التعهدات الانتخابية الإسرائيلية تضيّق هامش مناورات السلطة

التعهدات الانتخابية الإسرائيلية تضيّق هامش مناورات السلطة

07 فبراير 2019
لوحة بتل أبيب تثني على تحالف نتنياهو وترامب(فرانس برس)
+ الخط -
عمد كل من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وقادة الأحزاب والحركات التي تشكّل ائتلافه الحاكم، عشية الانتخابات التشريعية التي ستنظم في التاسع من إبريل/ نيسان المقبل، إلى تقديم تعهدات سيترك الالتزام بها آثاراً عميقة على بيئة الصراع مع الشعب الفلسطيني ومستقبل العلاقة مع السلطة الفلسطينية، إلى جانب أنها سترسم حدوداً واضحة للمسافة التي يمكن أن تذهب إليها خطة السلام، التي تعهّدت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب بطرحها، في حال كانت جادة في ذلك حقاً.

ففي سعيه لاستمالة قواعد اليمين الديني، وعلى وجه الخصوص جمهور المستوطنين في الضفة الغربية والقدس المحتلة، لم يتعهّد نتنياهو فقط بإضفاء شرعية على كل النقاط الاستيطانية التي دشنت على أراضٍ فلسطينية، خصوصاً تلك التي أنشئت بدون الحصول على إذن حكومات إسرائيل المتعاقبة، بل إنه تعهّد ببناء هذه النقاط، بحيث تستحيل البيوت المتحركة فيها بيوتاً ثابتة ودائمة. ونظراً لأن معظم النقاط الاستيطانية "غير القانونية" قد دشنت في مناطق نائية ومتفرقة بعيدة عن التجمعات الاستيطانية الكبرى، فإنّ هذا يعني توسيع دائرة تهويد الضفة الغربية، بحيث يكون من المستحيل الإعلان عن كيان فلسطيني متصل الإقليم ضمن أي تسوية سياسية للصراع.

إلى جانب ذلك، فقد حدّد نتنياهو أفق أي تسوية للصراع، عندما أعلن خلال كلمة ألقاها يوم الخميس الماضي أمام أحد معاهد إعداد المعلمات، في التجمع الاستيطاني "غوش عتصيون"، أنّ "الضفة الغربية ستظلّ جزءاً لا يتجزّأ من إسرائيل". وهذا يفسح المجال فقط أمام الحلول التي تقوم على فكرة منح الحكم الذاتي للفلسطينيين واحتفاظ إسرائيل بالسيادة السياسية والأمنية على الضفة والقدس. وتعهّد ممثلو الأحزاب المشاركة في الائتلاف الحاكم بالعمل على زيادة عدد المستوطنين في الضفة الغربية والقدس المحتلة إلى أربعة أضعاف، ليصل إلى ميلوني مستوطن.

ونظراً إلى أنه بات في حكم المؤكّد أنّ المستشار القضائي للحكومة سيعلن موقفه من قضايا الفساد التي يتهم بها نتنياهو قبل إجراء الانتخابات، فإنّ كلاً من رئيس الحكومة وقادة حزبه "الليكود" سيعمدون إلى تقديم مزيد من التعهدات ويعبرون عن المواقف التي تتماهى مع توجهات قادة المستوطنين في الضفة والقدس.

ولا تقلّ التعهدات التي قدمتها الأحزاب والحركات التي تمثل المعارضة خطورة عن تلك التي قدمتها تلك المشاركة في الائتلاف الحاكم. فموشيه يعلون، وزير الحرب الأسبق، والرجل الثاني في حزب "الحصانة لإسرائيل" الذي أُعلن عن تشكيله أخيراً من قبل رئيس الأركان الأسبق، بني غانتس، أعلن يوم الثلاثاء بشكل لا يقبل التأويل أنّ حقّ اليهود في الاستيطان في كل مكان في الضفة الغربية مكفول، وأنه لا مكانة لدولة فلسطينية بين نهر الأردن والبحر الأبيض المتوسط، وهو ما يتقاطع عملياً مع "الليكود".

ومن الواضح أنّ التعهدات والمواقف التي عبّرت عنها الأحزاب المشاركة في الائتلاف الحاكم والمعارضة، تجعل من المستحيل التعاطي مع مبادرة السلام العربية، بحيث لن يكون بوسع أي نظام حكم عربي تبرير التطبيع مع تل أبيب على أساس تعهدها بالتعاطي بإيجابية مع هذه المبادرة.

في الوقت ذاته، فإنّ خطة حلّ الصراع التي أعلنت إدارة ترامب أنها بصدد الإعلان عنها قريباً، ستأخذ بعين الاعتبار المواقف التي عبّر عنها قادة الائتلاف الحاكم في تل أبيب، فيما تشير كل الدلائل إلى أن فرص أن تقدم هذه الإدارة على مفاجأة إسرائيل بطرح بنود تتعارض مع مواقف حكومتها، ضئيلة إلى حدّ كبير.

وستقلّص التعهدات الانتخابية التي يفترض أن تلتزم الحكومة الإسرائيلية بالكثير منها هامش المناورة أمام قيادة السلطة الفلسطينية، لا سيما أنّ هذه التعهدات ستؤثر بشكل فعلي ومباشر على واقع حياة الفلسطينيين في الضفة الغربية والقدس، خصوصاً في كل ما يتعلّق بالسيطرة على الأراضي وعمليات إخلاء التجمعات السكانية الفلسطينية، كما يحدث في منطقة الأغوار.

وتدرك قيادة السلطة أنها مطالبة أمام الرأي العام الفلسطيني باتخاذ موقف إزاء حملة التهويد التي ستشهدها الضفة الغربية والقدس. ومما يزيد الأمور تعقيداً، حقيقة أنّ الأوضاع الاقتصادية في مناطق السلطة مرشحة للتدهور بشكل كبير، في أعقاب اضطرار حكومة رام الله للاعتذار عن قبول كل المساعدات المالية الأميركية، سواء التي تقدّم للأجهزة الأمنية أو تلك المقدمة للأغراض المدنية، وذلك رداً على تمرير الكونغرس قانوناً يسمح للعائلات الأميركية التي قتل أو جرح أفرادها في عمليات المقاومة بتقديم دعاوى تعويض بمئات ملايين الدولارات ضدّ السلطة.

والمفارقة أنّ إسرائيل التي شرعت في تحركات لدى الإدارة الأميركية في محاولة للسماح بوصول المساعدات المالية، لا سيما للأجهزة الأمنية التابعة للسلطة، خشية أن يتأثّر التعاون الأمني سلباً، ستقدم على خطوات ستضيّق الخناق اقتصادياً في مناطق السلطة. فقد تعهّد أعضاء في المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغر لشؤون الأمن بتمرير قرار بعد أسبوعين يقضي باقتطاع قيمة الرواتب التي تدفعها السلطة للأسرى في سجون الاحتلال وعوائل الشهداء.

ويتضح مما سبق أنّ الوفاء، ولو ببعض التعهدات التي قطعتها الأحزاب الإسرائيلية عشية الانتخابات، يعني إحداث تحوّل جذري آخر على بيئة الصراع وقد ينقل العلاقة بين السلطة وإسرائيل إلى مرحلة مغايرة.

المساهمون