جدل في فرنسا بعد الاستنجاد بالجيش لتأمين المنشآت الحكومية

جدل في فرنسا بعد الاستنجاد بالجيش لتأمين المنشآت الحكومية

21 مارس 2019
وصف حزب ماكرون المتظاهرين بـ"المجرمين" (Getty)
+ الخط -
من جديد الجدل الذي تفرع عن أزمة "السترات الصفراء" في فرنسا، والتي فتحت ملفات يحاول "الحوار الوطني الكبير" مناقشتها، ويصر الرئيس إيمانويل ماكرون على أنها قضايا مرتطبة بـ30 سنة ماضية من تعاقب اليمين واليسار على حكم البلاد، تبرز قضية لجوء الحكومة الفرنسية إلى استخدام الجيش الفرنسي، خاصة من عناصر "عملية سينتينيل"، يوم السبت المقبل، في حماية منشآت حكومية في العاصمة باريس وغيرها من المدن.

ولم تعد قوات الشرطة والدرك الفرنسية، التي أصبحت تحت قيادة وزارة الداخلية، كافية لتأمين جميع مرافق الدولة. ولعل الحكومة استفادت من تجربة السبت الماضي، حين ظلّت العديد من سريات الشرطة تحمي القصر الرئاسي ومقر البرلمان ومقرات حكومية أخرى، ما جعل مثيري الشغب يستفيدون من النقص العددي في قوات الأمن، وخاصة قوات التدخل المتحركة، ليرتكبوا أعمال عنف وتخريب وتحطيم ونهب.

وكان المتحدث باسم الحكومة، بنجامان غريفو، قد تحدث عن تعبئة عسكريين لتأمين المرافق الرسمية. هكذا، ستنضمّ قوات "سينتينيل" إلى المجهود التي تبذله قوى الأمن، المنشغلة بتظاهرات "السترات الصفراء"، لتؤمن المباني الرسمية و"نقاطا ثابتة" أخرى.

والحقيقة في فرنسا، أن اللجوء إلى الجيش لا يحصل عادة إلا في الحالات التي يكون فيها البلد مهدداً بعدو خارجي، أو داخلي، وهو ما يندرج في إطاره الإرهاب، وفي هذه الحالة تتم فرض حالة الطوارئ، فيسير الجيش دورياته، ويقوم بحماية المنشآت الحكومية والأماكن الحساسة، التي يمكن أن تكون هدفاً من أهداف العدوّ.

وقد أطلقت مهمة "عملية سينتيتيل" في هذا الإطار، من أجل مكافحة الإرهاب، وذلك بعد وقوع الاعتداءات الإرهابية الدامية التي عرفتها باريس ومدن فرنسية أخرى، منذ سنة 2015.

هذا الموقف الجديد للحكومة، طمأن الأغلبية الحكومية، وهو ما عبّر عنه فرانسوا بايرو، حليف ماكرون بالقول إنه "حين يكون أمامكم أناس يرهبون ويحرقون ويخربون، فيجب إيقافهم"، لكنه أثار في الوقت ذاته غضب قوى المعارضة.
وقد استشاط جان لوك ميلانشون، زعيم اليسار الراديكالي غضباً، خلال النقاش السياسي الكبير الذي جمع مساء أمس الأربعاء، ستة زعماء سياسيين من الحكومة والمعارضة، مردداً مرات عديدة، أن "وظيفة العسكري ليست وظيفة رجل الشرطة"، ومعتبراً القرار الحكومي "مزايدة سياسية". 

الموقف الرافض لقي دعماً أيضاً من زعيمة "التجمع الوطني"، مارين لوبان، التي عبّرت عن "صدمتها" من اللجوء إلى استخدام الجيش، مشددة على أنه "لا نضع الجيش في مواجهة الشعب الفرنسي"، ومشيرة إلى أن من مهام الجيش مكافحة التطرف والإرهاب.

لكن "الصدمة" التي عبرت عنها مارين لوبان، من رؤية عسكريين يأتون لدعم قوى الأمن، لا يراها كذلك وزير التربية الوطنية، جان ميشيل بلانكي، لأن الفرنسيين "اعتادوا على رؤية هؤلاء الجنود المنضوين في عملية سينتينيل في باريس من أجل حماية المنشآت الحكومية". وأضاف ميشيل بلانكي، أن في هذا الإجراء "تغيير في درجة العمل، وليس تغييراً في طبيعته"، وأن الحضور العسكري سوف "يحرر كثيراً من المكان من أجل الشرطة التي ستستطيع القيام بعملها كشرطة"، معتبراً أن انتشار الجيش هو "أوسع مما هو موجود، أصلاً".

وقد هبّ اليمين الفرنسي، ممثلاً في حزب "الجمهوريون"، لنصره الحكومة، وأحياناً لتكريس نوع من المزايَدة، في هذه القضية الأمنية. فرئيس الحزب، لوران فوكييز، لا يمانع في القرار الحكومي، لكنه يلوم الحكومة لأنها لا تنصت للمعارضة، وخاصة لحزبه، الذي يقول إنه بادَر بعد الأول ديسمبر/كانون الأول الماضي، حين احترقت جادة "الشانزيلزيه"، وتعرض فيه "قوس النصر" لبعض التخريب، لـ"مطالبَة الحكومة بفرض حالة الطوارئ".

ولا يتردد فوكييز، الذي ناصر "السترات الصفراء" خلال الأسابيع الأولى، وارتدى سترته الصفراء الخاصة به، قبل أن يبدل موقفه بسبب عجز حزبه عن اختراق الحراك، في المطالبة بوقفه. ويذهب كثير من مستشاري زعيم اليمين الفرنسي ومقربون منه، ومنهم فرديريك بيشنار، مدير الشرطة الفرنسي الأسبق والعضو في "الجمهوريون"، وإيريك سيوتي، نائب "نيس" البرلماني، إلى مطالبة الحكومة بحظر كلّ التظاهرات في عموم فرنسا.

ويأتي هذا الجدل، في ظلّ رغبة محمومة من قبل الحكومة الفرنسية، في استخدام كل الوسائل الممكنة، القضائية والأمنية والإعلامية، من أجل التعجيل بخنق حراك "السترات الصفراء". ومن هنا يأتي مسار شيطنة الحراك، الذي يدافع عنه مسؤولون كبار في الحكومة إلى جانب ماكرون، الذي كان قاسياً، في تصريحات عديدة، في انتقاد من يُواصلون التظاهر، رغم إجراءاته ورغم الحوار الوطني الكبير.
ولعل ما يمثل خطوة إضافية في الاصطدام مع الحراك، الجرأة التي أبداها ستانيسلاس غيرني، رئيس الحزب الحاكم، أمس، خلال النقاش السياسي الكبير، حين وصف 10 آلاف متظاهر، شاركوا في تظاهرة باريس يوم السبت الماضي، بأنهم "مجرمون جميعاً جاؤوا من أجل القتل والتخريب، لكنهم لن يسرقوا الحوار الوطني"، في الوقت الذي كانت وزارة الداخلية تتحدث عن 1500 مثير شغب فقط.
باختصار، الاستنجاد بالجيش، لن يكون الورقة الأخيرة، في هذا الصراع المرشح للاستمرار.