انفصام "التسامح" العربي

انفصام "التسامح" العربي

07 فبراير 2019
استقبال فرانسيس لا يغسل التحريض على الكراهية (فرانس برس)
+ الخط -

أثناء سنوات حصار العراق، حتى غزوه في 2003، انشغل نظام البعث السوري بملاحقة مواطنيه، وعرب آخرين، ممن تعاطفوا مع هياكل أطفال العراق الجياع. ويتذكر السوريون كيف كانوا، إلى جانب اللبناني والفلسطيني والأردني، وغيرهم، يساقون إلى "التحقيق"، وكيف أن تهمة "بعث عراقي" أخفت الكثيرين ممن لا يُعرف مصيرهم حتى اليوم. حتى أن التجريم طاول من تعاطف، أو استقى معلومة من محطة أو صحيفة خارجة من ثلاثية "البعث وتشرين والثورة"، مثلما يُجرم اليوم التعاطف مع غزة أو بين العرب في بعض دول الخليج.

في مقابل ذلك المشهد، كان الشارع في الغرب، وفيه عرب وعراقيون، لا يستكين، في محاولة ملاحقة ساسته واستخباراته حول قانونية غزو العراق ومآسيه. لم يقف مواطن أو مخرج وثائقي، ولا كاتب تحقيق صحافي ولا مثقف، ممن فضحوا أثمان حصار العراق، أمام قضاة محاكم صورية لسجنهم وإلزامهم دفع غرامة مالية. ما يفرض استعادة ذلك الواقع الفاضح من تاريخ عربي قريب، أنه في 2019، يلاحظ بعض انفصام الشخصية العربية على مستويات عدة، تشبه بعض ما لدى البعث السوري. فنخب وحكام خليجيون يصرون على تذكيرنا، أينما كنا، أنهم يغرفون من ذات مصدر التخلف والاستبداد الجمهوري ــ الملكي. ففي حين يدعي حكام و"مثقفو" ما يسمى "عاصمة القرار العربي الجديدة"، أبو ظبي، أنه "بلد أس التسامح والتآخي الإنساني والتعايش"، تظل الحقيقة فاضحة: التآمر على إرادة الشعوب، وعدم القدرة على تحمل جمهور كرة قدم، والدفع نقداً في مقابل تكفير الناس على الهواء، ولتبرير "ثقافة الأحذية"، وشتى أنواع الغل والتحريض على الكراهية، لا يغسله مطلقاً استقبال بابا الفاتيكان "بسعادة" ولا الحاخامات الصهاينة بـ"تسامح". فتحت العمران الشاهق، روايات أخرى عن السطحية وثقافة الاستعراض.

يصعب أن يقتنع عربي يفكر بحرية، أكان مشرقياً أم مغاربياً أم خليجيأً، أن "التسامح والوسطية والعروبة" تستدعي سَوق الناس إلى السجون، بسبب تغريدة رأي، أو لون قميص. حتى في سياسة إنكار الانفصام، ومحاولات "اغتيال العقل"، قولاً وممارسة، سرعان ما تكشف خاتمة الاستعراض الصبياني عمق المأزق، بفضيحة القول: عودوا إلى الشبك... أي إلى حصار ينفونه بحق شقيق النسب الواحد.

المساهمون