اللمسات الأخيرة على وثيقة الملتقى الليبي... وهذه خطوطها العريضة

اللمسات الأخيرة على وثيقة الملتقى الوطني الليبي... وهذه خطوطها العريضة

16 مارس 2019
عقبات تواجه تفرد حفتر والسراج بالمشهد (فرانس برس)
+ الخط -
كشف دبلوماسي رفيع مقرب من وزارة خارجية حكومة الوفاق، عن حراك الأيام الأخيرة قبل انعقاد الملتقى الوطني الجامع، الذي أكد أن مدينة ليبية ستحتضنه في وقت شارفت فيه الصياغة النهائية لوثيقة مخرجات الملتقى على النهاية. وفيما لم يعلن حتى اللحظة الموعد الرسمي لعقد الملتقى، تشير تسريبات إلى أنه سيجرى تنظيمه أواخر الشهر الحالي.

وقال الدبلوماسي الذي تحدث لـ"العربي الجديد"، إن الوثيقة التي تقوم حالياً مؤسسة بريطانية بصياغتها، لم يسمّها، شارفت على الانتهاء بوضع اللمسات الأخيرة عليها بعد موافقة أطراف ليبية ودولية فاعلة على محتواها، كاشفاً أن خطوطها العريضة تتمثل في تشكيل مجلس رئاسي مصغر يترأسه رئيس حكومة الوفاق الليبي، فايز السراج بعضوية شخصيتين أخريين من برقة وفزان، وحكومة تسيير أعمال مصغرة يترأسها السياسي الليبي العارف النايض، لكن الأهم بحسب المصدر هو تشكيل مجلس تحت مسمى "مجلس الأمن القومي" الذي سيضم السراج واللواء الليبي المتقاعد خليفة حفتر، وشخصية عسكرية من مصراته.

الدبلوماسي اعتبر أن المشاركين في الملتقى وعددهم كبير، لن يتعدى دورهم مناقشة بعض النقاط المتعلقة بترشيح شخصيات تتولى بعض المناصب الحكومية، لكن الشخصيات الرئيسية كشاغلي مجلس الأمن القومي ورئيس الحكومة ووزارة الداخلية لن تكون مطروحة للنقاش ولا حتى الحديث عن الصلاحيات، بحسب الدبلوماسي، مشبهاً ما سيحدث في كواليس الملتقى بما حدث في كواليس محادثات الصخيرات المغربية، التي اخترقتها أطراف دولية لفرض شخصيات بعينها في المشهد.

وعن مهامّ الأجسام الجديدة، قال إنها تتمثل في "تهيئة الظروف رفقة مجلس الأمن القومي للانتخابات المقبلة وإجراءات توحيد مؤسسات الدولة السيادية"، مستبعداً أن يكون الملتقى الوطني بديلاً من مجلسي الدولة والنواب اللذين ستناط بهما مهمة الاتفاق على قاعدة دستورية تفرز قانوناً انتخابياً كأساس للانتخابات المقبلة التي ستجري نهاية العام الجاري.

وأكد أن أيّ طرف سياسي أو اجتماعي أو من قادة المجموعات المسلحة، متأكد من مشاركته في الملتقى حتى الآن، لكن أكد أنهم مطلعون جميعاً على الخطوط العريضة لوثيقة مخرجات الملتقى "كل على حدة وبشكل فردي، ولا يوجد من يعارضها حتى الآن بسبب الضغوط الدولية التي يتعرضون لها"، لافتاً إلى أن عدة عوامل تتزامن مع تلك الضغوط، ومنها الظروف الغامضة التي تعيشها البلاد والتي فرضت هي الأخرى جزءاً من الضغط باتجاه الموافقة على القبول بأي مخرج ينتج عن الملتقى ولا سيما المجموعات المسلحة في غرب البلاد.

وعن موقع لقاء أبوظبي الذي جمع بين السراج وحفتر برعاية المبعوث الأممي، غسان سلامة، وعلاقته بمخرجات الملتقى المرتقب، قال: "كان اللقاء نتاج بلورة لتوافقات دولية واضحة في اتجاه حل الأزمة بحسب المصالح الدولية وبدفع أميركي قوي، ولا شك سيلقي بظلاله على الملتقى واستفادت منه البعثة الأممية في تضمين نتائج اللقاء ضمن بنود وثيقة الملتقى المنتظرة"، مؤكداً أن تفاصيل اتفاق أبو ظبي لن يعلن عنها، لكنها ستكون واضحة جزئياً خلال وثيقة الملتقى.

وتعليقاً على المعلومات التي أدلى بها الدبلوماسي، اعتبرت الصحافية الليبية نجاح الترهوني، أن معالم المشهد المقبل لم تعد خافية، فرسالة المجتمع الدولي بدت في الوضوح بشكل كبير من خلال تقليص الأطراف الليبية الفاعلة من شكلها الرباعي خلال ملتقيات باريس في مايو/ أيار الماضي، وباليرمو في نوفمبر/ تشرين الثاني إلى اثنين فقط، بعدما مكّن بعض الفاعلين الدوليين لحفتر من السيطرة على الجنوب الليبي وتحويله إلى رقم مهم في محاولة أي تسوية سياسية.

وقالت في حديث لـ"العربي الجديد"، إن المجتمع الدولي أراد القول لكل الأطراف الليبية إنه لن يكون في المشهد المقبل إلا اثنان فقط، وعلى الأطراف الأخرى إما القبول بذلك وإما مواجهة الإقصاء، مؤكدة أن حفتر والسراج تلقيا في أبو ظبي توضيحاً ضمنياً لواجباتهم وحقوقهم بشكل جليّ.

وأشارت إلى أن البعثة الأممية بيّنت ذلك بشكل ضمني، بالقول إن السراج وحفتر اتفقا على "إنهاء المرحلة الانتقالية"، ما يعني تجاوز أو إنهاء اتفاق الصخيرات الذي أفرز تلك الأطراف الأخرى التي كانت ممثلة في لقاءات باريس وباليرمو سابقاً، كما أن تأكيد السراج، في كلمته أمام عمداء البلديات الأسبوع ما قبل الماضي التي كشف فيها عن جزء من اتفاق أبو ظبي، بتمسكه بـ"خضوع المؤسسة العسكرية للسلطة المدنية"، يعني قبول حفتر بخضوعه للحكومة، لكنها بكل تأكيد ليست الحكومة الحالية.

وبينت الترهوني أن تصريحات مستشار السراج، السياسي السابق أشرف الشح، وبيانات مجلس الدولة وبعض أعضاء مجلس النواب الرافضة لطريقة تعامل البعثة الأممية معها، بشأن رفضها توضيح زمن وموعد عقد الملتقى، تشير إلى سخطهم على خطوات المجتمع الدولي في حصر الفاعلين في المشهد في شكل ثنائي، وإبعادهم عن المشاركة في الغرف المغلقة لصياغة شكل المرحلة المقبلة.

واعتبرت أن تمكين حفتر من السيطرة على الجنوب بـ"شكل سريع ومفاجئ"، يتماهى مع مستجدات المساعي الدولية خطوةً لفرضه على الأرض كقوة لا يمكن تجاوزها.

وفي الجانب الآخر، لا يرى أستاذ العلوم السياسية في الجامعات الليبية خليفة الحداد، أن تصريحات الدبلوماسي تشير إلى إلغاء دور مجلسي الدولة والنواب بقدر ما هي تقليص فقط، وقال لـ"العربي الجديد" إن "الأطراف الدولية الفاعلة سوف تحتاج لتلك الأطراف كتزويد وثيقة الملتقى بالشرعية التي ستقلص من الانقسام ولن تنهيه بشكل كامل"، مؤكداً أن بند توحيد المؤسسات يهدف إلى توحيد المؤسسات الاقتصادية كحماية لمصالح تلك الدول، لكن استمرار وجود مجلسي الدولة والنواب سيكون بمثابة ورقة للضغط على السراج وحفتر لضمان عدم تفردهما بالسلطة أو محاولتهما الخروج عن السيناريو المحدد لهما.

الحداد اعتبر أنه في ما كان الفاعلون الدوليون يرفضون مطالب السراج تسليح قواته بحجة قرارات مجلس الأمن، كانوا يغضون الطرف عن اختراقات قرارات المجلس من جهة أخرى، لصالح تسليح حفتر من بعض الدول الإقليمية، موضحاً بشكل أكثر وضوحاً أن "المجتمع الدولي في الوقت الذي كان يدعم مسارات التسوية السياسية كان في ذات الوقت يؤمن بقضية الحسم العسكري كحلّ مواز".

وأكد أن "ما سينتج عن الملتقى الوطني لن يختلف كثيراً عن نتائج الاتفاقات السابقة، ولن يزيد عن حد التجربة"، لافتاً إلى أن المشهد المقبل سيكون في صيغة "إعادة إنتاج اتفاق الصخيرات بشكل جديد وبأطراف أقل".

وتساءل: "ما الضمانات حتى الآن لقبول كل الأطراف بمخرجات الملتقى المرتقب؟"، معتبراً أن أطرافاً دولية كإيطاليا مثلاً لا يمكنها الوثوق بمواقف حفتر على الأقل، التي لا يمكن توقعها كما لا يمكن لدى أطراف أخرى ومن بينها داعمو حفتر، القول إنه رجع عن طموحه في الانفراد بحكم البلاد عسكرياً.