رؤساء أحزاب يناقشون "أزمة" فرنسا: استعادة خطابات الانتخابات

رؤساء أحزاب يناقشون "أزمة" فرنسا: استعادة خطابات الانتخابات

21 مارس 2019
غابت مقترحات الحلول خلال اللقاء (كينزو ترايبويلارد/فرانس برس)
+ الخط -


لأول مرة منذ انتخاب الرئيس إيمانويل ماكرون، يجتمع ستة من رؤساء أهم الأحزاب الفرنسية، بغرض نقاش الأزمة التي تعيشها البلاد منذ أكثر 18 أسبوعا، بسبب حراك السترات الصفراء، وما شابها من عنف، ولتقديم اقتراحات من أجل الوصول إلى "المصالحة". 

غير أن المباحثات التي دامت أكثر من ساعتين ونصف بين رؤساء الأحزاب الستة كشفت عن صعوبة النقاش مع اقتراب الانتخابات الأوروبية، وفي الوقت الذي لاتزال فيه ندوب الانتخابات السابقة، بكل ما تحمل من ضغائن ورغبة في الانتقام، حاضرة.

ومن خلال مجريات النقاش، تكشّف أن كلّ زعيم من المجتمعين كان يرى في الآخر خصماً، وبالتالي يجب مواجهته وتفنيد مواقفه. 

ولعلّ التوافق النسبي الذي حصل بين فرانسوا بايرو، زعيم "الموديم"، وستانيسلاس غيريني رئيس حزب "الجمهورية إلى الأمام"، كان أمرا طبيعيا بسبب تحالف حزبيهما في إطار الأغلبية الرئاسية، عدا هذا كان الصراع على أشده بين لوران فوكييز، زعيم "الجمهوريون"، ومارين لوبان زعيمة "التجمع الوطني"، والسبب أنهما يحاولان إقناع الناخبين أنفسهم، كما أن العلاقة كانت باردة بين طرفي اليسار، جون ليك ميلانشون زعيم "فرنسا غير الخاضعة"، وأوليفيي فور الأمين العام لـ"الحزب الاشتراكي"، فيما كان الجميع، باستثناء بايرو، في موقف الهجوم على رئيس الحزب الحاكم.         

وتطرق النقاش لقضية الإجراءات المقترحة من أجل الوصول إلى العدالة الاجتماعية والضريبية، فكانت الأجوبة أحيانا متقاربة، فمارين لوبان طالبت بخفض الضرائب، وهو موقف بايرو، الذي اعترف بأن "جزءا من الضرائب غير مفهوم من قبل الفرنسيين". 

ووعد غيريني بأن الحكومة ستواصل خفض الضرائب. أما فوكييز، فاعتبر أن الأولوية لخفض كبير في الضرائب. واستغل أوليفيي أول فرصة للمطالبة بإرساء "ضريبة خضراء على الدخل"، في حين كان موقف ميلانشون هو استعادة أموال التهرب الضريبي، من أجل توظيفها في الانتقال الإيكولوجي.

وتطرق النقاش لمعضلة البطالة، فأعادت مارين لوبان لازمتها كون "فرنسا لم تعد تنتج محليا، وتستورد من الخارج، وطالبت بوقف التبادل الحر، والتركيز على المحلي". 

وكعادتها فسّرت تفشي البطالة بسبب "توافد آلاف من العمال المتعاقدين الأجانب، إضافة إلى منح عشرات الآلاف من التأشيرات لعاطلين جدد".

من جهته، تحدث فوكييز بصفة قريبة من لوبان، فاقترح على كل من يحصل على مساعدات اجتماعية أن يشتغل في المقابل. وشدد على أن العمل الاجتماعي يتمثل في البحث عن الشغل، وليس في تلقي المساعدات.

ورأى ميلانشون أنه "يجب منح المال لمن يحتاجه، لأنه يحرك عجلة الاقتصاد"، وتحدث عن "تفكك الدولة"، وأضاف: "نحن في حاجة إلى الدولة"، وإلى "فرض حمائية تضامنية". وقال: "أنا أومن بالدولة والجماعات وأومن بالخدمات العمومية، ولكن أوروبا كسّرت كل شيء.. كما الخوصصة هي الخراب". وشدد على أن "الانتقال الإيكولوجي يخلق عشرات الآلاف من الوظائف".

أما أوليفيي فور فاعتبر أن ماكرون منح هدايا للأغنياء، مما تسبب في غضب الكثيرين. وطالب بتوزيع الثروات، ورأى أن التفاوتات الاجتماعية يتم تصويبها عن طريق الإنفاق الاجتماعي، وتأسف لأن نظراءه لم يتحدثوا عن الأجور، وتمنى في نهاية "الحوار الوطني الكبير" أن يتم تنظيم "مؤتمر وطني حول الأجور".

ورأى فرانسوا بايرو أن من الصعب "حل توزيع الثروات"، وأنه "يجب منح الأولوية للإنتاج والاستثمار". وعبّر عن ابتهاجه لأن "فرنسا عرفت نموا أكبر من كل جيرانها الأوروبيين"، وأن "المشاكل اليوم هي خلاصة سياسات مورست منذ 30 سنة".

وكان من الضروري التطرق إلى السترات الصفراء وإلى العنف الذي رافق بعض تظاهراتها، فكان تدخل غيريني قاسيا ومشابها لمواقف مسؤولين حكوميين، وقال فيه: "10 آلاف متمرد حضروا يوم السبت الماضي. مجرمون جاؤوا من أجل القتل والتخريب. ولكنهم لن يسرقوا الحوار الوطني. لقد صوّتنا على القانون الجديد من أجل مراقبة مثيري الشغب.. وحتى لا يحضر مقنَّعون".

وكان موقف فوكييز قريبا منه من حيث التشدد، فقال: "18 أسبوعا من الفوضى. ونحن طلبنا ابتداء من 4 ديسمبر/كانون الأول 2018 بفرض حالة الطوارئ. كما أن مشروع القانون ضد مثيري الشغب أتى من الأغلبية اليمينية في مجلس الشيوخ".

وأضاف: "يجب فرض عقوبات مثالية على كل من يهاجم الشرطة". وتساءل: "لماذا لا نحظر كل التظاهرات في كل البلد؟"، مضيفا أن "الحكومة تستهين بقضية انعدام الأمن".

من جهتها، رأت مارين لوبان أن "الحكومة والشرطة والدرك لها وسائل لمواجهة المشاغبين.. والحكومة لها مسؤولية، لأنها لم تفعل ما كان يجب عليها. ثمة جنحٌ كان يجب تفعيلها".

وانتقدت اللجوء للجيش بقولها: "لا للجيش ضد الشعب الفرنسي. فهو موجود لمكافحة الإرهاب"، قبل أن تستدرك بقولها: "إن ما تطالب به السترات الصفراء شرعي وعادل".

ورأى بايرو أن "الحفاظ على النظام واجبٌ، والحوار الوطني الكبير فكرة جيدة وناجحة، ولم يكن يؤمن بها سوى القليل".

أما ميلانشون فاعترض على "وضع عسكريين أمام المؤسسات وإدارات الدولة"، كما وعد رئيس الحكومة. وأضاف: "في كل الديمقراطيات كان يجب اللجوء للانتخابات بعد 18 أسبوعا من الحراك"، ورأى أن "اقتراحات السترات الصفراء معقولة وعادية وديمقراطية"، وكرر أن "الجيش لا يقوم بما تقوم به الشرطة"، وطالب بـ"خفض التوتر".

وأيضا، رأى أوليفيي فور أنه "يجب التمييز بين شعب السترات الصفراء وبين مثيري الشغب"، واعترف "أننا لا نعرف عقيدة الحكومة بخصوص الأمن"، وسخر من لجوء ماكرون للمجلس الدستوري بعد التصويت على قانون لمكافحة الشغب، كما اعترض على تصدي الجيش الجمهوري للشعب "حتى ولو تعلق الأمر بمثيري شغب".

وفي الأخير، كان الحديث عن الحوار الوطني، إذ شهد إشادة من قبل فرانسوا بايرو بإنجاز ماكرون، الذي تحدث خلال 50 ساعة أمام الفرنسيين، كما أن ستانيسلاس غيريني وعد بنتائج وخلاصات ستنبثق من هذا الحوار، أما فوكييز، الذي اعترف بمشاركته، خلافا لآخرين، في الحوار الوطني، فرأى أن "الأفعال هي الأساس، وهذا ما ننتظره من الحوار، ولا ينبغي أن نُخدَع".

وسخرت مارين لوبان وأيضاً ميلانشون من هذا الحوار الوطني الكبير، ورأى فيه أوليفيي فور "مونولوغا لرئيس الجمهورية".