تركيا تريد إدلب منطقة آمنة: محاولة لوقف تصعيد النظام

تركيا تريد إدلب منطقة آمنة: محاولة لوقف تصعيد النظام

24 فبراير 2019
صعّد النظام من غاراته الأخيرة (أنس الدياب/فرانس برس)
+ الخط -
حسم الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، أمس السبت، موقف تركيا المتمسك بإقامة المنطقة الآمنة في شمال سورية تحت أي ظرف، مشدداً على المضي قدماً في الخطة سواء لمست أنقرة تعاوناً من حلفائها أم لا، فيما دعا أردوغان إلى جعل إدلب، المشمولة بمناطق خفض التصعيد، والتي تتعرض إلى قصف يومي من النظام السوري "منطقة آمنة تماماً"، لا سيما مع تواصل سقوط القتلى والجرحى جراء تصعيد النظام.

ويبدو أن الموقف العسكري في شمال غربي سورية يتجه إلى مزيد من التأزيم والتصعيد من قبل قوات النظام، التي تحاول تقويض اتفاق تركي روسي يحكم المنطقة، لفتح الباب مجدداً أمام عمل عسكري واسع النطاق، يؤكد قياديون في المعارضة السورية أنه "لن يكون نزهة لقوات النظام، وهو ما يفسر التردد الروسي في منح النظام ضوءاً أخضر للشروع فيما هو أكثر من قصف مدفعي من بعيد يدفع ثمنه الأطفال والنساء فقط". كما يعتبرون أن "النظام لم يجرؤ على تحريك قواته شمالاً نحو عمق محافظة إدلب، لأنه يدرك أنه غير قادر على المواجهة مع عشرات آلاف المقاتلين المعارضين الذين تمرسوا جيداً في قتاله". ولكن الضغط العسكري من قبل قوات النظام على ريف إدلب الجنوبي، وريف حماة الشمالي لم يتوقف منذ مطلع الشهر الحالي.

وقصفت قوات النظام، أمس السبت، براجمات الصواريخ قرية الأربعين بريف حماة الشمالي، فيما ارتفع إلى سبعة عدد المدنيين الذين قضوا الجمعة، جراء قصف بالصواريخ على الأحياء السكنية في معرة النعمان. وذكر مصدر من الدفاع المدني السوري في إدلب لـ"العربي الجديد" أن "القتلى في معرة النعمان هم خمسة أطفال وامرأتان"، مشيراً إلى أن "ثلاثة أطفال من القتلى هم من عائلة واحدة". وطاول القصف مدينة خان شيخون بالمدفعية الثقيلة، كما طاول بلدات سرمين وسراقب وبداما ومرعند والناجية، فيما أعلنت مديرية التربية في مدينة سراقب عن تعليق دوام المدارس في المدينة ومحيطها بسبب القصف المستمر من قوات النظام.

ومن الواضح أن النظام يحاول تقويض اتفاق سوتشي، الموقّع في 17 سبتمبر/ أيلول الماضي، بين الطرفين التركي والروسي، وتم بموجبه إنشاء منطقة آمنة في محيط إدلب بين مناطق النظام والمعارضة، بحدود تراوح بين 15 و20 كيلومتراً، خالية من السلاح الثقيل. ولكن أحد قياديي الجيش السوري الحر، أكد في حديثٍ لـ"العربي الجديد" أنه "لا عودة للنظام إلى محافظة إدلب"، مضيفاً أن "النظام لا يستطيع دفع فاتورة مغامرة كهذه". ولفت القيادي إلى أن "النظام يحاول فرض متغير على القوى الإقليمية وتوريط الروس بأمر يخالف مصالحهم"، مردفاً "لكن الروس غير مستعدين للخوض في مستنقع مقاومة شعبية. هذه المرة سيكون الروس هم الطرف الخاسر".

من جانبه، لا يرجح المحلل العسكري العقيد مصطفى البكور، في حديث مع "العربي الجديد"، انهيار اتفاق سوتشي نتيجة التصعيد الكبير من قبل قوات النظام: "لأنه اتفاق دولي لا يمكن للنظام أن يكون صاحب الكلمة الأخيرة فيه، وتركيا وأغلبية الفصائل متمسكة فيه رغم كل شيء". وأبدى اعتقاده بأن "الموافقة التركية على أي عمل عسكري شمال غربي سورية بعيدة المنال، وبالنسبة للروس سيكون آخر الحلول الممكنة".



ودأب النظام منذ أشهر على الترويج لعمل عسكري واسع النطاق، ضد محافظة إدلب، متحدثاً عن "حشود عسكرية كبيرة في ريف حماة الشمالي". وتوعّد بـ"فتح كل الجبهات"، في سياق حرب نفسية وإعلامية وضغط على الحاضن الاجتماعي للمعارضة السورية، في ظلّ تماديه في قتل المدنيين لدفع فصائل المعارضة إلى القبول بـ"اتفاقات مصالحة" يبدو أنها لا تلقى رواجاً أو قبولاً في شمال غربي سورية، بعد أن تبيّن أنها مدخل للنظام للفتك والانتقام من الشارع السوري المعارض له. وفي الوقت الذي تحدثت فيه وسائل إعلام النظام عن أن "ساعة حسم باتت أكثر قرباً"، تُظهر الوقائع أن النظام غير قادر على الاندفاع شمالاً نحو عمق محافظة إدلب التي تضم نحو 4 ملايين مدني، مع وجود نحو 80 ألف مقاتل من المعارضة السورية، وعناصر من "هيئة تحرير الشام" (النصرة سابقاً) المقدر عددهم ببضعة آلاف.

بدوره، اعتبر القيادي بالجيش السوري الحر مصطفى سيجري، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "ما يحدث في إدلب يعتبر نتيجة طبيعية لعدم توصل كل من الروس والأتراك إلى تفاهم كامل حول مجموعة النقاط المختلف حولها"، مضيفاً أنه "قد تجاوزت مسألة إدلب، لتشمل ملف مناطق شمال شرقي سورية، واللجنة الدستورية، ومستقبل العملية السياسية". ورأى أن "التصعيد الأخير من نتائج سيطرة تنظيم جبهة النصرة على المنطقة"، مضيفاً أن "الروس اعتبروا هذه السيطرة، فرصة للتصعيد والابتزاز لتحقيق مزيد من المكاسب". وأبدى اعتقاده بأن "الأمر لن يتخطى القصف"، لافتاً إلى أنه "لن يكون هناك عملية عسكرية برية في ظل وجود القواعد العسكرية التركية، وأيضاً موقف أنقرة الرافض لإجراء أي عملية عسكرية لم يتغير. لا نعتقد أن تركيا سوف تسحب القواعد العسكرية إلا بعد حل القضية السورية، وأن يكون الانسحاب جماعياً، يشمل القوات الروسية والأميركية والإيرانية".

ولم يجد الروس والأتراك حلاً لمسألة إدلب التي باتت معقل فصائل المعارضة السورية المسلحة، و"هيئة تحرير الشام" (جهة النصرة سابقاً)، ولكن يبدو أن الطرفين يتجنبان الأسوأ وهو العمل العسكري لأن من شأنه إعادة الوضع إلى المربع الأول، في الوقت الذي يبحث فيه المجتمع الدولي عن حل سياسي للقضية السورية برمتها. ولم تنفذ الخطوة الثانية في اتفاق سوتشي وهي استئناف النقل عبر طريقي حلب - اللاذقية، وحلب - حماة، قبل نهاية العام الماضي، علماً أن الاتفاق نصّ على أنه "ستجري استعادة طرق نقل الترانزيت عبر الطريقين إم 4 (حلب - اللاذقية) وإم 5 (حلب - حماة) بحلول نهاية عام 2018". وتسيطر المعارضة السورية على أوتوستراد حلب ـ اللاذقية من منطقة الراشدين في ريف حلب الغربي، والتي تعتبر منطقة اشتباك، مروراً بمدينتي سراقب فأريحا ثمّ ريف جسر الشغور في ريف إدلب، إلى ريف اللاذقية الشمالي عند منطقة الناجية. ومن الواضح أن السيطرة على الطريقين الدوليين أحد أهداف النظام من التصعيد العسكري المتواصل، وهو ما يفسر تركيز القصف على ريف إدلب الجنوبي الذي يمر به الطريقان اللذان يسهم استئناف النقل عبرهما إلى إعادة الحياة لمدينة حلب، المدينة الصناعية الأولى في سورية والتي يسيطر عليها النظام.