مقترح "القوة الدولية" بالمنطقة الآمنة: ترويج أميركي وتحفظ تركي

مقترح "القوة الدولية" بالمنطقة الآمنة: ترويج أميركي وتحفظ تركي

23 فبراير 2019
يعرض ترامب الإبقاء على 200 جندي أميركي بسورية(فرانس برس)
+ الخط -
تواصل الإدارة الأميركية تخبطها في ما يتعلق بحسم موقفها في الملف السوري بعد القرار الذي اتخذه الرئيس الأميركي دونالد ترامب بالانسحاب من سورية في 19 ديسمبر/ كانون الأول الماضي، بدعوى تحقيق الانتصار على تنظيم "داعش"، قبل أن يصطدم بضغط المستشارين في الداخل والحلفاء في الخارج، الأمر الذي اضطره إلى إبطاء قرار الانسحاب قبل الخروج ليل الخميس - الجمعة بمقترح جديد تعتقد الإدارة أنه يمثل صيغة "توفيقية" تسمح لها بالتمسك بقرار الانسحاب وترضي في الوقت نفسه المستشارين والحلفاء المطالبين بالبقاء، مع محاولة توكيل مهام "حفظ الأمن" في منطقة شرق الفرات لطرف آخر غير تركيا كما كان مطروحاً في البداية، وهو الطرف الأوروبي. وترجمت هذه الصيغة بإعلان البيت الأبيض ليل الخميس - الجمعة أن قوة أميركية من 200 جندي ستبقى في سورية لفترة زمنية "لحفظ السلام"، قبل أن يعلن مسؤول كبير في الإدارة الأميركية، مساء أمس الجمعة، أن الولايات المتحدة ستترك في المجمل 400 جندي في سورية على أن يتم تقسيمهم على منطقة آمنة يجري التفاوض عليها في شمال شرقي البلاد وقاعدة للجيش الأميركي في التنف قرب الحدود مع العراق والأردن، وهو ما أقرّ به لاحقًا الرئيس الأميركي، دونالد ترامب. وأضاف المسؤول للصحافيين أن المئتين في شمال شرق سورية سيكونون في إطار التزام بنحو 800 إلى 1500 جندي من الحلفاء الأوروبيين لإقامة المنطقة الآمنة ومراقبتها، وفق ما أوردته وكالة "رويترز".

لكن حماسة البيت الأبيض للفكرة ومعه قوات سورية الديمقراطية (قسد)، والتي كانت أول من رحب بالخطوة الأميركية، ليست كافية لوضع المقترح الأميركي بإنشاء قوة حفظ سلام أو مراقبين دوليين موضع التنفيذ، خصوصاً في ظل التحفظات التركية على المقترح، وإن كان توقيت الإعلان عنه بعد ساعات من اتصال بين ترامب والرئيس التركي رجب طيب أردوغان قد أوحى بأن هناك اتفاقاً غير معلن بين واشنطن وأنقرة بشأن الخطوة، فيما كان لافتا إعلان البيت الأبيض في بيان أن "الرئيسين اتفقا على متابعة التنسيق حول إنشاء منطقة آمنة محتملة".

كذلك يثير القرار الأميركي تساؤلات عدة بشأن مدى قدرة ترامب على إقناع الشركاء الأوروبيين للولايات المتحدة بالحفاظ على وجودهم العسكري في سورية بعدما كان الأوروبيون قد أوصلوا رسالة واضحة للولايات المتحدة بأنهم "لن يبقوا إذا انسحبت". كذلك يبرز تساؤل حول المخرج القانوني الذي قد يسمح بتأسيس مثل هذه القوة وإبقائها في سورية.

تحفظ تركي

وكشفت مصادر تركية مطلعة، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن الجانبين التركي والأميركي لا يزالان يجريان مفاوضات على المستوى العام بدون الخوض في التفاصيل الدقيقة في ما يتعلق بالمنطقة الآمنة شرق الفرات. ووفقاً للمصادر نفسها، فإنه على الرغم من أن كل طرف بات واضحاً في مطالبه إلا أن المفاوضات لا تزال بحاجة إلى لقاءات طويلة ومكثفة، تبحث التفاصيل الدقيقة لعملية الانسحاب الأميركي، والإعلان الأخير من البيت الأبيض الأميركي، عن إبقاء قوة مؤلفة من 200 جندي في المنطقة الآمنة في سورية.

وفي الوقت الذي لم تتضح فيه بعد تفاصيل المكالمة الهاتفية الأخيرة بين أردوغان وترامب، إلا أن المصادر التركية، والتي تحدثت مع "العربي الجديد"، تشير إلى توافقات حصلت على بعض التفاصيل، بدون الكشف عنها، نظراً لسرّيتها في الوقت الحالي.

لكن في مجمل اللقاءات التي تجرى، والتي توصف بالشاقة، لا تزال هناك تفاصيل كثيرة يبحث فيها الجانبان. فعلى سبيل المثال، لم يتم التوافق، حتى الآن، على أعماق معينة للمنطقة الآمنة، والقوى التي ستوفِر الحماية لها. لكن المؤكد وفق المصادر التركية أن هناك ضوءاً أخضر أميركياً من أجل انتشار الجيش التركي في الداخل السوري، على أن يصل إلى حدود شمال الطريق الدولي الرابط بين مدن وبلدات المنطقة الشمالية لكن بدون السيطرة عليه كما تطالب تركيا، لأن هذا الطريق يعد حيوياً ومهماً جداً ولن تسمح أميركا لتركيا بالسيطرة عليه، إذ يربط مدن الحسكة والقامشلي وتل أبيض وصولاً إلى الرقة، كما أن الطريق يصل إلى الحدود العراقية شرقاً.

كذلك لفتت المصادر إلى أن الجانب الأميركي، حتى الآن، يطالب بالحفاظ على وجود قوات سورية الديمقراطية والوحدات الكردية في شرق الفرات مع تقليل السلاح المنتشر بين يديها، وهو ما يعني أنه يتعين على الجانب التركي الاعتراف بهذه القوات ووجودها في المنطقة. وبحسب المصادر، فإن هذا هو السبب الذي دفع القيادة التركية في وقت سابق، على لسان وزير الخارجية مولود جاويش أوغلو، إلى القول إن تركيا لن تعمل على توفير الحماية للإرهابيين.

كما لم تصل المفاوضات الأميركية - التركية بعد، بحسب المصادر نفسها، إلى نقاش نشر ما يعرف بقوات البشمركة الكردية التابعة للمجلس الوطني الكردي في مناطق الأكراد، ونشر قوات عشائرية مثل قوات رئيس تيار الغد السوري أحمد الجربا. وبحسب المصادر نفسها فإن "هذه الأمور ستخضع للنقاش مستقبلاً"، مشيرة إلى أنه من الصعب معرفة الموقف الذي قد تتخذه الولايات المتحدة إزاء مثل هذه المقترحات إذا ما قدمت ضمن خطة تركية.

وبنفس الإطار، نفت المصادر التركية أن تكون فكرة نشر قوات مراقبة عربية في المنطقة، وفق ما يتم تداوله إعلامياً، واقعية، لافتةً إلى أن ما هو مطروح قوة رمزية من دول التحالف الدولي لقتال تنظيم داعش، وإن كانت هناك دول عربية مشاركة في التحالف، لربما تكون هناك مشاركة رمزية، مثل انتشار 100 جندي أميركي و100 جندي من هذه الدول في المنطقة الشمالية، مقابل انتشار مماثل في المناطق الجنوبية لمنطقة شرق الفرات، وهو أمر قد لا تعترض تركيا عليه. لكن المصادر جزمت أن نشر قوة مراقبة كبيرة من آلاف الجنود غير مقبول لا تركياً ولا أميركياً ولا حتى روسياً، على حد قولها، وبالتالي فإن الحديث عن هذه القوة أمر غير واقعي، وربما يتم طرح الأمر كمجرد ورقة ضغط ليس أكثر.

ورجّحت مصادر تركية أخرى أن تكون هناك تفاهمات بشأن المناطق القريبة من الحدود، وفق الضوء الأخضر الأميركي الذي يتيح نشر قوات تركية بعمق 30 كيلومتراً، بالتزامن مع بدء سحب المنظمات الدولية مكاتبها من المدن القريبة من الحدود التركية، ونقلها إلى مدينة عين عيسى.

وبحسب المصادر قد تكون هذه التطورات مؤشراً إلى قرب بدء الانتشار التركي خلال الشهرين المقبلين، مع ما يتطلبه هذا الأمر من مواصلة تركيا جهودها الدبلوماسية. ويترتب على تركيا، التي أجرى مسؤولوها لقاءات في واشنطن أمس الجمعة حول منطقة شرق الفرات، أن تضمن موافقة روسية على أي تفاهمات تتوصل إليها مع الولايات المتحدة. وتسعى روسيا لإعادة النظام السوري إلى المنطقة وتتمسك باتفاق أضنة الذي يمنح تركيا حق التوغل في الأراضي السورية بعمق 5 كيلومترات فقط، ولهذا تطلب من تركيا ترك الأمر للنظام ليسيطر على المناطق الحدودية. وترى المصادر أن هذه اللعبة الروسية ينتظر أن ينتج عنها توافق بين النظام والوحدات الكردية، تكون فيها موسكو أكبر الفائزين، على الرغم من أن أميركا لن تتخلى عن هذه المنطقة وستحميها وتحمي نفوذها فيها مستقبلاً. ولا تستبعد المصادر أن تتخذ الإدارة الأميركية إجراءات عدة في الفترة المقبلة كفرض حظر طيران فوق هذه المنطقة، والاحتفاظ بقوات عسكرية، في ظل دعم من الكونغرس للبقاء في سورية. ولخصت المصادر الوضع بالقول إن مستقبل المنطقة حالياً يعتمد على قدرة الدبلوماسية التركية على النجاح بين أكبر قوتين في العالم أميركا وروسيا.

ويزور وفد تركي، برئاسة وزير الدفاع خلوصي أكار، واشنطن، لإجراء مباحثات مع وزير الدفاع الأميركي بالوكالة باتريك شاناهان، وعدد آخر من المسؤولين، حول الانسحاب الأميركي من سورية والمنطقة الآمنة المقترحة، وتنفيذ خريطة الطريق في منبج.

وقال أكار، في تصريحات قبل توجهه إلى واشنطن أول من أمس الخميس، إن وجود تركيا في شمال سورية هدفه "ضمان عودة السوريين إلى ديارهم بشكل آمن، وطي صفحة إرهاب وحدات حماية الشعب الكردية"، معتبراً "أن العمليات التركية تندرج في نطاق الحقوق الناشئة عن القانون الدولي وحق الدفاع عن النفس".

وفي السياق، استبعد المحلل التركي، أستاذ القانون الدولي سمير صالحة، في حديث مع "العربي الجديد"، أن تصل المحادثات التركية – الأميركية التي تجرى حالياً لأي نتيجة بسبب وجود الكثير من نقاط الخلاف، "ليس فقط على المنطقة الآمنة وشكلها ومضمونها ومن يشرف عليها، بل على موضوع الانسحابات بحد ذاته، والمواقف المتناقضة في تصريحات القادة الأميركيين، وآخر ذلك قرارها الإبقاء على 200 جندي أميركي في المنطقة". واعتبر صالحة أن ذلك يشير "إلى عدم جدية واشنطن في التخلي عن هذه البقعة الجغرافية الاستراتيجية، وبسبب علاقاتها مع اللاعب المحلي وحدات حماية الشعب الكردية".

وحول ما إذا كانت هذه الطروحات تُرضي أنقرة، لفت صالحة إلى أن تركيا قالت أكثر من مرة إن "أي مشروع في المنطقة الآمنة يجب أن يكون بالتشاور معها، وأن يعطيها الصلاحية الأوسع لإدارة هذه المنطقة، لذلك رفضت تدويل موضوع المنطقة الآمنة، ودخول قوات من حلف الأطلسي أو دول أوروبية دون التنسيق معها". وبالنسبة إليه فإن الموقف التركي "يشير إلى أن أنقرة لا تريد أن تكون جزءاً من منظومة دولية تدير هذه المنطقة، بل تريد أن تديرها وحدها، كما حدث في غرب الفرات، في عمليتي درع الفرات وغصن الزيتون".

حماسة "قسد"

وعلى عكس الموقف التركي المتحفظ، كانت "قسد" أول من بادر إلى الترحيب العلني بالإعلان الأميركي عن إبقاء 200 جندي أميركي. وظهرت حماسة "قسد" في تصريحات الرئيس المشترك لمكتب العلاقات الخارجية في الإدارة الذاتية الكردية، عبد الكريم عمر، الذي قال لوكالة "رويترز"، أمس الجمعة، "نقيم قرار البيت الأبيض بالاحتفاظ بمئتي جندي لحفظ السلام في المنطقة... إيجابياً". واعتبر عمر أنه "يمكن لهذا القرار أن يشجع الدول الأوروبية الأخرى، خصوصاً شركاءنا في التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب، أيضاً (على) الاحتفاظ بقوات في المنطقة". وأضاف "أعتقد أن بقاء عدد من الجنود الأميركيين وعدداً أكبر من قوات التحالف وبحماية جوية، سيؤدي دوراً في تثبيت الاستقرار وبحماية المنطقة أيضاً". كذلك أعرب عن اعتقاده بأن "بقاء هذه القوات في هذه المنطقة، ريثما تحل أزمة البلد سيكون حافزاً وداعماً ووسيلة ضغط أيضاً على دمشق لكي تحاول جدياً في أن يكون هناك حوار لحل الأزمة السورية"، على حد وصفه.

محاولة استرضاء الأوروبيين

ويعكس قرار ترامب بالإبقاء على 200 جندي تغيراً جزئياً في قرار سحب كل الجنود وعددهم 2000 بحلول 30 نيسان/ إبريل، والذي كان قد قوبل بانتقادات عدة، بينها من قبل وزير الدفاع السابق جيم ماتيس الذي استقال رداً على القرار. وتهدف خطوة ترامب إلى تحقيق أكثر من هدف، أولها تحفيز الحلفاء الأوروبيين على إرسال قوات إلى سورية والمساهمة في قوة "لحفظ السلام"، على حد وصف المتحدثة باسم البيت الأبيض سارة ساندرز، لا سيما بعدما قوبلت زيارة وزير الدفاع الأميركي بالوكالة باتريك شاناهان إلى أوروبا الأسبوع الماضي في محاولة لإقناع دول حليفة للولايات المتحدة بالإبقاء على قوات لها في سورية بعد انسحاب الولايات المتحدة بالرفض.

وكانت صحيفة "واشنطن بوست" قد نقلت يوم الأربعاء الماضي عن مسؤولين أميركيين وأجانب قولهم إن أقرب حلفاء الولايات المتحدة في أوروبا رفضوا طلب إدارة ترامب لسد الفجوة التي ستنجم عن الانسحاب الأميركي. ونقلت الصحيفة عن مسؤول كبير في الإدارة الأميركية قوله إن الحلفاء قالوا للولايات المتحدة بالإجماع إنهم لن يبقوا في سورية إذا سحبت قواتها، واشترطوا إبقاء جزء من القوات الأميركية على الأقل. مع العلم أن فرنسا وبريطانيا هما الدولتان الوحيدتان اللتان لديهما قوات على الأرض السورية في إطار التحالف الدولي ضد "داعش" والذي تقوده الولايات المتحدة.

وطلبت الولايات المتحدة من حلفائها الأوروبيين بما في ذلك ألمانيا التي لا يوجد لديها قوات على الأرض، تشكيل قوة مراقبة للقيام بدوريات في "منطقة آمنة" واسعة النطاق بطول 20 ميلاً على الجانب السوري من الحدود، وبما يتيح فصل تركيا عن الأكراد.

ونقلت الصحيفة عن المسؤول الأميركي نفسه تعليقه على اقتراح روسيا أن يسمح لقوات الأسد بالاستيلاء على كامل المنطقة التي تسيطر عليها الآن الولايات المتحدة وحلفاؤها، "لا أحد، بما في ذلك الأكراد والأتراك، يعتقد أن قدوم النظام إلى الشمال الشرقي هو فكرة جيدة".


تساؤلات قانونية

في غضون ذلك، تثار تساؤلات حول مدى قانونية "المنطقة الآمنة" المقترحة شرقي سورية، خصوصاً أنها تتم بين أطراف أجنبية على أراضٍ سورية، من دون تفويض من الأمم المتحدة. ومصطلح "المنطقة الآمنة" غير وارد في القانون الدولي، وإن كان قد ورد ما يشبهه (مناطق محايدة ومناطق منزوعة السلاح) من ناحية تحديد مناطق جغرافية خارج الاستهداف العسكري للفصل بين قوات متحاربة أو لحماية المدنيين، لكن غالباً تكون في ظل إطار قانوني من الأمم المتحدة كما حصل في الجولان السوري المحتل أو في شمال العراق. كذلك لا يجب إغفال أن تنظيم "قسد" ليس دولة أو كياناً ليصار إلى إنشاء منطقة آمنة تفصله عن تركيا.

وفي هذا الإطار، يرى رئيس دائرة الإعلام والاتصال في الائتلاف الوطني السوري المعارض، أحمد رمضان، أن التفاهمات المحتملة بين الجانبين التركي والأميركي حول "المنطقة الآمنة" في شرق سورية "تستند الى مبدأ مكافحة الإرهاب". وحول ما يطرح بأن تحل قوات أوروبية محل الأميركية بهدف الفصل بين المسلحين الأكراد وتركيا، قال رمضان إن "القوات الأوروبية موجودة الآن وتشترط لبقائها أن تبقى القوات الأميركية، ولذا قررت وزارة الدفاع الأميركية (بنتاغون) إبقاء 200 عنصر كرسالة بأنهم موجودون". وأعرب عن اعتقاده بأنه ستكون هناك "إدارات محلية منتخبة تشارك فيها العشائر السورية، وستكون المعارضة حاضرة عبر ذراعها التنفيذية (الحكومة السورية المؤقتة)، وسيكون هناك تعاون تركي أميركي بشأن المنطقة الآمنة على طول الحدود، وتعاون أميركي أوروبي عربي بشأن مناطق العمق في شرق الفرات، ويحظر على أي قوة إيرانية أو تابعة للنظام اختراق تلك المنطقة".