نهاية زمن اتكال ترامب على دعم الجمهوريين

أميركا: نهاية زمن اتكال ترامب على دعم الجمهوريين

15 مارس 2019
لا يرغب الجمهوريون بمنح ترامب شيكاً على بياض(Getty)
+ الخط -

ما شهده الكونغرس الأميركي في اليومين الماضيين، هو إنذارٌ للرئيس دونالد ترامب بأنه لم يعد بوسعه أن يستقوي بعد الآن بالجمهوريين، لممارسة سياسة خارجية كيفية، أو مبنية على العلاقات الشخصية مع قيادات أجنبية.

قبل يومين، صوّت مجلس الشيوخ على مشروع قانون بغالبية 54 (سبعة منهم جمهوريون) مقابل 46، يدعو الإدارة إلى وقف الدعم لحرب السعودية في اليمن. ومن المتوقع أن يلحق مجلس النواب، ذو الأكثرية الديمقراطية، بالشيوخ قريباً، ويصوت بقوة على وقف مساندة هذه الحرب.

كما صوّت أمس مجلس الشيوخ بأكثرية 59 (منهم 12 جمهورياً) مقابل 41، ضد قرار ترامب إعلان حالة طوارئ وطنية تخوله تحويل أموال من بنود مقرّرة في الموازنة لبناء الجدار الحدودي مع المكسيك. وكان سبق لمجلس النواب أن رفض قبل أسبوعين بأكثرية 245 (منهم 11 جمهورياً) مقابل 182، حالة الطوارئ هذه.

وبذلك، مني الرئيس الأميركي بهزيمتين موجعتين متلاحقتين في اثنين من أهم ملفاته الخارجية التي راهن عليها. والموجع أكثر أن خسارته جاءت بمثابة إدانة من داخل بيته الحزبي هذه المرة، لسياسته الخارجية، وخاصة في مجلس الشيوخ، وبالذات ممن كانوا مقربين منه.

الرئيس الأميركي هدد بـ"الفيتو" لإسقاط المشروعين، وقد ينجح، إذ من الصعب توفر الثلثين في كلا المجلسين لكسر الفيتو. لكن هذا النجاح الإجرائي لن يمحو آثار الصدمة، وما تحمله من مدلولات ورسائل بالغة الأهمية، تتعلق بالمتبقي من رئاسته، كما بمسار سياسته الخارجية.

طوال النصف الأول من ولايته هذه، فتح ترامب سياسة خارجية مزاجية. صعّد وخاصم وتراجع وهادن من غير ضوابط ولا بوصلة. تعاطى مع الحليف من منظور أنه ليس "محمية أميركية" كما كان يقول مستشاره الاستراتيجي الأول ستيف بانون. وبالتالي، على هذا الحليف تحمّل الكلفة أو دفع ثمن "الحماية" الأميركية. وتعاطى مع الخصم بمنطق الصفقة الذي يقتضي رفع السقف للدخول في مساومة تفضي إلى نيل أقصى التنازلات.

حصل ذلك بنأي شبه تام عن بقية المؤسسات الأميركية التي تشارك عادة في طبخة القرار. فهذه يجب إهمالها، حسب بانون، المستشار الاستراتيجي الذي عمل لفترة في البيت الأبيض، والذي يلتقي مع ترامب حول وجوب تفكيك المدرسة التقليدية المسيطر نهجها التحالفي على السياسة الخارجية منذ الحرب العالمية الثانية وترسيخ النهج الشعبوي الانعزالي بدلاً عنه.

أثار هذا التوجه اعتراضات واسعة من جانب النخب السياسية والفكرية المتمسكة بالنهج الموروث. لكن الرئيس لم يكترث. استقوى بالأغلبية الجمهورية في الكونغرس التي تهيّبت التصدي له، خوفاً من قاعدتها التي تشكل 35 في المائة من الجسم الانتخابي، والتي لم تتزحزح شعرة عن تأييدها للرئيس برغم كل الهفوات والسقطات.

بعد الفشل الكبير في انتخابات نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، بدأ الجمهوريون بمراجعة الحسابات. تعزز هذا التوجه بعد توالي الانكشافات القانونية ضد الرئيس: محاميه السابق مايكل كوهين الذي حكم عليه بالسجن لمدة ثلاث سنوات، فضح الكثير من المخالفات التي ارتكبت أثناء الحملة الانتخابية. مدير حملته بول مانافورت صدر بحقه حكمان بالسجن لمدة سبع سنوات ونصف السنة، ولا يزال عرضة للمزيد في محاكمات أخرى قادمة. المحقق روبرت مولر أصدر اتهامات بحق حوالي 35 آخرين من لفيف الرئيس ومحيطه الانتخابي، وهناك 16 تحقيقا مفتوحا الآن حول شركات مالية وضرائب وعلاقات ترامب مع المصارف.
فوق ذلك، جاء موضوع الجدار وحالة الطوارئ وتفاقم النقمة في الكونغرس على السعودية، ليشكل كله فرصة أمام الجمهوريين لمغادرة خط ترامب، والتي تجلت من خلال التصويت في اليومين الأخيرين ضده، وبما أدى إلى خلق دينامية جديدة في المشهد السياسي، الذي بدأ يقترب من حملة انتخابات الرئاسة.

الاعتراض الجمهوري على نهج الرئيس الخارجي حقيقي، ولو أن مداه غامض. الضغوط كبيرة على الكونغرس لاسترجاع صلاحياته في الشؤون الخارجية، خاصة ذات الطابع العسكري مثل دعم حرب اليمن. كما تجلى في الضغط الذي فرض التراجع على الرئيس في مسألة الانسحاب من سورية. يضاف إلى ذلك أن اقتراب صدور تقرير مولر فرض إعادة تموضع مرشحة لتنهي مرحلة منح البيت الأبيض شيكاً على بياض في الشأن الخارجي.

تطور قد يحمل الرئيس الذي لا يتقبل الخسارة بسهولة، على التعويض عن ذلك بخطوات هامة في ساحة لا تثير الاعتراض المحلي، كالساحة الفنزويلية التي أعطت الإدارة هذا الأسبوع أكثر من إشارة إلى عزمها على فعل شيء ما فيها من العيار الحاسم.