الجزائر: يمرض الشعب لا يموت

الجزائر: يمرض الشعب لا يموت

27 فبراير 2019
الشباب ركيزة الحراك الجزائري الأخير (رياض كرامي/فرانس برس)
+ الخط -



في الجزائر تشير الساعة إلى تونس نهاية عام 2010 إلا قليلاً، ففي أغسطس/ آب 2010 عجّ الإعلام الذي كانت تديره ماكينة الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي ببيانات الأحزاب والتنظيمات والنقابات والجمعيات واللجان لمناشدة الرئيس للترشح، وامتلأت الصحف بقوائم المناشدين من المثقفين "البنفسجيين" والرياضيين والمغنين الذين وقّعوا طوعاً أو كرهاً. كانت تلك تونس البنفسجية في الصالونات والفنادق، لم تطوِ سنة 2010 أيامها حتى أعلنت تونس العميقة عن نفسها، وتمرد الهامش على المركز.
في الجزائر شيء من هذا وأكثر، كانت السلطة مستسلمة للنداءات المتصاعدة من مجموعات الريع والأحزاب والمنظمات المستفيدة من السلطة والطامعة في الامتيازات، والإعلام الحكومي والموالي غارق في التوجه نفسه، قبل أن تستفيق على حراك افتراضي رافض لترشح رجل مريض، يقرّ بشخصه بالعجز وعدم القدرة، لرئاسة الجمهورية. السلطة التي خبرت الشارع في انتخابات عام 2014 (ترشح الرئيس بنفس ظروف مرضه)، اعتقدت أن هذا الموقف الحالي هو عبارة عن مواقف من "فيسبوك" ومواقع التواصل الاجتماعي لا يمكن أن تتحوّل إلى حراك شعبي.

لكن الغضب تخمر في الأزقة وتصاعد في الحارات والبلدات، وانفجر في الشوارع والمدن. خرج الموقف الشعبي من المقاهي والمواقع الافتراضية ليقلب الموازين رأساً على عقب، بشكل لم تشهده الجزائر في تاريخها السياسي، وبإجماع وطني غير مسبوق، وبزخم أكبر بكثير من انتفاضة أكتوبر/ تشرين الأول 1988. قد يكون ذلك مفاجئاً للحكومة التي استندت في قراءتها الخاطئة للشارع إلى عاملين، الأول تضخّم الجسم الأمني، مع توفر ربع مليون شرطي و120 ألف دركي، والثاني استثمار عامل الأزمة الأمنية في التسعينيات، من دون أن تدرك السلطة والحكومة والمجموعة العميقة أن رواسب هذه الأزمة تركت آثارها وحصّنت الجزائريين من العنف والفوضى، لكنها تآكلت بشكل لم تعد فيه مانعاً للجزائريين من التمرد المنظم.

للجزائريين تجربة مع التاريخ في هذا، لم تمنع مجازر 8 مايو/ أيار الرهيبة عام 1945 الحركة الثورية من الانعتاق من الخوف وإعلان القطيعة في نوفمبر/ تشرين الثاني 1954. كذلك يريد الجزائريون القطيعة مع الهيمنة السياسية للنظام (يشبّهها الباحث التونسي الصغير صالحي بالاستعمار الداخلي)، والعودة إلى التاريخ واستعادة النفس الديمقراطي الذي يستوجب تجنّب خطيئة أكتوبر 1988، عندما تغير النص الدستوري باتجاه انفتاح إنشائي، من دون أن تتغيّر المؤسسة الحاكمة. تريد السلطة والرئيس المريض أن يشرفا بنفسيهما على إصلاحات موعودة عام 2019، ويريد الجزائريون ألا تتكرر تجربة الديمقراطية التي استولدها أكتوبر 1988.
الشعوب تغفو لكنها لا تنام، تمرض لكنها حية لا تموت.

المساهمون