المقاتلون الأجانب في "تحرير الشام": مهمة صعبة لحسم مصيرهم

المقاتلون الأجانب في "تحرير الشام": مهمة صعبة لحسم مصيرهم

10 فبراير 2019
آلاف المقاتلين الأجانب موجودون في إدلب ومحيطها(رامي السيد/فرانس برس)
+ الخط -

تعود الأنظار من جديد إلى مصير المقاتلين الأجانب في سورية، لا سيما في إدلب وجوارها، مع تصاعد تهديدات روسيا بعملية عسكرية في المنطقة "للقضاء على الإرهاب"، وتأكيدها أن اتفاق سوتشي الموقّع بينها وبين تركيا، في سبتمبر/أيلول الماضي، حول إنشاء منطقة خفض تصعيد في إدلب "مؤقت"، وبالتالي فالمنطقة الآمنة لن تبقى على وضعها إلى الأبد، مع تشديدها على رفض بقاء "محميات للإرهاب" في سورية. يأتي هذا التهديد الروسي، في ظل أحاديث عن مساعٍ تركية لحل معضلة وجود "هيئة تحرير الشام" (جبهة النصرة) في إدلب، والتي تُشكّل ذريعة للنظام السوري وموسكو لاستمرار التلويح بعملية عسكرية.

وبحسب التفاهمات في اتفاق سوتشي، تم تكليف تركيا بالتعامل مع قضية "العناصر المتطرفة" في شمال غربي سورية، مقابل وقف أي هجوم للنظام وروسيا على محافظة إدلب ومحيطها. ومنذ ذلك الحين، تبذل تركيا جهوداً على أكثر من صعيد لاحتواء هذه المجموعات، لكنها لم تحقق نجاحاً ملموساً حتى الآن، وإن كانت قد نجحت نسبياً في إلزام أطراف المعارضة باحترام اتفاق سوتشي، كما أن "هيئة تحرير الشام" التزمت بتطبيق بنود الاتفاق من دون خروقات كبيرة، على الرغم من أن قوات النظام لم تلتزم كثيراً بهذا الاتفاق.

ومع ذلك، عادت الخارجية الروسية للحديث عن أن موسكو لن تسمح بوجود "محميات" للإرهاب في سورية، معلنة أن "العملية العسكرية المحتملة في إدلب ستكون منظّمة بشكل فعال إذا تمت". وقال نائب وزير الخارجية الروسي، سيرغي فيرشينين، في تصريح صحافي الجمعة، إنه "منذ البداية في كل اتفاقياتنا حول مناطق التصعيد، كتبنا الشيء الرئيسي، أن هذا تدبير مؤقت، وهو ما يعني أن لا أحد سيعترف بهذه المنطقة (في إدلب) على هذا النحو إلى الأبد"، مؤكداً أن إدلب "جزء لا يتجزأ من الدولة السورية والأراضي السورية، ويعني أننا لن نسمح بوجود محميات للإرهاب البغيض في سورية. وهذا يعني أيضاً أننا، بما في ذلك الرئيس الروسي، قلنا بكل صراحة، إنه يجب القضاء على الإرهاب عاجلاً أم آجلاً".

وفي ظل هذا الموقف الروسي، تبرز من جديد معضلة المقاتلين الأجانب الموزعين في سورية على تنظيمات مختلفة مثل "داعش" و"هيئة تحرير الشام" وفصائل جهادية أخرى أقل حجماً، تنتشر في محافظة إدلب والمناطق المحيطة بها في الشمال السوري. والمشكلة الأبرز أن هؤلاء المقاتلين، فضلاً عن عقيدتهم القتالية الصلبة، تكاد كل الأبواب تكون موصدة أمامهم، ليبقى أمامهم خيار القتال حتى آخر رمق، ما يجعلهم عقبة في وجه أي تسوية سياسية قد تتوافق عليها الأطراف الدولية والإقليمية في سورية.

وفي الآونة الأخيرة، سارت التطورات في إدلب ومحيطها بعكس الاتجاه المتوقع أو المنتظر من تركيا، وهو تقليص نفوذ القوى المتشددة في المنطقة والتخلص منها نهائياً، فقد وسّعت "تحرير الشام" من سيطرتها في المنطقة على حساب فصائل المعارضة المدعومة من أنقرة، وباتت الهيئة تسيطر اليوم على معظم محافظة إدلب، وكامل الريف الغربي لحلب تقريباً، فيما تضعضعت الفصائل المحسوبة على الجيش الحر، وخضعت في كثير من المناطق للشروط التي وضعتها "تحرير الشام".

ومع هذه التطورات، بدأت مصادر تركية تتحدث علناً عن وجود جهات أجنبية تموّل وتدفع "تحرير الشام" إلى تخريب اتفاق سوتشي. وحددت صحيفة "يني شفق" التركية بالاسم السعودية والإمارات، وقالت إنهما من دفع الشرعي المتشدد في الهيئة المدعو أبو اليقظان المصري إلى إصدار فتاوى محاربة الجيش الحر في الشمال السوري، بعد القرار الأميركي بالانسحاب من سورية وحديث الرئيس دونالد ترامب عن محاربة تنظيم "داعش" من قِبَل تركيا، بهدف تعطيل اتفاق سوتشي وتشتيت انتباه تركيا عن عملية شرق الفرات، وزجّها في نزاعات إدلب. وأضافت الصحيفة التركية أن الجناح العسكري في "تحرير الشام" شَنّ الهجوم على فصائل "الجبهة الوطنية للتحرير" بموجب تعليمات أبو حسين الأردني، والذي كان ضابطاً في القوات المسلحة الأردنية، مشيرةً إلى أن النظام السوري استغل الاشتباكات، وعمل على حشد قواته ونقل الأسلحة الثقيلة إلى المنطقة.

وقالت المصادر التركية إن مفاوضات تجري من أجل إنهاء دور المقاتلين الأجانب الموجودين في "تحرير الشام" وترحيلهم بشكل كامل خارج سورية، بينما وافق نحو 15 ألف مقاتل سوري في الهيئة على الانضمام إلى "الجيش الوطني السوري"، وسيتم بموجب خطة بين الحكومة التركية والمعارضة السورية، رفع عدد مقاتلي الجيش من 35 إلى 80 ألفاً. ويشمل ذلك أيضاً ضم نحو ألفين من مقاتلي حركة "نور الدين الزنكي" إلى هذا الجيش.

كما أن وزير الخارجية التركي مولود جاووش أوغلو اتهم، قبل أيام، بعض الدول في التحالف المناهض لتنظيم "داعش" بدعم "تحرير الشام"، بهدف تخريب اتفاق إدلب من دون أن يسميها، لتوحي كل هذه المعطيات بأن تركيا قد تكون بدأت العمل على احتواء "تحرير الشام"، سواء بالقوة الناعمة أم القوة الخشنة، بوصفها، أي الهيئة، هي الإطار الأقوى الحاضن للقوى المتطرفة، وعمادها "المقاتلون الأجانب". وفي حال تم تفكيكها، فإن التنظيمات الأخرى، الأصغر حجماً، لن يصعب التعامل معها، سواء بالقوة العسكرية، أم عبر تفكيكها وترحيل من تقبل بلاده استقباله إليها. ومن هذا المنطلق، يمكن فهم استقالة أو إقالة، الشرعي الأكثر نفوذاً وتشدداً في الهيئة، أبو اليقظان المصري، كخطوة باتجاه التخلص من العناصر المتشددة، التي بات وجودها يشكل عبئاً لا تحتمله الهيئة، مع تزايد الضغوط التركية والدولية عليها، وهي تسعى إلى تجنّب الدخول في مواجهة عسكرية مع أي طرف إقليمي أو دولي، ومن هنا تأتي احتمالات دخولها في تشكيل جديد مع "فيلق الشام" أو انخراطها في "الجيش الوطني" المدعومين من تركيا، وهو الأمر الذي قد يقود إلى حدوث شرخ داخل الهيئة، وخروج المزيد من العناصر المتطرفة منها.


وتعليقاً على ذلك، رأى المحلل الاستراتيجي العميد أحمد رحال، في حديث مع "العربي الجديد"، أن من بين الحلول المطروحة حل "هيئة تحرير الشام" وترك السوريين فيها ليختاروا طريقهم، بينما يُعزل الأجانب في مكان ما قد يكون ريف اللاذقية ليواجهوا مصيرهم مع المجتمع الدولي. ورأى رحال أن هذا الحل سيكون صعب التطبيق، لأن الأجانب المهيمنين على الهيئة لن يوافقوا عليه، فضلاً عن الممانعة المتوقعة من قِبل روسيا والنظام السوري. وبشأن إمكانية دمج الهيئة مع "فيلق الشام"، رأى رحال أن الفيلق قد لا يوافق على ذلك لأنه سيضع نفسه في قائمة الاستهداف الدولي، إلا إذا تلقى ضمانات غربية وروسية بأنه لن يتم استهدافه، وهذا صعب التحقق.

من جهته، رأى المحلل السياسي شادي عبد الله، في حديث مع "العربي الجديد"، أن محاولات تركيا تحقيق شراكة بين فصائل معارضة سورية مدعومة من قبلها، و"هيئة تحرير الشام"، ينتج عنها إدارة مشتركة لمناطق الشمال السوري، وتختفي فيها الشعارات الأيديولوجية المتطرفة، قد تكون حلاً مثالياً، لكن دونه عقبات كثيرة، سواء ما يتصل بتكوّن "تحرير الشام" التي ما زالت فيها نواة صلبة متطرفة، أم مدى قبول هذا الحل من قِبل المجتمع الدولي، بما في ذلك روسيا التي قد لا ترضيها أي حلول توفيقية من هذا القبيل. وأضاف عبد الله أن نجاح هذا الحل مرتبط بمدى إمكان إزالة "الطابع الجهادي" لتلك المناطق، والركون إلى إدارة مدنية عصرية تكون تحت إشراف تركيا، على غرار ما حصل في المناطق الأخرى التي سيطرت عليها الفصائل المدعومة من تركيا في ريف حلب.

في المقابل، ترى بعض المصادر أنه في حال لم يمض هذا السيناريوهات بالشكل المناسب أو السرعة المطلوبة، ووفق ما رشح من تفاهمات تمت أخيراً بين تركيا وروسيا، فإن الجانب التركي قد لا يمانع في استخدام القوة هذه المرة ضد "تحرير الشام"، ولكن على الأرجح ليس من قِبل تركيا أو من الفصائل التي تدعمها، بل من روسيا التي قد تعطيها أنقرة الضوء الأخضر للقيام بعملية عسكرية محدودة ضد الهيئة.

وفي كل الأحوال، فإن الخيارات المتاحة أمام المقاتلين الأجانب في الشمال السوري، محدودة جداً، فالدول التي ينحدرون منها لا يقبل معظمها بعودتهم إليها، وتفضّل القضاء عليهم داخل الأراضي السورية، فضلاً عن رفض هؤلاء المقاتلين أصلاً العودة، بسبب ما يعلمون من مصير قاتم ينتظرهم في بلدانهم. يضاف إلى ذلك، أن الكثير منهم يحمل فكر "القاعدة"، ولا يقبل إلقاء السلاح ومغادرة ساحة المعركة من دون قتال. كما أنه من المستبعد أن تغامر تركيا بالسماح لهم بالعبور إلى أراضيها، نظراً لخطورتهم على الأمن الداخلي التركي.

من جهة أخرى، فإن المقاتلين الأجانب يشكّلون "العصب القوي" داخل "تحرير الشام"، ولا يستطيع قائدها أبو محمد الجولاني التخلي عنهم ببساطة، لعلمه أن المقاتلين المحليين سريعو التبدل في الولاء، وكثيراً ما ينتقلون من فصيل إلى آخر، أو حتى يتركون "العمل الجهادي" برمته، بينما المقاتلون الأجانب ليس عندهم هذا الترف، وليس أمامهم سوى القتال حتى النهاية. وبالمقارنة مع مشكلة المقاتلين الأجانب، تبقى مشكلة المقاتلين العرب أسهل، إذ اندمج معظمهم في البيئة المحلية بعد سنوات أمضوها في سورية، وزواج العديدين منهم من سوريات.

ومن أبرز مجموعات المقاتلين الأجانب في سورية، الشيشان الذين خاضوا معارك دامية ضد روسيا لفترة طويلة، وهم يتحدرون من منطقتي الشيشان وشمال القوقاز، اللتين كانتا مسرحاً للصراع المسلح ضد الجيش الروسي على مدار عقدين من الزمن. ومن المجموعات التي تقاتل ضمن "تحرير الشام"، كتيبة "التوحيد والجهاد" التي يرأسها، وفقاً لأجهزة الأمن الروسية، سراج الدين مختاروف، والمعروف أيضاً باسم أبو صلاح الأوزبكي. وتقاتل الكتيبة في مناطق متفرقة من اللاذقية وإدلب وحماة، ومعظم مقاتليها من الأوزبك والطاجيك وأفراد من إقليم تركستان غربي الصين.

أما "كتيبة الإمام البخاري"، فإن أغلب عناصرها من الأوزبك، هي واحدة من المجموعات التي قدِم عناصرها من آسيا الوسطى، وأسسها أبو محمد الأوزبكي عام 2013، الذي قُتل في إحدى معارك ريف حلب، في شهر مارس/آذار 2014، ليخلفه في القيادة صلاح الدين الأوزبكي، وهي اليوم ضمن "هيئة تحرير الشام". كما تقاتل جماعتا "جند الشام" و"أجناد القوقاز" الشيشانيتان إلى جانب "تحرير الشام"، لكنهما حافظتا على حيادهما خلال جولات الاقتتال الأخيرة التي خاضتها الفصائل في ما بينها.