغاماتية" الرسمية.

وقال عماروش المسنّ الجزائري: "لقد مضى الوقت الذي كنا نتظاهر فيه، وكان مصيرنا حينها هو الغرَق في نهر السين"، في إشارة إلى أحداث 17 أكتوبر/ تشرين الأول 1961، حين دعا فرع "جبهة التحرير الوطني" في باريس الجزائريين للتظاهر.

ومن سخرية الأقدار أن "الجبهة" التي تزعّمت النضال ضد الاحتلال الفرنسي، وقادت جزائر ما بعد الاستقلال، تتعرض اليوم لمقت وكراهية شديدين من قبل المتظاهرين، شأنها شأن أسماء سياسية، كبوتفليقة.

وما يميز هذا التجمع وما سبقه، حرص جميع المتظاهرين، بمن فيهم الأطفال، على حمل أعلام صغيرة، وعلى كتابة شعارات ومطالب على لافتات ورقية صغيرة، يحرصون أن تلتقطها عدسات المصورين، للتاريخ.  

وأكدت شابّة جزائرية أن "كل واحد منا يريد أن يصفي مشكلة خاصّة له مع النظام، وهو ما يحاول كتابته"، مضيفة أنه "ولكَ أن تتصور طُغمة سادت منذ 1962 إلى الآن، كم ارتكبت من أخطاء ومَظالم".



وتوجد خيام صغيرة لبيع الأعلام الجزائرية والقبعات باللون الوطني الجزائري، في ساحة الجمهورية في باريس. كما أن كثيراً من المحالّ التجارية، الصينية والهندية والعربية، التي تظلّ مفتوحة طيلة أيام الأسبوع، تستعرض بشكل لافت مبيعاتها من الأعلام الجزائرية: "إنه البيزنس"، قال لنا بائع صيني بضحكة ماكرة.

وأكد متظاهر جزائري، حرص أن يصطحب معه طفليه إلى ساحة الجمهورية، وجوب "ألا يُفلت منا الانتصار هذه المرة"، مستشهداً بالمثل القائل "المؤمن لا يُلدَغ من جُحر مرَّتين".

ولكن بالرغم من أن النصر كما يتصوره الكثيرون أصبح "قاب قوسين أو أدنى"، إلا أنّ هؤلاء يخشون مناورات "مهنيي السياسة"، الذين "لن يتركوا بلد الريع يُفلت بسهولة من أياديهم"، وهو ما دفع المتظاهرين إلى رفع لافتات تنادي بدستور جديد، يستبعد كل رجالات النظام الحالي، أي "نظام العهد القديم، كما سنقول عنهم، حين تنتصر ثورتنا الثانية بشكل نهائي"، كما بحسب سعيد، وهو سائق تاكسي جزائري.

"جميل أن تكون جزائرياً هذه الأيام". هكذا صورت ياسمينة، وهي طالبة جامعية في باريس الثامنة المشهد. وأضافت: "وصلت إلى فرنسا قبل أربع سنوات، والكثير من الفرنسيين، منهم وزراء في حكومة (الرئيس الفرنسية إيمانويل) ماكرون، يعترفون بإعجابهم بسلميتنا ورغبتنا في أخذ مصيرنا بأيدينا. عزيزي الجزائري ارفع رأسك عالياً".



لا أحد في ساحة الجمهورية يتوقع فشل حراك الجزائر، لكن "كلما أسرع بوتفليقة ورهطه في الرحيل كان الأمر أفضل للجزائر وشعبها"، وذلك بلسان مسنّ جزائري من مواليد 1930، خَبَر كلَّ تاريخ بلاده الطويل والمعقد.    

المساهمون