مهمة صعبة تنتظر اشتية في رئاسة الحكومة الفلسطينية

مهمة صعبة تنتظر اشتية في رئاسة الحكومة الفلسطينية

11 مارس 2019
مهمة اشتية ستكون شائكة وبالغة الصعوبة (فرانس برس)
+ الخط -

بتكليف الرئيس الفلسطيني محمود عباس، أمس الأحد، عضو اللجنة المركزية لحركة "فتح" محمد اشتية، تشكيل الحكومة المقبلة، تنتهي أسابيع من الحراك الفتحاوي الداخلي لإقالة حكومة الوفاق الوطني برئاسة رامي الحمد الله، وتكليف قيادي فتحاوي لرئاسة حكومة جديدة، لتبدأ مرحلة ثانية.

ولم يكن الحراك الذي بدأ منتصف شهر يناير/ كانون الثاني الماضي، لإقالة حكومة الحمد لله وتكليف قيادي فتحاوي، هادئاً، إذ سادت الكثير من الخلافات والنقاشات الحادّة مركزية "فتح" حول اسم رئيس الحكومة المقبل، ما بين لوبي ضاغط يقوده نائب رئيس حركة "فتح" محمود العالول، وعدد من أعضاء المركزية يرون في إشتية الرجل المناسب للمهمة، وما بين تيار آخر كان يريد إعادة تكليف الحمد لله لأسباب مختلفة، منها أن الأخير لا يشكّل منافساً سياسياً في المرحلة المقبلة، واستطاع نسج علاقات جيّدة مع عدد من أعضاء مركزية "فتح"، وتحديداً قادة الأمن السابقين منهم.

ورغم أنّ اشتية، وهو من مواليد عام 1958، لا ينحدر من عائلة كبيرة، وليس محسوباً على محافظة ثقيلة سياسياً واقتصادياً، مثل بعض أعضاء اللجنة المركزية لحركة "فتح"، لكنّ وجوده التنظيمي راسخ في الحركة، وكان الأوفر حظاً بتكليفه تشكيل حكومة فلسطينية، نظراً لما يتمتّع به من كفاءة على الصعيد السياسي والاقتصادي والدولي، حسب ما ترى قيادات فتحاوية.

ويشغل اشتية حالياً منصب رئيس "المجلس الاقتصادي الفلسطيني للتنمية والإعمار" (بكدار)، وكان شغل منصب وزير الأشغال العامة والإسكان. انتخب عضواً للجنة المركزية لحركة "فتح" عامي 2009 و2016.

ولعل أهم ما يشغله اشتية حالياً هو منصب المفوض المالي لحركة "فتح"، وذلك منذ المؤتمر السادس للحركة عام 2009. أي إنه لا يتم صرف أي مبلغ مالي في إطار الحركة من انتخابات أو مصاريف أقاليم وغيره، إلا بموافقته.

وفي السياق، قال مسؤول التعبئة الفكرية في حركة "فتح" بكر أبو بكر، إنّ "الذي يملكه اشتية ولا يملكه بقية أعضاء مركزية فتح هو أنه رجل اقتصاد، ولديه علاقات دولية، وهو أيضاً رجل سياسة لكونه مقبولاً تنظيمياً وداخلياً". وتابع في حديث مع "العربي الجديد"، أنّ "المرحلة صعبة جداً، هو أكثر قبولاً بالنسبة للناس، بقدرته وكفاءته التي لا ينكرها الغالبية، وهو قادر على تقديم شيء جديد في الملف السياسي والاقتصادي والوحدة الوطنية، وحالياً على عاتقه الكثير من الملفات الصعبة، منها الوحدة الوطنية والملف الاقتصادي".

والأمر ذاته أكّده اشتية نفسه، إذ قال إنّ "مهمة حكومته هي استعادة الوحدة الفلسطينية، والتخفيف من معاناة المواطنين"، مضيفاً في تصريح لوكالة "الأناضول" أمس "بتوجيهات من الرئيس، مهمة الحكومة تحقيق الوحدة، وإنهاء الانقسام، ونستعيد غزة للشرعية الوطنية". وتابع: "مهمتنا العمل ما نستطيع للتحضير للانتخابات المقبلة".

لكنّ حركة "حماس" سارعت إلى انتقاد تشكيل حكومة من دون توافق وطني. وأكد الناطق باسم الحركة فوزي برهوم، في تصريح صحافي أمس الأحد، أنّ تشكيل عباس حكومة جديدة دون توافق وطني "سلوك تفرّد وإقصاء وهرب من استحقاقات المصالحة وتحقيق الوحدة".

واعتبر برهوم أنّ ذلك "وصفة عملية لفصل الضفة الغربية عن قطاع غزة وترسيخ الانقسام"، مؤكداً أنّ "حماس لا تعترف بهذه الحكومة الانفصالية، لكونها خارج التوافق الوطني". وتابع أنّ "المدخل الأمثل لتصحيح الوضع الفلسطيني هو بتشكيل حكومة وحدة وطنية، وإجراء انتخابات عامة شاملة؛ رئاسية وتشريعية ومجلس وطني".

وينحدر اشتية من قرية صغيرة قرب نابلس تُدعى تل. أنهى مرحلته التعليمية المدرسية فيها، قبل أن ينتقل إلى جامعة بيرزيت، ليحصل على درجة البكالوريوس في تخصص الاقتصاد وإدارة الأعمال عام 1976. ثمّ حصل على درجة الدكتوراه في دراسات التنمية الاقتصادية من جامعة ساسكس في بريطانيا.

ويعتبر اشتية أول مسؤول فلسطيني وعضواً في المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية يقدّم استقالته، إذ شارك في مفاوضات التسعة شهور التي كانت برعاية وزير الخارجية الأميركي الأسبق جون كيري، وكانت بدأت عام 2013، لكنها سرعان ما انهارت في ربيع 2014، بعد تراجع حكومة الاحتلال الإسرائيلي عن إطلاق سراح الدفعة الرابعة من الأسرى الفلسطينيين المعتقلين قبل اتفاق أوسلو، رغم أن الاتفاق غير المكتوب كان بضمانات ورعاية كيري.

وقدّم اشتية استقالته من المفاوضات في نوفمبر/ تشرين الثاني عام 2013، وقال في أحد تصريحاته عشية عيد الميلاد في العام ذاته: "شعرت أننا كنا نفاوض تسيبي ليفني واسحق مولوخو المستشار السياسي لرئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، لا حكومة الاحتلال الإسرائيلي".

كما أنّ اشتية من أوائل المسؤولين الفلسطينيين الذين صرّحوا للإعلام بضرورة تغيير مهام السلطة من خدماتية إلى مقاومة، إذ بدأ بالحديث عن أهمية هذا التغيير منذ نحو خمس سنوات. وفي هذا السياق قال: "يجب أن تتحوّل السلطة الفلسطينية من خدماتية إلى مقاومة للاحتلال الإسرائيلي"، مشيراً إلى أنها "أسست لتكون انتقالية لا لتصبح دائمة"، حسب تصريح نشره مكتبه نهاية أغسطس/ آب 2018.

وقدّم اشتية تصوراً من 22 بنداً أمام المجلس المركزي الفلسطيني للانفكاك من اتفاقية باريس الاقتصادية العام الماضي، وأكد أنّ "لديه تصوراً واضحاً عن كيفية الانفكاك، سواء عبر التخلّص من عملة الشيكل الإسرائيلية، أو بمقاطعة البضائع الإسرائيلية، وكيفية بناء اقتصاد فلسطيني وطني، وفتح باب التجارة مع العمق العربي".

ويقدر المحلّلون والمراقبون أنّ مهمة اشتية ستكون شائكة وبالغة الصعوبة، خصوصاً أنه تم تكليفه في ظلّ أزمة اقتصادية ومالية تعصف بالسلطة الفلسطينية، التي قررت عدم تسلّم جميع أموال عائدات الضرائب التي تجمعها حكومة الاحتلال بموجب اتفاق "باريس الاقتصادي"، بعد قيام الأخيرة بقرصنة ملايين الدولارات بذريعة أنها تذهب مخصصات لأسر الشهداء والأسرى والجرحى. وهو الأمر الذي وضع السلطة الفلسطينية في مأزق مالي انعكس بالتأخّر نحو أسبوعين في صرف رواتب شهر فبراير/ شباط الماضي، فضلاً عن صرف 50 في المائة من رواتب الموظفين الحكوميين، واتخاذ تدابير مالية تقشفية.

وإلى جانب الأزمة المالية والاقتصادية التي لا يبدو أنّ هناك حلاً قريباً لها، يواجه اشتية ملفات سياسية خارجية وداخلية، وأبرزها ملف المصالحة.

وفي هذا السياق، قال الكاتب والمحلل السياسي هاني المصري، في حديث مع "العربي الجديد"، إنّ "تشكيل فتح للحكومة يعني أنّ باب المصالحة أغلق حتى إشعار آخر". وأضاف: "حالياً هناك أعباء ضخمة على حركة فتح، على المستويات كلها؛ سياسية واقتصادية ومالية، فضلاً عن أزمة الصراع المحتدمة مع الولايات المتحدة الأميركية، والمعرّضة للتفاقم أكثر، في حال عرضت الإدارة الأميركية ما تسمى صفقة القرن، وهذا عبء كبير ستتحمله فتح لوحدها تقريباً في ظلّ مقاطعة عدد من فصائل منظمة التحرير للحكومة المقبلة". أما الأمر الآخر بحسب المصري، فهو أنّ "المجتمع الدولي لا يفضل حكومة فصائلية، وإنما حكومة مستقلين".

ولعل أبرز الأزمات التي تنتظر حكومة اشتية، كما يرى المصري، تتمثّل "بأنّ هذه الحكومة ستؤجّج معركة خلافة محمود عباس، وتجعل رئيس الحكومة الفتحاوي يؤدي دوراً في هذه المعركة المقبلة"، قائلاً: "أهمية هذه الحكومة إذا استمرت لوقت طويل، هي في أنها ستؤدي دوراً في الخلافة، وهذا سيذكّي التنافس داخل فتح والسلطة، ولا سيما أنّ هذه الحكومة ستتحوّل إلى مركز ثقل، وهذا ما يعطي أهمية لها في هذا الوقت".

واستدرك المصري بالقول إنّ "هناك فرصة نأمل أن تكون كبيرة في إحداث اختراق يغيّر ما سبق بالنسبة لإغلاق مسار المصالحة، وهو الأمل الوحيد الذي يمكن أن ينقذ الوضع على صعيد الوحدة الوطنية".