نتنياهو في مواجهة تحديات "حماس" والاحتقان في الأراضي المحتلة

نتنياهو في مواجهة تحديات "حماس" والاحتقان في الأراضي المحتلة

16 مارس 2019
لا يُستبعد أن يعود نتنياهو للتصعيد الكلامي(جيم هولاندر/فرانس برس)
+ الخط -
سكب إعلان جيش الاحتلال الإسرائيلي، أمس الجمعة، عن تقديراته بأن إطلاق صاروخين من طراز "فجر"، مساء الخميس، من قطاع غزة باتجاه مدينة تل أبيب، نجم عن خطأ ولم يكن مقصوداً، من دون أن يعني ذلك إعفاء حركة "حماس" من مسؤوليتها، الماء البارد على تحليلات مراسلين عسكريين في الصحف الإسرائيلية، كانوا قد سارعوا إلى الترويج لفكرة أن "حماس" نفذت عملية القصف، بعد ساعات من التظاهرات التي قمعتها أجهزتها يوم الخميس في قطاع غزة. لكن الماء البارد الذي صبّه إعلان جيش الاحتلال زاد من معضلة رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، مع بقاء أقل من أربعة وعشرين يوماً على الانتخابات النيابية في إسرائيل، في ظل استمرار تراجع قوة حزب "الليكود" برئاسته، على الرغم من احتفاظ معسكر اليمين المؤيد له بأغلبية تتيح له تشكيل الحكومة الجديدة.

وزادت عملية القصف والغارات التي نفذها الاحتلال على أهداف لـ"حماس" بعد إطلاق الصاروخين، من حرج موقف نتنياهو، الذي يسعى للمحافظة على منسوبٍ متدنٍ قدر الإمكان من التوتر مقابل "حماس" في قطاع غزة في ما تبقّى من أيام حتى الانتخابات. في الوقت ذاته، يجد نتنياهو نفسه مضطراً أيضاً، ولتفادي المزايدة عليه في ميادين أخرى، إلى المناورة، مستعيناً بالوساطة الأردنية والمحادثات التي يديرها مستشار الأمن القومي، مئير بن شبات، مع الأردن، لمنع انفجار الأوضاع أيضاً في الحرم القدسي، على خلفية سعي الاحتلال لإغلاق مصلى باب الرحمة، والبحث عن مخرج لفقدانه السيطرة على مجمل نقاط التوتر في الساحة الفلسطينية.

ومع أن نتنياهو سارع مساء الخميس إلى عقد مشاورات أمنية مع رئيس أركان الجيش، ورئيس جهاز "الشاباك" (المخابرات العامة) ومستشار الأمن القومي، إلا أن التقديرات تشير إلى نتنياهو لن يتجه إلى تصعيد عسكري مع غزة، خصوصاً بعد الإعلان أمس عن التوصل إلى وقف إطلاق النار بوساطة مصرية. لكن هذا لن يمنعه من العودة إلى ما سبق أن وصفه المحلل العسكري في صحيفة "هآرتس"، عاموس هرئيل، قبل أيام، بالتصعيد اللفظي، كمخرج للهروب من رد عسكري من شأنه أن يحرق كل أوراق اللعبة، ويؤدي إلى تدهور أمني شامل، لن يكون بمقدور نتنياهو حصره على جبهة قطاع غزة، خصوصاً أن الأوضاع في الضفة الغربية المحتلة تتجه بدورها نحو مزيد من الاحتقان، في ظل تمسّك رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، بقرار عدم القبول بتسلّم الضرائب الفلسطينية التي تجبيها دولة الاحتلال للسلطة الفلسطينية، في حال قامت حكومة الاحتلال فعلاً بخصم ما يوازي الأموال التي تدفعها السلطة كمخصصات لعائلات الأسرى والشهداء.


وفي ظل هذا الواقع الشائك من وجهة نظر نتنياهو، وخيار المضي نحو تهدئة والاكتفاء بالغارات التي نفذها طيران الاحتلال، زادت حدة المزايدات ضد سياسة نتنياهو تجاه قطاع غزة، إذ طالب خصومه في الحلبة السياسية الداخلية، ولا سيما وزير الأمن السابق أفيغدور ليبرمان، بوقف سياسة المهادنة، بحسب تعبير ليبرمان، وعدم الخضوع "لسياسة شراء الأمن والهدوء"، والانتقال إلى رد فعل يتمثّل أيضاً بالعودة إلى سياسة الاغتيالات لقادة "حماس" من كل المستويات، بما في ذلك المستويات السياسية و"تدفيع قادة الإرهاب الثمن". من جهته، دعا زعيم حزب "اليمين الجديد"، نفتالي بينت، إلى وجوب "إخضاع حركة حماس مرة وللأبد، وعدم الاكتفاء بقصف كثبان رملية من دون المس بالعدو، بل مطاردته بلا هوادة وتصفية قادة حماس بطريقة منهجية".

وعلى الرغم من إعلان الجيش الإسرائيلي أمس أن إطلاق الصواريخ وفق تقديراته كان بطريق الخطأ، إلا أن من شأن هذا الإعلان، ثم وقف إطلاق نار بوساطة مصرية، أن يعمّقا الضربة التي تلقاها نتنياهو، على مدار العام الأخير، وتحديداً منذ إطلاق مسيرات العودة في قطاع غزة، في الثلاثين من مارس/ آذار من العام الماضي، باعتباره "القوي في مواجهة حماس"، خصوصاً في ظل تصاعد الانتقادات الموجّهة لنتنياهو من خبراء ومسؤولين عسكريين سابقين، أبرزهم غيورا أيلاند، وعاموس جلعاد وعاموس يادلين، وثلاثتهم من الجنرالات الذين خدموا في شُعب الاستخبارات، والذين ينتقدون سياسة نتنياهو بالتوجه إلى مساعي تهدئة مع قطاع غزة، لأنها لا تتم عبر السلطة الفلسطينية، مع ما يوازي ذلك من المس بالتنسيق الأمني مع السلطة الفلسطينية.

ولم يعلن نتنياهو حتى الآن أي موقف جديد يتعدى نمط التعامل السابق مع التصعيد في قطاع غزة، ومحاولات تثبيت التهدئة، بزعم أن ذلك يعزز الفصل بين القطاع والضفة الغربية، ويساهم في منع إقامة دولة فلسطينية، بحسب ما قاله نتنياهو هذا الأسبوع لأعضاء حزبه، لكنه قد يتجه نحو تغيير سياسته كلياً لجهة المغامرة بتصعيد عسكري إذا شعر بأن من شأن ذلك أن يخدمه في الانتخابات. ويجد نتنياهو نفسه محاصراً من قادة حزب "كاحول لفان" بقيادة الجنرال بني غانتس، لأن من يقود هذا الحزب هم ثلاثة جنرالات شغلوا في الماضي منصب رؤساء أركان الجيش، ولن يكون بمقدوره التشكيك أو الطعن بمقارباتهم للوضع الميداني، وإن كانت مواقفهم المعلنة حالياً بدعم الجيش في كل موقف يتخذه، تقترب جداً من رفع الشعار المفضل عند اليمين الإسرائيلي، والذي كان يوماً مفضّلاً عند نتنياهو نفسه، وهو "دعوا الجيش ينتصر".