شرق سورية: مفاوضات لتحديد مصير "داعش" ومحنة المدنيين تتفاقم

شرق سورية: مفاوضات لتحديد مصير "داعش" ومحنة المدنيين تتفاقم

03 فبراير 2019
خرج مدنيون جدد من مناطق "داعش"(دليل سليمان/فرانس برس)
+ الخط -

مع تواصل توقف المعارك شرق دير الزور السورية بين "قوات سورية الديمقراطية" (قسد) وتنظيم "داعش"، حيث تدور مفاوضات بين الجانبين بعيداً عن الأنظار لحسم مصير من تبقى من عناصر التنظيم، تستمر محنة المدنيين جراء هذا الصراع، سواء من بقي منهم في المناطق التي ما زالت تحت سيطرة "داعش"، الذي يستخدمهم كدروع بشرية، أم من تمكن من الخروج ليواجه مصيراً ليس أفضل، نتيجة الإهمال والاكتظاظ في مخيمات الإيواء، فضلاً عن المضايقات وعمليات الابتزاز من جانب "قسد".

وحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان فإن مفاوضات تجري بين "قسد" وقادة "داعش" للتوصل إلى اتفاق حول مصير من تبقى من عناصر وقادة التنظيم من جنسيات مختلفة في الجيب الأخير الذي ما زال تحت سيطرتهم. ويحاول التنظيم البحث عن ممر آمن لعناصره، وسط رفض "قسد" والتحالف الدولي لمقترحاته التي تدور حول الخروج الآمن من المنطقة. وأوضح "المرصد" أن نحو 700 جندي من القوات الخاصة الأميركية وصلوا إلى منطقة شرق الفرات قبل نحو أسبوع، بهدف القبض على قادة الصف الأول في التنظيم، وبينهم زعيمه أبو بكر البغدادي، في حال كان ما زال على قيد الحياة. وتعمل القوات الأميركية على نقل من يسلمون أنفسهم إلى قواعدها، وسط غموض يلف مصيرهم، وهل ما زالوا ضمن الأراضي السورية أم يجري نقلهم لقواعد أخرى في الدول المجاورة للتحقيق معهم.

وفي هذا السياق، قالت مصادر محلية، لـ"العربي الجديد"، إن المفاوضات تدور بين ضباط من التحالف الدولي وقيادي في التنظيم يدعى "أبو أحمد"، لكن من غير المعروف نتيجتها حتى الآن، إذ يطالب قادة "داعش" بفتح طريق نحو البادية السورية، إلا أن التحالف يرفض ذلك ويطالب باستسلامهم الكامل، أو مواجهة القتال والموت. وقال الصحافي في شبكة "فرات بوست"، صهيب جابر، لـ"العربي الجديد"، "لا تتجاوز مساحة ما تبقى من مناطق نفوذ لتنظيم داعش في ريف دير الزور الشرقي وشرق الفرات بشكل عام، 4 كيلومترات مربعة، وهي تضم أجزاءً من قرى السفافنة، والمراشدة، وموزان والباغوز فوقاني". وأضاف "بحسب مصادرنا فإن المنطقة تحوي نحو 300 مقاتل من التنظيم مع عوائلهم، بالإضافة إلى أعداد قليلة من المدنيين". وتوقع جابر أن يلتحق هؤلاء بمن سبقهم، وأن يسلموا أنفسهم إلى "قوات سورية الديمقراطية" والتحالف الدولي، مشيراً إلى أن "قسد" كانت على تواصل مع هؤلاء المقاتلين طيلة الفترة الماضية بالتزامن مع تناقص عددهم، والذي كان يبلغ نحو 4 آلاف مقاتل. وأضاف جابر أن "المعلومات تشير إلى أن التواصل كان مع قسد بشكل مباشر، والتجمع في نقاط حددتها الأخيرة لتنقلهم لاحقاً بحافلات من منطقة البحرة مروراً بمدينة هجين وصولاً إلى مخيمات مخصصة لهم". وأشار جابر إلى أن العدد الأكبر من الـ4 آلاف مقاتل من تنظيم "داعش" تسرب نحو الضفة المقابلة، أي غرب الفرات نحو سيطرة مناطق النظام، عبر نقطتي السيال والغبرة "بتسهيلات من نظام (بشار) الأسد والمليشيات الطائفية في المنطقة. وقد كشفنا خلال الشهر الماضي عدة صفقات عقدت بين التنظيم ونظام الأسد، وصل خلالها عدد كبير من قياديي التنظيم إلى البادية، خصوصاً إلى مناطق معيزيلة، وسد الـ55 وبادية السويداء أيضاً".


ورغم توقف الاشتباكات بين تنظيم "داعش" و"قسد"، إلا أن الحشد الشعبي العراقي أعلن استهدافه "تجمعات لتنظيم داعش" شرق دير الزور. وقال قائد عمليات الأنبار في "الحشد"، قاسم مصلح، إن هناك "تجمعات لعناصر داعش بالجانب السوري جرى استهدافها بالمدفعية والصواريخ، وتم إبعاد الخطر وإحباط محاولات تسللهم". وقالت مصادر محلية إن القصف الجوي من قبل طيران التحالف الدولي بالتزامن مع قصف من قبل المدفعية الفرنسية ومدفعية الحشد الشعبي، يتواصل على المنطقة، ولكن بشكل متقطع. يأتي ذلك في وقت حذر فيه تقرير لوزارة الدفاع الأميركية من أن أي تراخٍ بالضغط عسكرياً على تنظيم "داعش" قد يمكنه من استعادة مناطق كانت تحت سيطرته في سورية خلال ما بين 6 و12 شهراً. ونقلت شبكة "إس أن بي سي" الأميركية عن مصادر، اطلعت على مضمون مسودة التقرير ربع السنوي الذي سيصدر الأسبوع المقبل عن البنتاغون، قولها إن "داعش" يسعى لإقامة "خلافة" في مناطق معينة، ومن المرجح أن ينجح في مشروعه إذا بقيت مناطق عديدة غير خاضعة لسيطرة قوات النظام السوري، وتراجع الضغط العسكري على التنظيم. ويعكس التقرير خلافات بين المسؤولين الأميركيين في دوائر صنع القرار بشأن تقييم وضع "داعش" ومدى الحاجة لمواصلة بقاء القوات الأميركية في سورية.

على صعيد آخر، دارت اشتباكات بين "قوات سورية الديمقراطية" وقوات النظام السوري، أمس السبت، بالقرب من مدينة القورية في ريف دير الزور الشرقي. وذكرت شبكة "دير الزور 24" أنّ الاشتباكات جرت بالأسلحة الثقيلة. وأوضحت أن الاشتباكات تدور بين "قسد" المتمركزة في قرية الشنان على الضفة الشرقية لنهر الفرات، وقوات النظام على الضفة الغربية من النهر، دون معرفة أسبابها، وسط حالة من الخوف تسود أهالي القرية. وشيعت "قسد" قتيلين من عناصرها في قرية الداودية في ريف الحسكة شمال شرق سورية، قضيا في المعارك الأخيرة مع تنظيم "داعش". وقالت مصادر محلية، إن قرية الداودية العربية خسرت وحدها، في خمسة أشهر، نحو مئة قتيل خلال المعارك مع "داعش"، مضيفة أن "قسد" تقوم بتشييع القتلى على دفعات حتى لا تثير حفيظة أهالي القتلى. وكانت عدة قرى عربية بريف دير الزور والرقة شهدت أخيراً احتجاجات ضد "قسد"، تطالب بتعويض عائلات القتلى ممن قضوا في المعارك ضد "داعش"، إضافة إلى المطالبة بحقوقهم من موارد المنطقة.


وعلى الصعيد الإنساني، خرجت، أول من أمس، دفعة جديدة من المدنيين من مناطق سيطرة تنظيم "داعش"، تضم نحو 70 شخصاً، معظمهم من النساء والأطفال، وسط ظروف صعبة تواجه هؤلاء النازحين. وقالت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين إنها طلبت من "قوات سورية الديمقراطية" تخصيص موقع على الطريق إلى مخيم الهول يمكن فيه تقديم مساعدات للمدنيين الذين يفرون إلى المخيم في أجواء شديدة البرودة، وذلك بعد وفاة 29 طفلاً نتيجة البرد. وأوضحت المفوضية أن "قسد"، التي تسيطر فعلياً على المنطقة، لم ترد على الطلب الذي قدمته المفوضية لها قبل أسبوعين. وقال المتحدث باسم المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، أندريه ماهيسيتش، للصحافيين في جنيف، إن "الوضع الإنساني في هذا الجزء من سورية حرج حالياً. لذلك نناشد بتوفير الأمان للمدنيين وتمكينهم من الخروج من منطقة الصراع ومن الحصول على المساعدة". وأشار إلى أن "قسد" صادرت وثائق هوية وقيدت حركة النازحين في مخيمات بمحافظة الحسكة، داعياً للسماح لهم بحرية التنقل.

وكانت منظمة الصحة العالمية قالت، الخميس الماضي، إن هناك تقارير عن وفاة ما لا يقل عن 29 من الأطفال وحديثي الولادة في مخيم الهول في شمال شرق سورية خلال الأسابيع الثمانية الماضية، أغلبهم نتيجة الانخفاض الحاد في درجة حرارة الجسم والتعرض للبرودة. وأكدت شبكات محلية، أمس السبت، وفاة رضيعة في مخيم الهول جراء البرد ونقص الرعاية الطبية والصحية، مشيرة إلى أنها من أبناء مدينة موحسن في ريف دير الزور الشرقي. وحسب تقارير المنظمات الدولية فإن 33 ألف شخص، أكثرهم نساء وأطفال، خرجوا من مناطق تنظيم "داعش" أخيراً، وهم يعيشون أوضاعاً خطرة، إذ يعانون من سوء التغذية والإرهاق بعد سنوات عاشوها في ظروف بائسة تحت حكم "داعش". وقال صهيب جابر إن هناك "أكثر من 30 ألف مدني نازح وصلوا إلى مخيمات الموت التي تديرها قسد شمال شرق سورية". وأوضح جابر، لـ"العربي الجديد"، أن معظم هؤلاء "اقتيدوا قسراً إلى مخيم الهول في ريف الحسكة. وخلال الأسابيع الماضية توفي أكثر من 30 طفلاً جراء البرد الشديد وانعدام الرعاية الطبية في هذه المخيمات". وأكد أن "قسد تمارس الابتزاز والتعنيف بحق النازحين، حتى أمام عدسات وسائل الإعلام، ولا تسمح لهم بمغادرة المخيم إلا بعد دفع مبالغ تتراوح بين 1500 و10 آلاف دولار". وكشف أن "قسد" رفضت طلب مفوضية اللاجئين فتح طريق بالقرب من مخيم الهول لدخول مساعدات إنسانية.

المساهمون